القضية الفلسطينيةإسرائيل

التصعيد المحسوب… تل أبيب والمسير نحو حرب جديدة في غزة

بشكل ربما يكون مرتبطًا بشكل أكبر بالعوامل الإقليمية، بدأت إسرائيل اليوم عملية “طلوع الفجر”، التي تستهدف بشكل أساسي مواقع وقادة حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس الجناح العسكري للحركة في عدة مناطق بقطاع غزة. هذه العملية، وإن كانت قد بدأت اليوم، عبر حملة من القصف الجوي لعدة مواقع بوسط وشرق القطاع، إلا أن بدايتها الفعلية كانت الثلاثاء الماضي، عبر عملية اعتقال القيادي في حركة الجهاد “بسام السعدي، عبر اقتحام قوة إسرائيلية خاصة مخيم جنين، وهي خطوة تعي إسرائيل جيدًا أنها ستؤدي إلى تصعيد كبير، بدأت آثاره في الظهور هذه الليلة.

عملية اليوم والإرهاصات التي سبقتها تجعل من الممكن الخروج بتقييم مبدئي مفاده أن تل أبيب ترغب بشكل واضح في إحداث “تصعيد محدود النطاق” في غزة، في سياق ردها على بعض الخطوات الإقليمية من جانب طهران ومحورها في المنطقة، خاصة لو وضعنا في الحسبان التوتر القائم حاليًا بينها وبين حزب الله على خلفية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وكذا زيارة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة إلى طهران، بجانب المسار التصعيدي الذي يشوب المواجهة المستمرة منذ فترة بين إسرائيل وإيران، والتي تتسم بأطوار وأشكال مختلفة ومتعددة.

اعتقال السعدي … شرارة إسرائيلية لحرب “مرغوبة”

الثلاثاء الماضي، نفذت قوة إسرائيلية خاصة عملية توغل مفاجئة في مخيم جنين للاجئين، كان هدفها منزل القيادي في حركة الجهاد بسام السعدي، حيث اعتقلت السعدي وزوج ابنته. وقد أدت هذه العملية إلى ردود فعل بالغة الشدة من جانب معظم الفصائل الفلسطينية؛ نظرًا إلى تعرض السعدي وزوجته للإصابة خلال عملية اعتقاله، ولكونه من أبرز قيادات حركة الجهاد في الصفة الغربية، وسبق وأمضى نحو خمسة عشر عامًا في المعتقلات الإسرائيلية.

في نفس ليلة عملية الاقتحام، خضع الوضع الميداني في غزة والضفة للتقييم من جانب الجيش الإسرائيلي، وكانت نتيجة هذا التقييم وجود مؤشرات جدية على إمكانية حدوث ردود فعل قوية من جانب حركة الجهاد الإسلامي على حدود قطاع غزة في المدى الزمني المنظور، وبالتالي بدأ الجيش الإسرائيلي في تكثيف استعداداته على حدود القطاع، خاصة بعد أن توفي أسيران فلسطينيان في سجن “إيشل” ومعتقل “عوفر”، وتعرضت عدة حواجز إسرائيلية في الضفة الغربية، على رأسها حاجز “حوارة” قرب مدينة نابلس، لإطلاق النار.

ظلت حالة الاستنفار هذه مستمرة، بالتزامن مع محاولات مصرية للتهدئة، بدا أنها كانت ستؤتي ثمارها، خاصة بعد أن مر يوما الأربعاء والخميس دون حدوث أي تصعيد إضافي، لكن تشير المعطيات التي توفرت اليوم، إلى “تصميم” إسرائيلي واضح على الاستمرار في رفع وتيرة التوتر مع حركة الجهاد، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى ارتباط هذا بالتطورات الإقليمية الحالية في منطقة الشرق الأوسط.

عملية اغتيال “جراحية” جديدة في قطاع غزة

بدأ الجيش الإسرائيلي، الذي حشد قوات كبيرة على حدود قطاع غزة خلال اليومين الماضيين، عملية “طلوع الفجر”، بعملية اغتيال نفذتها طائرة بدون طيار استهدفت بشكل محدد طابقين في برج “فلسطين” وسط قطاع غزة، وأسفرت عن مقتل نحو تسع أشخاص، من بينهم عدة قياديين بحركة الجهاد الإسلامي، منهم تيسير الجعبري، مسؤول القطاع الشمالي في سرايا القدس، وسلامة عبيد أحد قادة مجموعات الصواريخ المضادة للدبابات في سرايا القدس.

هذه العملية ترافقت مع استهداف نقاط المراقبة بالنظر والمراصد التابعة للفصائل الفلسطينية على حدود قطاع غزة، خاصة في النطاق الشرقي لمحافظة خان يونس. عقب ذلك، أقرت وزارة الدفاع الإسرائيلية استدعاء 25 ألف جندي من قوات الاحتياط، وبدأت المستوطنات المحيطة بغزة منذ صباح اليوم في التحذير من إمكانية تعرضها للقصف الصاروخي، وعممت لسكانها أوامر بالبقاء قرب الملاجئ، خاصة في مدن عسقلان وديمونة وبئر السبع، التي تم فتح الملاجئ فيها بشكل كامل، في حين تم تعديل مسارات الطائرات المدنية المتجهة إلى مطار بن جوريون.

اللافت أن ردود فعل الفصائل الفلسطينية على اغتيال تيسير الجعبري كانت سريعة للغاية، حيث أدانت هذا الاغتيال كل من لجان المقاومة الشعبية وكتائب شهداء الأقصى وحركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وذراعها العسكرية كتائب الشهيد ابو علي مصطفى، بجانب الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، وكذا بعض الجهات الخارجية مثل حركة النجباء العراقية، وحزب الله اللبناني، ووزارة الخارجية الإيرانية.

بحلول الساعة الثامنة بتوقيت القاهرة، بدأت سرايا القدس في إطلاق رشقات من قذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى، شملت بشكل أساسي مدن أشدود وعسقلان وسديروت، بجانب مدن بات يام وريشون لتسيون، علمًا أن لجان المقاومة الشعبية، الذراع العسكرية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أعلنت أن فرقًا تابعة لها شاركت في عمليات القصف، واستهدفت مستوطنة “نتيفوت” شرقي القطاع.

في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية جنوبي ووسط قطاع غزة حتى كتابة هذه السطور، يمكن القول إنه من المبكر تحديد ما إذا كان التصعيد الإسرائيلي الحالي سيؤدي إلى حرب مماثلة لما حدث بين قطاع غزة والجيش الإسرائيلي العام الماضي، لكن الأكيد أن المشهد الإقليمي، الذي يشمل عودة المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، والزيارة اللافتة في توقيتها ومضمونها للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زيادة النخالة إلى طهران، وكذا التوترات التي تصاحب ملف ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان؛ له تأثير أساسي على القرار الإسرائيلي الواضح بـ”افتعال” اشتباك في غزة، كجزء من الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة إيران.

التقديرات الحالية تشير إلى أن احتمالات توسع الاشتباك الجاري حاليًا في غزة تبقى محدودة في ظل الظروف الدولية الحالية، وهذا سيكون رهنًا بطبيعة الرد الصاروخي الفلسطيني، الذي لم يتجاوز -حتى الآن- الردود التي تمت في مناسبات مماثلة لما حدث اليوم وسط القطاع.

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى