السودان

“المائدة المستديرة” لمبادرة “أهل السودان”.. هل تنجح في حلحلة الأزمة؟

انطلقت يوم السبت 13 أغسطس بالخرطوم فعاليات مؤتمر “المائدة المستديرة” ضمن مبادرة “نداء أهل السودان للوفاق الوطني” التي يرعاها الخليفة الطيب الجد، وتستمر على مدار يومين، للمساهمة في معالجة الأزمة الراهنة في السودان. شارك في المؤتمر عدد من الأحزاب السياسية والكيانات الثورية ورجال الدين، بجانب مشاركة عدد من سفراء الدول وممثلي البعثات الدبلوماسية بالسودان، وسط مقاطعة واسعة من لجان المقاومة وتحالف الحرية والتغيير بشقيه المجلس المركزي والتوافق الوطني.

ويشمل المؤتمر إلى جانب الجلسة الافتتاحية مجموعة جلسات حوار تعنى بقضايا الفترة الانتقالية وأخرى تناقش السلام والعدالة الانتقالية وأخرى تهتم بمعاش الناس وغيرها من الجلسات، على أمل الوصول إلى توافق وطني وخارطة طريق لما تبقى من المرحلة الانتقالية وما بعدها. 

الملامح الرئيسة لمبادرة أهل السودان

يمثل مؤتمر الدائرة المستديرة أول مرتكزات مبادرة “نداء أهل السودان للوفاق الوطني” التي أعلن عنها الطيب الجد كواحدة من أحدث التحركات الرامية إلى حلحلة الأزمة السياسية المعقدة في السودان، والتي تفاقمت بعد الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، والتي قضت بحل الحكومة، وفرض حالة الطوارئ بالبلاد، وتجميد بنود الوثيقة ‏الدستورية، في خطوة وصفها بأنها لتصحيح مسار الثورة، ما أدى إلى تصاعد موجة الاحتجاجات الرافضة لتلك القرارات، ودفع البلاد نحو الدخول في حالة من الجمود السياسي، خاصة بعد توقف المفاوضات التي كانت تديرها الآلية الثلاثية. 

وفي هذا السياق، تقوم مبادرة الزعيم الصوفي الطيب الجد على مجموعة من البنود والمرتكزات يتمثل أبرزها في:

  • عقد مؤتمر المائدة المستديرة.
  • إجراء حوار شامل مع كافة مكونات الشعب السوداني دون إقصاء لأي طرف.
  • تحديد فترة انتقالية لا تزيد على عام ونصف (ثمانية عشرة شهرًا)، يتم بعدها إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
  • الاتفاق على رؤية موحدة لإدارة ما تبقي من الفترة الانتقالية.
  • تشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية المستقلة غير الحزبية.
  • الدعوة إلى استكمال الترتيبات الأمنية وتنفيذ اتفاق سلام جوبا.
  • رفض أي تدخلات من أي جهة خارجية كانت.
  • دعم القوات المسلحة في دفاعها عن البلاد.
  • احترام قيم الأمة وثوابتها الدينية والأخلاقية والوطنية وأعرافها الحميدة.
  • الدعوة إلى تكوين مجلس أعلى للنداء/ المبادرة يضم قادة الطرق الصوفية والقوى السياسية والاجتماعية والمهنية والرموز الوطنية، يساعده جهاز تنفيذي يعمل على توسيع الدعوة والتواصل مع الجميع والإعداد لمؤتمر المائدة المستديرة، والإشراف على سكرتاريته ومتابعة تنفيذ مخرجاته.

وبشكل عام، من الملاحظ وفقًا لبنود المبادرة رفض أي حلول خارجية بما في ذلك “الآلية الثلاثية”، وهو ما يثير الشكوك حول إمكانية حصول المبادرة على دعم وتأييد دولي، فضلًا عن تبنيها لاستكمال الترتيبات الأمنية وتنفيذ اتفاق سلام جوبا وهي أمور ليست محل إجماع ولم تتوافق عليها القوى السياسية، بينما تدعو المبادرة في ذات الوقت إلى تشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية المستقلة غير الحزبية، وهو ما يتناقض مع اتفاق سلام جوبا. بجانب ذلك، دعت إلى مد الفترة الانتقالية 18 شهرًا، دون توضيح اسباب، فيما كان من المفترض إقامة الانتخابات في يونيو 2023.

ردود أفعال متباينة

تباينت ردود الأفعال المحلية حول مؤتمر المائدة المستديرة ومبادرة “نداء أهل السودان للوفاق الوطني”؛ ففي الوقت الذي لاقت فيه المبادرة ترحيبًا من المكون العسكري وقادة الجماعات والقبائل والعشائر المتحالفة معه، علاوة على دعم من بعض القوى السياسية، وأنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير؛ لم تجد قبولًا من بعض أطراف المعارضة الشبابية والسياسية، التي عدّتها “مبادرة ثورة مضادة” لإعادة إنتاج نظام البشير.

وبهذا الصدد، أكد الناظر محمد الأمين ترك رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا أن أهل الشرق جاؤوا لمبادرة نداء أهل السودان إيمانًا منهم بحجم التحديات الماثلة، وحرصًا على لم الشمل الوطني، مشيرًا إلى أن النداء لن يكون للمحاصصات الحزبية أو المناصب، إنما هو إقبال صادق ومجرد من السودانيين للجلوس من أجل الاتفاق الشامل على كيفية بناء الوطن وإدارته.

