العراق

رصاصة تحذيرية من الصدر: لا تمرير لحكومة محاصصة في العراق

تلاحق للأحداث السياسية تعيشه بغداد؛ تسريبات قطعت طريق العودة بين المالكي والصدر، وإصرار من الإطار التنسيقي على المرشح لرئاسة الحكومة “محمد السوداني”. أدى إلى انفلات الأمور، وبالتحديد عصر الأربعاء، فقد حدث ما كان متوقعًا منذ يوم صلاة الجمعة الموحدة، ودخل أنصار الصدر إلى المنطقة الخضراء قبل أن يقوموا باقتحام البرلمان.

بدأ الأمر بإقدام المتظاهرين على إزالة الحواجز، قبل أن ترد قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع الذي لم يفلح في ردع المتظاهرين الذين حضروا لإسقاط مرشح الإطار التنسيقي الذي اختير لأنه لا يثير الجدل داخل الأوساط السياسية أو بالأحرى لا يثير حفيظتها.

خطورة الأمر استدعت تعليقًا من البعثة الأممية في العراق حين أكدت على حق المواطنين في التظاهر السلمي. وعلى الرغم من أنه كان من المعروف ضمنيًا أن الصدر حشد أنصاره للدخول للمنطقة الخضراء، إلا أن الأمر تأكد بعد تغريدته عبر موقع تويتر والتي طالب فيها أنصاره بالانسحاب من البرلمان لأن الرسالة قد وصلت، وهي الرسالة التي تحمل تأكيدات على أن التيار الصدري لن يمرر حكومة محاصصة.

ولكن الأهم في الأمر أن هذه الحادثة تنذر بأن المظاهرات ضد حكومة السوداني ستستمر، وهو الذي تعهد بعدم التراجع. وهي المظاهرات التي وصفها صالح العراقي المقرب من الصدر بأن الأحزاب قد استلهمتها والقضاء فهمها واستوعبها “في إشارة إلى عدم اتخاذ القضاء العراقي إجراء ضد المالكي حتى الآن على الرغم من أنه دعا إلى الاقتتال في تسريباته الشهيرة – وقرار من القضاء قطعًا سيحسم الأمر ضد المالكي قد يحسم الأمر” – مؤكدًا أن الذين دخلوا المنطقة الخضراء جزء بسيط من أنصار التيار الصدري.

الموالاة لإيران

يلاقي “محمد السوداني” مناهضة من الشارع العراقي بشكل عام وليس من أنصار التيار الصدري فقط؛ على خلفية موالاته لإيران التي أصبح العراقيون على وعي بأنها حجر الزاوية في تدهور بلادهم، وهناك وعي كذلك بمناورة المالكي، فبعد الحيلولة دون ترشحه لرئاسة الوزراء على خلفية تسريبات نشرت في وقت حاسم عن قصد؛ أصبح من مصادر الحرج للإطار التنسيقي دعمه، وبالتالي فقد عمد نوري المالكي إلى تسمية شخصية سياسية تدين بالولاء للمرشد في إيران ويسهل توجيهها. 

بعبارة أخرى فإن المالكي والسوداني وجهان لعملة واحدة وهي النفوذ الإيراني في العراق، ومما يستدل به على ذلك أن قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني كان قد وصل إلى بغداد في زيارة غير معلنة للقاء قادة الإطار التنسيقي والتأكيد على دعم إيران لمحمد شياع السوداني مرشحًا لرئاسة الحكومة العراقية.

وهنا تظهر تخوفات من عودة الأمور إلى عام 2008 ونشوب حالة من الاقتتال الشيعي – الشيعي عندما نشب صراع مسلح بين القوات الأمنية التي كان يقودها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة، وجيش المهدي الجناح العسكري للتيار الصدري والذي أعلن الصدر حله بعد أسابيع من الاشتباكات في البصرة. 

ويمكن تفسير حالة العداء بين الصدر والمالكي بالظرف الزماني أكثر من أي شيء آخر، والدليل على ذلك أنهما كانا جزءًا من تحالف سياسي واحد في عام 2006. وهو ما يشير إلى أن مقتدى الصدر يتبنى في سياساته نهجًا براجماتيًا قائمًا على رؤيته لمنفعة العراق القومية.

