داعش في أوروبا: حضور أم تراجع؟
شهدت مدينة ليون بوسط فرنسا عملية طعن في31 أغسطس 2019، إذ قُتل شاب في التاسعة عشر من عمره، وأصيب 9 آخرون. وقد ألقت الشرطة الفرنسية القبض على أحد المهاجمين، وهو أفغاني من طالبي اللجوء، ولا تزال تبحث عن الآخر. ورغم عدم تبني تنظيم “داعش” لتلك العملية إلا أنها تحمل بصماته. وتُثير تلك العملية تساؤلات مُهمة حول ظاهرة الذئاب المنفردة في أوروبا، بعد انحسارها نسبيًا في الآونة الأخيرة، وفيما يلي سنتناول دلالات تلك العملية على النحو التالي:
دلالات التوقيت والمكان:
جاءت العملية في أعقاب انعقاد قمة مجموعة الدول الصناعية السبع التي عقدت في مدينة بياريتز الفرنسية في الفترة ما بين 24 و26 أغسطس 2019.وقد نجحت القمة في تناول قضايا مختلفة من ضمنها ملف مكافحة الإرهاب. ومن ثمّ، استهدفت العملية اثبات حضور تنظيم “داعش” في الأحداث العالمية ذات الطابع الحيوي، غير أنها تُشير إلى عجز التنظيم عن توسيعه نشاطه في أوروبا؛ فهي عملية ضحلة الإمكانيات محدودة الموارد، ما يؤكد على وجود قيود على حركة التنظيم نتيجة لنجاح التدابير الأمنية الأوروبية.
تعزيز الصورة الجهادية:
فَقَد تنظيم “داعش” عديدًا من معاقله الرئيسة، وتعرض لهزيمةٍ عسكريةٍ، وتراجعٍ جغرافي، الأمر الذي دفع التنظيم إلى البحث عن ساحاتٍ بديلة، سعيًا لتعزيز صورته الجهادية، وتأكيدًا لقدرته على البقاء والصمود في وجه التحديات التي يتعرض لها. فتوجه التنظيم صوب آسيا وغرب أفريقيا لما توفره تلك المناطق من حواضن للإرهاب والتطرف. وفى سياق ذلك التوجه، دفعت الخسائر العسكرية التنظيم إلى توظيف استراتيجية الذئاب المنفردة في أوروبا من أجل تحقيق هدفين؛ أولهما، إرسال رسالة مفادها قدرته على الهجوم في أماكن عدة من أجل الحفاظ على هيبته ووجوده على الساحة. ثانيهما، تنفيذ عملياتٍ انتقاميةٍ تجاه الدول التي شرعت في مكافحته.
تنامي خطر العائدين والخارجين من السجون:
تُشير تقديرات الأمم المتحدة في أغسطس 2019 إلى وجود نحو 30 ألف إرهابي سافروا إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف داعش. وقد أفادت دراسة أجرها المركز الدولي لدراسة التطرف (ICSR) (في كلية كينغز في لندن في 2018) بأن عدد “الأوروبيين الدواعش” يزيد عن 5 آلاف شخص، قتل بعضهم في المعارك، وبعضهم الآخر لايزال يقاتل، بينما عاد قرابة 1765 منهم إلى بلادهم. وقد ساهمت فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا بأكبر نسبة من المنضمين إلى “داعش” من دول أوروبا الغربية. وفى هذا السياق تمثل هجمات الذئاب المنفردة سيناريو وارد الحدوث حال عودتهم الى أوطانهم. وفى سياقٍ متصل، تشهد أوروبا ظاهرة الخارجين من السجون الذين تم احتجازهم على خلفية تُهَمٍ كانت تتعلق بالإرهاب. ويعد الخارجون من السجون على نفس درجة خطورة العائدين لاحتمالية انخراطهم في هجمات الذئاب المنفردة.
توظيف استراتيجية “خلايا التماسيح”:
في أواخر أبريل 2019، أعلنت أجهزة الاستخبارات البريطانية تلقيها معلوماتٍ بشأن مخططاتٍ لتنظيم “داعش”، بهدف تنفيذ هجماتٍ في بريطانيا وأوروبا عبر ما يعرف باسم “خلايا التماسيح”. وهي استراتيجية جديدة لتنفيذ العمليات الإرهابية، يعتمد عليه تنظيم “داعش”، لتهديد أوروبا، في محاولة لمواجهة الخسائر التي تعرض لها مؤخرًا، وهو نهج أقرب إلى عمليات لذئاب المنفردة. وقد تم اكتشاف تلك الاستراتيجية في إحدى الوثائق السرية التي تم العثور عليها عقب مواجهاتٍ بين عناصر من التنظيم والقوات الحكومية شمال شرقي سوريا في مارس 2019، ما يشير إلى تطبيق تلك استراتيجية في العملية.
تداعيات صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا:
هناك عديد من الاتجاهات التي تربط بين صعود اليمين المتطرف في أوروبا وبين الأحداث الإرهابية في أوروبا عمومًا، والعملية التي شهدتها فرنسا على خصوصًا، إذ استطاع تيار اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة تعزيز وجوده على الساحة السياسية الأوربية بصفٍة عامة، وتوسيع حضوره في المجالس التشريعية بصفةٍ خاصة. وتتبنى أحزاب اليمين المتطرف خطابًا عدائيًا تجاه المهاجرين، ما يمثل حفزًا لتطرفهم وسهولة استقطابهم من الجماعات الإرهابية وتوظيفهم كذئاب منفردة. ولدلالة على وجود علاقةٍ طرديةٍ بين تصاعد تيار اليمين المتطرف والظاهرة الإرهابية، نجد أن تصاعد اليمين المتطرف بأوروبا أقترن بتصاعد التحاق الأوروبيين بتنظيم “داعش”.
وختامًا، وعلى الرغم من إشارة الورقة إلى بصمات (داعش) على العملية، إلا أن السلطات الفرنسية استبعدت فرضية العمل الإرهابي، وأكدت أنها لا تعدو كونها جريمة وليست عملًا إرهابيًا. ويظل الأمر قيد التحقيقات من مختلف الأجهزة الأمنية لتتكشف حقيقة العملية مستقبلا.
وفي إطار تلك المعطيات المتمثلة في رغبه التنظيم على التأكيد على بقاءه، بالتزامن مع اتباعه استراتيجية “خلايا التماسيح”، ووجود أعدادٍ ليست بالقليلة من العائدين إلى أوروبا، يتسنى لنا التأكيد على استمرار وجود ظاهرة الذئاب المنفردة في أوروبا كاستراتيجيةٍ مثاليةٍ يلجأ لها داعش رغبة منه في استمرار الحضور، ولاسيما مع استمرار غياب المعايير والمؤشرات حول طبيعية الافراد القابلين للتحول الى ذئاب منفردة، وسهولة الأدوات التي يتم استخدمها في مثل هذه الهجمات، مما يوفر مساحة تنشط فيها الظاهرة.