
إجراءات احترازية لدعم الحماية الاجتماعية وتنشيط الاقتصاد المصري
حتى في أصعب الظروف وبتوجيهات دائمة من الرئيس السيسي، تحاول الحكومة المصرية الوفاء بالتزامها تجاه المصريين بتخفيف أثر الأزمة الاقتصادية العالمية على الشارع ما استطاعت، تتفاوت طرق الدعم لكنها تصب بالنهاية في توفير حياة كريمة للمصريين. ولأن الأزمة الاقتصادية العالمية والتضخم العالمي ألقى بظلاله على القاصي والداني ولم تسلم دولة في العالم من الآثار السلبية المترتبة عن تلك الحرب الروسية الأوكرانية، اتخذت الدولة المصرية العديد من الإجراءات الاستثنائية التي عرضها رئيس الوزراء خلال مؤتمر صحفي يوم 9 أغسطس 2022.
أهداف متعددة
ما تشهده الدولة المصرية في الوقت الحالي نوع من التحديات الذي يسمى بالتحديات المركبة، ففي وقت تكافح فيه الدولة لتوفير احتياجات الشارع المصري من السلع والخدمات التي يتم استيرادها من الخارج بالعملات الأجنبية، وفي نفس الوقت اتخاذ قرارات إصلاحية للاقتصاد تحافظ على موارد الدولة من النقد الأجنبي؛ تظل الدولة المصرية على التزامها بالتخفيف من أثر تلك الأزمة عن المواطن المصري خاصة من محدودي الدخل، وذلك وفقًا لتوجيهات رئاسية دائمة بتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين.
وعليه فيمكن القول إن تلك الإجراءات استهدفت توفير موارد بالعملات الأجنبية للاقتصاد المصري لمساعدته على تجاوز الفترة الحالية، وضمان توفير السلع الأساسية التي تستوردها الدولة من الخارج وخاصة الطاقة والغذاء، خاصة في وقت ارتفعت فيه أسعار تلك السلع عالميًا بشكل غير مسبوق نتيجة لتعطل سلاسل التوريد والشحن عالميًا والحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي ضغط بشكل كبير على قدرات الدولة المصرية، وأصبح استيراد تلك السلع أمرًا مكلفًا للغاية بالنسبة للدولة.
هذا فضلًا عن تقديم الدعم الاجتماعي للمواطنين المصريين من محدودي الدخل لتوفير حياة كريمة لهم وضمان تخفيف أثر تلك الأزمات عليهم. وعليه، فإن الحلول المطروحة لتلك التحديات تتمثل في العمل على زيادة الصادرات المصرية وذلك من المواد الخام بالإضافة إلى المنتجات المصنعة من خلال تعميق الصناعة المحلية، والعمل على تحسين مرافق الدولة المختلفة التي تدر دخلًا بعملات أجنبية مثل قناة السويس لتحقيق إيرادات غير مسبوقة، بالإضافة إلى توفير الدعم للمصريين العاملين بالخارج والذين أصبحوا أحد أهم مصادر العملات الأجنبية للبلاد خلال الفترة الحالية.
السياحة والطاقة
تمت الإشارة في ذلك المؤتمر إلى جهود الحكومة في دعم القطاع السياحي، خاصة في ظل التحديات التي يشهدها العالم نتيجة للحرب الدائرة في أوروبا، خاصة وأن الدولة المصرية تسير بخطى واضحة وفقًا لاستراتيجية يتم تنفيذها لتعزيز موارد الدولة من العملات الأجنبية من خلال ذلك القطاع، ومن جانب آخر محاولة تعزيز الصناعة المحلية لإحلال الواردات وزيادة القدرات التصديرية للبلاد من خلال تعظيم استفادة البلاد من الموارد الطبيعية المتاحة.
من جانب آخر، فقد أشار المؤتمر إلى الدور المهم الذي يلعبه قطاع الطاقة بالنسبة للاقتصاد المصري خلال الوقت الحالي؛ من خلال توفير العملات الأجنبية بالبلاد، مشيرًا إلى النجاحات الكبيرة التي حققها القطاع خلال الفترة الماضية، حيث تم تنفيذ عدد كبير من المشاريع التي تضمنت التوسع في الاستثمارات في مشروعات إنتاج وتوليد الغاز الطبيعي، والتي يأتي على رأسها حقل ظُهر، والذي تم تنفيذه في زمن قياسي خلال نصف فترة التنفيذ المتوقعة للمشروع وفقًا لدراسات الجدوى؛ نظرًا إلى أهمية ذلك المشروع بالنسبة للبلاد.
وقد أسهم ذلك المشروع في توفير الغاز الطبيعي لمصر والتي تحولت إلى الاكتفاء الذاتي في عام 2018، بل وتحول مصر إلى فائض، ولولا تنفيذ ذلك المشروع لكان استيراد الغاز سيكون عقبة أخرى أمام الدولة المصرية في الوقت الحالي؛ إذ إن ذلك كان سيتسبب في زيادة فاتورة الاستيراد، ومن ثم فإن إنجاز مثل ذلك المشروع يعد قيمة مضافة كبرى بالنسبة للاقتصاد المصري.
لكن هناك حقيقة تم الإشارة إليها، وهي أن 60 % من إنتاج مصر من الغاز الطبيعي يذهب إلى محطات الكهرباء لتوليد الطاقة التي يتم استخدامها في جميع مناحي الحياة، ومن ثم فإنه كلما استطعنا ترشيد كميات الغاز الطبيعي التي تخدم محطات الكهرباء كلما كان لمصر فرصة لتصدير جانب أكبر من الثورة الطبيعية ومن ثم توفير موارد للبلاد بالعملات الأجنبية، وقد بدأت بالفعل جهود الدولة في توفير الغاز الطبيعي من خلال تحويل عدد من محطات الكهرباء للعمل بالمازوت المنتج محليًا بدلًا من الغاز الطبيعي. وقد نجحت البلاد في تلك الخطوة بعد جهد كبير من وزارتي الكهرباء والبترول، وأسهم ذلك في دعم القدرات التصديرية للبلاد لتبلغ في متوسطها 100 – 150 مليون دولار من الغاز شهريًا، دون اتخاذ أي إجراءات تتعلق بتخفيض أحمال الكهرباء أو تقليل استهلاكها.
الدور الاجتماعي
أما عن الدور الاجتماعي للتخفيف عن كاهل المواطنين، فقد تمت الإشارة إلى أن الأسعار الحالية العالمية للغاز الطبيعي في حال تطبيقها سيترتب عليها زيادة كبيرة في أسعار الكهرباء، خاصة في ظل تحريك سعر الدولار، وأنه كان من الطبيعي والمنطقي زيادة الكهرباء خاصة مع زيادة التكاليف بهدف ترشيد الاستهلاك، إلا أنه من أجل عدم المساس بالفئات البسيطة؛ وجه الرئيس السيسي بإرجاء تلك الزيادة لمدة 6 أشهر، والنظر في البد في التطبيق العام القادم.
لكن هناك ضرورة في الوقت الحالي لتخفيف الضغط على الكهرباء خاصة من جانب استهلاك المواطنين، حتى تستطيع الدولة استمرارها في دعم تسعير الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، حيث تشتري وزارة الكهرباء الغاز من وزارة البترول لاستخدامه في توليد الطاقة بسعر 3 دولارات كل مليون وحدة حرارية، بينما يصل السعر عالميًا في حال تصديره إلى 30 دولار، أي أن الغاز يتم بيعه محليًا بعُشر سعره العالمي، وفي حال بيع الغاز لشركة الكهرباء بالسعر العالمي فإن فاتورة الكهرباء سترتفع بمقدار خمسة أضعاف الوضع الحالي، هذا بخلاف حساب التغير في سعر الصرف، ومن ثم فكل ذلك الفارق تتحمله الدولة لدعم الطاقة للمواطنين، لكنه ناشد المواطنين بالترشيد في استخدام الطاقة حيث إن كل مليون وحدة حرارية يمكن توفيرها محليا يمكن بيعها دوليًا بعشرة أضعاف السعر المحلي.