ولكن ما يقوض هذه الطموحات عدم اكتمال الرؤية، في الوقت الذي تستمر فيه طهران بالعبث في بلد يعاني من الاختلاف المكوناتي فضلًا عن الاختلاف الطائفي. حتى أن الأمور وصلت إلى الخلاف داخل البيت الشيعي نفسه بسبب إصرار الصدر على أنه حتى ومع انسحابه من البرلمان، فإن طرفًا في العراق لا يستطيع تهميشه. مع الأخذ بالحسبان حساسية التوقيت الذي يستعرض فيه الصدر أنصاره، والذي يسبق بأيام عقد جلسة البرلمان السبت القادم، والتي من المفترض أن يجري فيها اختيار رئيس للجمهورية من الاكراد، ثم تسمية الكتلة الأكبر وترشيح شخصية رئيس الوزراء.

ولا ينبغي هنا تجاهل تسريبات المالكي التي أوضحت أنه وفي سبيل الخلاص من مقتدى الصدر لن يتوانى عن مهاجمة النجف، وهي مقر المرجعية الشيعية، مؤكدًا أن القتال بينه وبين أنصار الصدر سيكون بالامتثال لأوامر وتوجيهات الحرس الثوري الذي يرى أن الصدر يريد تحجيم مشروع إيران العابر للحدود، والذي تقع أهم مرتكزاته في العراق.

مستقبل المواجهات

يومًا بعد يوم تتنامى المخاوف داخل العراق من انزلاق البلاد إلى حالة اقتتال أو فوضى تصبح العودة منها عالية التكلفة. ولذلك تظهر الكثير من الأصوات التي تنادي بالإبقاء على حكومة الكاظمي حتى حسم الأمور السياسية والتحضير لانتخابات مبكرة. ولكن بمنظور المدرسة الواقعية، فإن حدوث ذلك يعد انبطاحًا من الإطار التنسيقي، وهو أمر مرفوض، ولذلك فلا زالت قيادات داخل الإطار تصر على تحدي الصدر وهو ما انعكس جليًا في التعليقات والتغريدات حول اقتحام البرلمان.

وفي نهاية المطاف، فإن مقتدى الصدر لا يستهدف الإضرار بالنظام بقدر التأكيد على رفضه لقبول حكومة محاصصة برئاسة شخصية سبق أن تولت مناصب حكومية ومحسوبة على حزب الدعوة. ومما تنبغي الإشارة له هنا أن الصدر ربما قصد إيصال رسالة مباشرة إلى السوداني تتضمن تحذيرًا من المُضي على نهج الإطار في تشكيل الحكومة المقبلة، والذي من المتوقع أن يكون بالغًا في الصعوبة خصوصًا أن قوى الإطار التنسيقي تهوى تأخير الحل النهائي حتى الساعات الأخيرة.

ولذلك فقد يكون من الحلول المبكرة للإطار الاستعانة بمرشح آخر مثل حيدر العبادي والذي يمتلك علاقات جيدة مع الصدر، وتشكيله لحكومة مؤقتة لمدة عامين قبل العودة إلى الانتخابات مرة أخرى؛ لأنه وفي أي حال حتى لو مضى المالكي لحكومة برئاسة السوداني، فإنها ستكون حكومة “خدمة” مؤقتة تسقط مع زيادة ضغط الشارع.

ختامًا؛ تدرك الأغلبية أن تشكيل حكومة في العراق ليس بالأمر الهين أو السلس؛ لأسباب يمكن تلخيصها في التعدد المكوناتي والطائفي، بجانب أن هناك تيارات سياسية تشكل رقمًا صعبًا ولا يمكن تهميشها أو إقصاؤها مثل التيار الصدري، لأن عواقب ذلك ستكون أكثر من طاقة العراق على التجاوز. ومن هنا، فلا ينبغي أن يتم التعامل مع تسمية مرشح لرئاسة الحكومة بأنه أمر حاسم لأن العملية السياسية في العراق أعقد بكثير. وحتى لو تم التوافق على اسم المرشح، فإن التوافق على آلية اختيار الوزراء داخل الحكومة ستشكل فصلًا آخر من الاحتدام السياسي.

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى