اجتماع أوبك بلس.. ما تأثير الزيادة الطفيفة في الإنتاج على حركة أسواق النفط؟
فى وقت كانت الأسواق تعول على زيادة قوية في إنتاج أوبك بلس تعزز مساعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى كبح جماح ارتفاعات النفط الكبيرة، خاصة بعد الزيارة الأخيرة إلى السعودية، والإفراج عن مزيد من الاحتياطي الاستراتيجي؛ جاءت قرارات أوبك لتخيب الآمال الأمريكية، فقررت اليوم تعديل مستوى الإنتاج للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها، بزيادة بمقدار حوالي ١٠٠ ألف برميل يوميًا من النفط فقط، وذلك من خلال تقرير لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في وقتٍ سابق بزيادة الإنتاج بهذه الكمية المحدودة، بدءًا من الشهر المقبل؛ وذلك تماشيًا مع أهداف تحالف أوبك بلس بزيادة المستويات بنحو حوالي ٤٣٠ ألف إلى ٦٥٠ ألف برميل يوميًا في الأشهر الأخيرة، وتم رفض الاستجابة للضغوط الأمريكية والتحول إلى زيادات أكبر في معدلات الإنتاج.
مؤشرات أسهمت في الزيادة المتواضعة
هناك العديد من العوامل التي أسهمت في هذا الاتفاق المتواضع والزيادة التي لم تتوافق مع احلام الرئيس الأمريكي جو بايدن ومنها:
1 – مستوى المخزون النفطي التجاري في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغ حوالي ٢٬٧١٢ مليون برميل في يونيو الماضي، حيث يُعد هذا المعدل أقل بنحو ١٦٣ مليون برميل عن نفس الفترة من العام الماضي، وأقل بحوالي ٢٦٣ مليون برميل من متوسط الفترة ما بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٩.
2 – وصول مخزونات الاحتياطي الاستراتيجي للدول إلى أدنى مستوياتها في أكثر من ٣٠ عامًا.
3 – أن معدل التزام الدول الأطراف في اتفاق أوبك بلس بحصص الإنتاج بلغ حوالي ١٣٠٪، وذلك منذ مايو من عام ٢٠٢٠ (جائحة كورونا)، بالإضافة إلى الإسهامات التطوعية من بعض الدول المشاركة.
4 – تصاعد المخاوف من الركود الاقتصادي العالمي.
5 – انعكاس اجتماع يونيو بالفعل على مستويات الأسعار وانخفاضها بنسبة اقتربت من حوالي ٢٠٪.
6 – نقص الاستثمارات في قطاع النفط قد قلص من القدرات الفائضة على طول سلسلة القيمة.
7 – رغبة التحالف في عدم زيادة معدلات الإنتاج؛ نظرًا إلى إمكانية خفض معدلات الطلب على النفط كنتيجة لمخاطر الركود العالمي وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الإغلاقات في الصين بسبب متحورات كورونا.
ومن المحتمل ألا يناقش التحالف في الاجتماع المقبل زيادات مستقبلية؛ إذ لم تجرِ مناقشات بشأن مواصلة زيادة الإنتاج إلى ما بعد سبتمبر.
وجاءت قرارات التحالف كالآتي:
1 – تعديل مستوى الإنتاج للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها بزيادته بمقدار ١٠٠ برميل في سبتمبر المقبل، وهذا التعديل لن يؤثر في مستويات الإنتاج المرجعية المتفق عليها في الاجتماع المُشار إليه أعلاه وهو اجتماع يوليو من عام ٢٠٢١.
2 – تكرار التأكيد على الأهمية القصوى للالتزام التام بحصص ومعدلات الإنتاج المحددة وبآليات التعويض، وضرورة تقديم خطط وجداول التعويض وفقًا لبيان الاجتماع الوزاري الخامس عشر للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها.
3 – مواصلة التأكيد على قرار الاجتماع الوزاري العاشر للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها الذي عُقد في إبريل من عام ٢٠٢٠، والذي تم التأكيد عليه في الاجتماعات اللاحقة، بما في ذلك الاجتماع الوزاري التاسع عشر للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها الذي عُقد في يوليو من عام ٢٠٢١.
4 – عقد الاجتماع الوزاري الثاني والثلاثين للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها في الخامس من سبتمبر المقبل.
توزيع الزيادة الجديدة
بحسب قرار تحالف أوبك بلس الذي يضم ٢٣ دولة، ستُقسم الزيادة الجديدة بالتناسب بين الأعضاء، إذ في الأشهر الأخيرة، مع قدرة المملكة العربية السعودية والإمارات فقط على تعزيز وزيادة معدلات الإنتاج، وصل جزء صغير فقط من الزيادات التي وعد بها التحالف إلى الأسواق العالمية، حيث من المتوقع زيادة المملكة العربية السعودية إنتاجها حسب الاتفاق في الاجتماع من حوالي ١١٬٠٠٤ مليون برميل يوميًا إلى حوالي ١١٬٠٣ مليون برميل يوميًا من النفط، وروسيا من حوالي ١١٬٠٠٤ إلى ١١٬٠٣ برميل يوميًا من النفط، والعراق من حوالي ٤٬٦٥١ إلى ٤٬٦٦٣ برميل يوميًا من النفط، والإمارات من حوالي ٣٬١٧٩ إلى ٣٬١٨٦ برميل يوميًا من النفط، والكويت من ٢٬٨١١ إلى ٢٬٨١٨ برميل يوميًا من النفط.
تأثيرات متوقعة على سوق وأسعار النفط بعد هذه الزيادة المتواضعة:
– تحول النفط فجأة للصعود بعد تراجعات اقتربت من حوالي ٢٪ في وقت سابق من تعاملات اليوم الأربعاء، وارتفع خام نايمكس الأمريكي الخفيف بعد القرار إلى مستويات حوالي ٩٦ دولارًا للبرميل، وبزيادة حوالي ١٬٦٪ بعد الانخفاض إلى مستويات حوالي ٩٣ دولارًا للبرميل في وقت سابق من التعاملات. فيما تجاوز خام برنت القياسي مستويات ١٠٠ دولار وبارتفاع حوالي ١٬٥٪ إلى مستويات ١٠٢ دولار للبرميل، بعدما انخفض في وقت سابق إلى مستويات قرب ٩٩ دولارًا للبرميل، ولذلك سيدعم قرار التحالف الأسعار واستقرارها فوق ١٠٠ دولارًا للبرميل.
– سيؤدي القرار إلى زيادة الصراع التاريخي بين أوبك والولايات المتحدة الأمريكية.
– من المتوقع أن يتحول القرار إلى ورقة ضغط قوية على القارة الأوروبية لمراجعة بند عقوبات النفط الأخيرة على قطاع النفط الروسي (الحزمة السادسة من العقوبات).
– مواصلة تعافي الطلب على النفط، ولكن بوتيرة أبطأ مما كان عليه في بداية عام ٢٠٢٢.
– هذه الزيادة قد لا تبعث ارتياحًا لدى للمستهلكين الذين يعانون بالفعل من ضغوط تضخمية بسبب ارتفاع أسعار النفط، مما سيؤدي إلى ارتفاعات مستقبلية في سوق المنتجات والوقود العالمي.
– سحب المزيد من احتياطي النفط الاستراتيجي للدول الكبرى خلال الفترة المقبلة، فاستمرار ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى استنزاف الكثير من تلك الاحتياطيات.
– عدم استقرار الإمدادات العالمية وحدوث اضطرابات محتملة في الوقت الحالي.
أزمات ينتظرها سوق النفط العالمي
من المتوقع أن تتخطى معدلات استهلاك النفط العالمي في عام ٢٠٢٣ مستويات ما قبل الجائحة بأكثر من حوالي ٢٪، إذ إنه من المتوقع أن يتجاوز الاستهلاك العالمي ١٠٢ مليون برميل يوميًا، حيث كانت آخر مرة استهلك فيها العالم أكثر من ١٠٠ مليون برميل يوميًا من النفط في عام ٢٠١۹، مع العلم بإن إجمالي المعروض من خارج أوبك حوالي ٦٧٬٤٤ مليون برميل يوميًا، في ظل وصول إجمالي مستويات الخفض الأعوام السابقة إلى حوالي أكثر من ٩ مليون برميل يوميًا، في حين تراجع الفائض من منظمة أوبك إلى حوالي ٣ مليون برميل يوميًا من ٥٬٤ مليون برميل يوميًا قبل عام.
وبصفة عامة تُمثل أوبك حوالي ٤٠٪ من الإنتاج العالمي من النفط، ومع تحالف أوبك بلس يصل إلى حوالي ٦٥٪، وهو ما يعني أن أوبك تحتاج إلى ضخ المزيد من النفط خلال عام ٢٠٢٣، في حالة رغبة المجموعة في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتحقيق مستويات مستقرة من الأسعار، وهو ما يبدو صعبًا مع وصول إنتاج أوبك إلى أقصى مستوياته، وسط نقص الاستثمار في تطوير قدرات جديدة لإنتاج النفط الخام.
ومن جهة أخرى، كانت اللجنة الفنية المشتركة لأوبك بلس قد خفضت توقعاتها لفائض المعروض في سوق النفط العالمية، العام الجاري طبقًا لعدة احتمالات:
– الحالة الأساسية وذلك بمقدار حوالي ٢٠٠ ألف برميل يوميًا، ليصل إلى حوالي ٨٠٠ ألف برميل يوميًا في المتوسط.
– الحالة المتفائلة بوصول فائض المعروض النفطي إلى حوالي ٥٠٠ ألف برميل يوميًا في العام الحالي، وحوالي ٤٠٠ ألف برميل يوميًا في عام ٢٠٢٣.
– الحالة المتشائمة وتتمثل في نمو الفائض في سوق النفط العالمية إلى حوالي ١٬٣ مليون برميل يوميًا في عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٣.
مجمل القول، أقر تحالف أوبك بلس زيادة معدلات إنتاج النفط اليومية بمقدار حوالي ١٠٠ ألف برميل يوميًا بدءًا من سبتمبر المقبل، ما يمنح السوق إمدادات إضافية لكن بوتيرة أبطأ بكثير مما كانت عليه في الشهور الأخيرة، وهي الزيادة التي تُعد متواضعة وقد لا تبعث ارتياحًا لدى المستهلكين الذين يعانون بالفعل من ضغوط تضخمية بسبب ارتفاع أسعار النفط، ومن المتوقع أن تعمل على زيادة الاضطرابات في سوق النفط العالمي، وأن تزيد من حجم الخلافات بين أوبك والولايات المتحدة الأمريكية في الفترة المقبلة.