ترشيد الاستهلاك
واستهل رئيس مجلس الوزراء المؤتمر بالإشارة إلى أن الدولة تعمل في الأوقات الراهنة على استثمار أهم مورد تمتلكه حاليًا وهو الغاز الطبيعي الذي وجهت إليه استثمارات هائلة طوال الفترة الماضية، ولذا فقد اتجهت الدولة نحو توفير أكبر كمية منه لتصديره إلى الخارج والحصول على النقد الأجنبي عن طريق خفض استهلاك الغاز الطبيعي بشكل إضافي ليصل إلى 15٪ والذي قدر بنحو 150 مليون دولار شهريًا، وذلك في ظل الأزمة العالمية التي تمر بها دول العالم أجمع، ولا سيما ما يشهده من أزمة طاقة طالت مختلف دول العالم.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي: في هذا الإطار نعمل حاليًا على زيادة قدراتنا للحد الذي نستطيع من خلاله تصدير أكبر كمية من الغاز، وهو ما دعا الحكومة إلى بدء تنفيذ خطة قومية لترشيد استهلاك الكهرباء لتحقيق مستهدفات الدولة في توفير الغاز المستخدم في محطات الكهرباء سعيا لتصديره وزيادة مواردنا من النقد الأجنبي.
بدأت الحكومة بنفسها بالفعل في تنفيذ خطة الترشيد، حيث تم إرسال توجيهات لجميع الوزارات لتنفيذ تلك الخطة خلال التوقيت الصيفي، وتشمل الخطة المولات التجارية والمحال العامة وغيرها من المؤسسات الأخرى والتي تتضمن تنفيذ ترشيد لاستهلاك الكهرباء خلال ساعات العمل، وغلق التيار الكهربائي تمامًا عقب انتهاء ساعات العمل الرسمية، عدا المباني الخدمية، وكذا عدم إضاءة أي مبنى حكومي من الخارج، وإغلاق الاستادات والصالات المغطاة والملاعب في ساعة محددة أثناء فترات الليل، وكذا المولات التجارية، بحيث تكون تشغيل أجهزة التكييف في المولات الكبرى، والمباني التي تعمل بالتكييف المركزي، على درجة حرارة 25 فأكثر.
لكن لن تنجح تلك الخطة دون اشتراك المواطنين في تنفيذها، حيث إنه بالتزامن مع الترشيد في الوزارات والمحافظات ومختلف الجهات الحكومية؛ من أجل إحداث التكامل مع خطة الحكومة، سعيًا إلى تحقيق أهداف الدولة في هذا الشأن، مشيرا إلى أنه ستكون هناك قرارات تنفيذية من مجلس الوزراء بهذا الأمر قريبًا.
إن ما يتم تنفيذه من إجراءات سريعة، إنما تستهدف في المقام الأول ترشيد استهلاك الكهرباء، وهو ما سينعكس على إتاحة المزيد من كميات الغاز الطبيعي، التي ستقوم الدولة المصرية بتصديرها؛ سعيًا إلى التخفيف من حدة الضغط عليها لتوفير النقد الأجنبي، وذلك في ظل توقع استمرار أمد الأزمة الروسية الأوكرانية، وكذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار الوقود والمواد والسلع الأساسية.
ونوه رئيس الوزراء إلى أنه جارٍ دراسة المزيد من الإجراءات التي من شأنها أن تسهم بصورة أكبر في ترشيد استهلاك الكهرباء، مؤكدًا أن الحكومة تبادر بالإعلان عما يتم اتخاذه من إجراءات، قائلًا: “الهدف هو أن يشعر المواطن بحجم الأزمة الكبيرة، التي يعاني منها العالم أجمع”، مطالبًا المواطنين بالتعاون مع الدولة لتطبيق مختلف الإجراءات التي تهدف إلى ترشيد استهلاك الكهرباء، والذي يُعد هدفًا قوميًا خلال هذه المرحلة، مضيفًا: كل مواطن مصري عليه دور… ودوره مهم، ولا مكان لجملة “هي جت عليا”، مضيفًا: كلما خفضنا استهلاك الكهرباء وفرنا المزيد من العملة الصعبة، وهو ما يستلزم منا جميعًا العمل على قلب رجل واحد في هذا الملف، نظرًا لضبابية توقيت انتهاء الأزمة الحالية.