وعلى الجانب الآخر، أعلن رئيس لجنة الرؤية السياسية لائتلاف التوافق الوطني “حافظ عبد النبي” رفض الائتلاف الانضمام لمبادرة أهل السودان للوفاق الوطني، قائلًا إنها ستنتج نظام الرئيس المعزول عمر البشير مرة أخرى. فيما اعتبر القيادي في حزب الأمة القومي “عروة الصادق” أن “محاولة الزج بالشيخ الطيب الجد وبإرثه في معترك سياسي مشحون، وإقحامه في أجندة الصراع المحموم أمر خاطئ.”. واعتبر ائتلاف الحرية والتغيير ــ المجلس المركزي المبادرة محاولة من قادة الجيش لإيجاد حاضنة سياسية واجتماعية جديدة. وفي سياق متصل، أعلن الحزب الشيوعي تمسّكه بموقفه الرافض لأيّ مبادرةٍ تتضمّن وجود العسكريين في المشهد.

مبادرات سابقة لم تحرز أي تقدم

لم تكن مبادرة الطيب الجد هي الأولى، حيث شهدت الساحة السياسية السودانية خلال الشهور العشرة الماضية ظهور العديد من المبادرات التي تهدف إلى حل الأزمة السياسية، تجاوزت العشر مبادرات، لم تفلح جميعها في تحقيق وفاق وطني وتكوين حكومة انتقالية مدنية، كان أبرزه المبادرة الأممية التي طرحها “فولكر بيرتس” رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السُّودان (يونيتامس)، في 8 يناير 2022، وانضم إليها ممثل الاتحاد الافريقي، وممثل الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا “ايجاد”، وشكَّل ثلاثتهم “الآلية الثلاثية”، التي صرحت بعدم جدوى مبادرتها بعد أن أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 4 يوليو 2022 انسحاب المكون العسكري من الحوار، والدعوة إلى تشكيل حكومة مدنية بموجبها يخرج الجيش عن المعادلة السياسيَّة.

هذا إلى جانب قائمة طويلة من المبادرات ضمت: مبادرة الجبهة الثورية، ومبادرة هيئة علماء السودان، ومبادرة مديري بعض الجامعات السُّودانية، التي طُرحت في 1 مارس 2022، ومبادرة دولة جنوب السودان، ومبادرة عضو مجلس السيادة الانتقالي الهادي إدريس التي طرها في ابريل 2022، ومبادرة حكماء السودان، وخارطة الطريق التي طرحها حزب الأمة القومي التي طرحت في 29 ديسمبر 2021.

وغير ذلك من المبادرات الكثير والتي كانت آخرها مبادرة “مالك عقار” رئيس الحركة الشعبية-قطاع الشمال، التي طرحها في يوليو 2022، وكانت تقوم على ثلاث مراحل: أولها؛ إصدار نصٍّ دستوريٍ تُحدد فيه اختصاصات المؤسسات الدستورية وصلاحياتها ومهام الفترة الانتقالية، فيما تتضمن المرحلة الثانية؛ تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتبلور مهامها الرئيسة في معالجة الأزمة الاقتصادية، واستكمال عملية السلام، والتصدي للفساد، واستكمال تشكيل هياكل السلطة القضائية، فضلًا عن التجهيز لانتخابات حرة ونزيهة، أما المرحلة الثالثة فتتضمن إجراء حوار وطني شامل، يشترك فيه الجميع، ما عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول.

ومع ذلك، لم تُحدث هذه المبادرات أي تغيير على الأرض، واصطدمت جميعها بحالة من الرفض الشعبي، فضلًا عن عدم قدرتها على إثناء بعض القوى الثورية عن موقفها الرافض للحوار مع المجلس العسكري، وعلى رأسها قوى إعلان الحرية التغيير وتجمع المهنيين السودانيين والحزب الشيوعي، وهي القوى التي رفعت شعار “اللاءات الثلاثة” ضد المكوّن العسكري: “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن كثيرًا من هذه المبادرات لم يتم رفضه على أساس الأطروحات والحلول التي يقدمها، وإنما تم اتخاذ موقف بشأن المبادرة بناء على مواقف الجهة المنشئة لها من المكون العسكري أو معسكر الثورة المضادة، وهو ما يجعل مسألة الوصول إلى حل بالحوار أمر مستبعد، سواء في هذه المبادرة أو أي مبادرات قادمة، ما لم يتم التفاوض بشكل جدي على بنود المبادرة وليس على المواقف الشخصية من المشاركين فيها. 

ختامًا، في ظل هذه الانقسامات، تواجه مبادرة نداء أهل السودان تحديات كثيرة تحد من فعاليتها، فضلًا عن كونها لم تقدم جديدًا عما حملته المبادرات السابقة سوى محاولتها ضم كل عناصر الشعب السوداني تحت مظلتها دون إقصاء لأحد، وهو المكون ذاته الذي ربما يكون سببًا في فشلها فيما بعد. ومع ذلك فإن الوقت لم يعد في صالح السودان، وبقاء حالة الانسداد السياسي يدفع ثمنها كل يوم المواطن السوداني العادي، وبالتالي فإن تعثر آخر في طريق التوافق الوطني سيكون له تبعات سيئة على الاقتصاد السوداني. 

هايدي الشافعي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى