
نشاط مكثف: ما وراء الرئاسة المصرية الألمانية لحوار “بيترسبرج 13” للمناخ؟
رئاسة مشتركة بين مصر وألمانيا في “حوار بيترسبرج للمناخ” والمقرر لها اليوم 18 يوليو وعلى مدار يومين، بدعوة من المستشار الألماني “أولاف شولتز”، في ظل الدور المصري الحيوي برئاسة الرئيس السيسي في مفاوضات تغير المناخ على مدار السنوات الماضية، وهو محطة مهمة قبل انعقاد قمة المناخ COP 27 والتي ستستضيفها مصر في شهر نوفمبر القادم، فما أهمية هذه القمة وكيف سيمهد جدول الزيارة لاستقبال مصر مؤتمر المناخ؟
حوار بيترسبرج
ينطلق الحوار الثالث عشر بمشاركة ممثلين لنحو 40 دولة تحت عنوان “الخسائر والأضرار” لمواجهة الأزمات شديدة التعقيد للتغيرات المناخية ومشاكل إمدادات الطاقة بسبب حرب أوكرانيا ونقص إمدادات الغذاء في منطق متعددة حول العالم، وما تعانيه الدول النامية من تأثيرات بسبب التغيرات المناخية المتلاحقة دون أن تسهم بها سوى بالشكل الضئيل، وتمثل الأزمات المادية للدول النامية والديون كذلك عائقًا إضافيًا أمام تلك الدول لمواجهة تداعيات المناخ وآثاره المادية والاجتماعية.
وتعود أهمية حوار بيترسبرج في ظل الرئاسة المشتركة بين مصر وألمانيا بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي والمستشار الألماني أولاف شولتز إلى التمهيد لاستضافة أعمال مؤتمر الأطراف لمواجهة التغيرات المناخية Cop27 والمقرر له نوفمبر المقبل، لعرض ما تم إنجازه والتنسيق لوضع أجندة مستقبلية لمواجهة التداعيات المناخية في ظل مستجدات الأزمات العالمية والتنسيق بين مجموعة كبيرة من الدول الفاعلة على صعيد جهود مواجهة تغير المناخ، هذا إلى جانب ضرورة التكاتف الدولي لمواجهة تلك التداعيات لمواجهة الآثار والمسببات والعمل على الإسهام في تقليل الانبعاثات الكربونية وخفض درجة الحرارة والاعتماد على الوقود الإحفوري.
التغيرات المناخية: تأثيرات مختلفة وقضايا محورية
تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية: حضرت الحرب الروسية الأوكرانية وما أنتجته من آثار بقوة على أجندة الحوار، لما لها من تأثير ثنائي الاتجاه، فقد أنتجت القرارات الروسية بشأن النفط الروسي وخاصةً القيود على دول الناتو، وبالأخص الدولة الألمانية إلى التوجه نحو التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن الدول المعتمدة على النفط الروسي اتجهت نحو إعادة تنشيط محطات الطاقة التي تعمل بالفحم “كاحتياطي طارئ” لفترة قصيرة كما جاء في الكلمة الافتتاحية لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إلا أن هذا الأمر لن يثني تلك الدول عن التخلي عن هدف “الحد من زيادة ارتفاع درجة حرارة الأرض عن 1,5 درجة مئوية”، في ظل التحذيرات الدولية من اتجاه بعض ساسة الدول إلى سياسات غير محسوبة قد تسهم في الحد من محاولات مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراي وارتفاعها بواقع 5,1 درجة كحد أقصى مقارنة بما قبل الثورة الصناعية.
التغيرات المناخية والتهديدات الأمنية ونقص الغذاء: أدت الأزمة الأوكرانية إلى التأثير السلبي على الأمن الغذائي العالمي، وهي القضية المتفاقمة بالفعل؛ فالتغير المناخي والوصول عند مستوى 2 درجة مئوية أو أعلى من الاحترار العالمي يمثل مخاطر أكثر حدة على الأمن الغذائي والتي ينتج عنها أزمات الجفاف والفيضانات والسيول وارتفاع معدلات حرائق الغابات التي اجتاحت عدد من دول العالم فأثرت على الانتاج الزراعي والغذائي لها وقضت على الأراضي الزراعية، هذا إلى جانب التأثير على قضايا الأمن المائي العالمي، وهو ما وعى إليه ممثلو الدول في حوار بيترسبرج.
التمويل العادل لقضايا المناخ: لا تقف الأزمات المناخية عند حدود الدول، بل تحتاج إلى تكاتف دولي لمواجهة تلك التداعيات، واحتواء ما تتطلبه من تهديدات أمنية واقتصادية مستقبلية وخاصةً على الدول النامية، في ضوء تعويض المتضررين بسياسات الدول المتقدمة؛ فتسهم 10 دول متقدمة في مقدمتها الصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بنسبة 68% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وفقًا لتقديرات أممية. وتسعى مصر من خلال رئاستها لمؤتمر المناخ القادم إلى جعل تمويل قضايا المناخ والمساعدات الفنية قضية ملحة على قمة الاهتمامات والأجندة الدولية كما جاء في كلمة وزير الخارجية سامح شكري، وأكدته جينيفر مورجان، مبعوثة ألمانيا من أجل المناخ.
وكان من المقرر تقديم الدول الغنية مساعدات مناخية سنويًا بقيمة 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020 وفقًا لنتائج قمة كوبنهاجن 2009، إلا أن الأزمات العالمية وجائحة كورونا حالت دون تحقيقه. وتمثل إجمالي ما قدمته البلدان المتقدمة من تمويل مناخي في عام 2019 هو 79.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 2٪ فقط عن العام الذي يسبقه، وفق تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
واتفقت الدول المشاركة في قمة جلاسكو على “حوار” برئاسة مشتركة بين الولايات المتحدة وسنغافورة، يستمر حتى يونيو 2024، لمناقشة ترتيبات التمويل المحتملة، واعتبرت أن عام 2024 بعيد الأمد لبدء تدفق الأموال إلى المجتمعات على الخطوط الأمامية للتأثيرات المناخية في نهج غير متكافئ للعدالة المناخية، ودعت الدول الجزرية إلى إنشاء مرفق مالي في قمة المناخ 27 Cop. فالاستجابة الدولية للإغاثة أقل من الخسائر المحققة من التغيرات المناخية، وهو ما يجب استبداله بإجراءات وقائية في الأجندة الوطنية للدول المتقدمة للحد من تلك الكوارث.
الاستعداد لمؤتمر الأطراف Cop 27: يمثل حوار بيترسبرج فرصة لإعادة بناء الثقة بين الدول المتقدمة والنامية خاصة في ظل التقدم الضئيل الذي حققته المحادثات الفنية الشهر الماضي في قضايا المساعدات المناخية. فتقدم المحادثات المغلقة خلال أعمال الحوار عرضًا حول “الخسائر والأضرار” وسبل مواجهتها، وحث وزير الخارجية سامح شكري دول العالم على تنفيذ استراتيجيتها طويلة المدي، وأن تجعلها متسقة مع اتفاق باريس، للخروج من قمة COP 27 بأفضل النتائج التي يمكن تنفيذها على أرض الواقع والحفاظ على حق الأجيال القادمة، وانعكست هذه الرؤية في لقائه مع السكرتير التنفيذي المؤقت لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ “إبراهيم تياو” بالأمس.
إجراءات مصرية ألمانية لمواجهة التغيرات المناخية واستقبال Cop 27
تمويل التنمية لتحقيق الأمن العالمي والإقليمي: تسعى مصر وألمانيا إلى تعميق مفهوم الأمن العالمي والإقليمي للمُضي قدمًا نحو تنفيذ قضايا التنمية لمواجهة تداعيات الأزمات العالمية المتشابكة، فقد أدى عدم الاستقرار في العديد من الدول إلى انتشار الجماعات الإرهابية والمرتزقة المسلحة والتي أسهمت في زيادة معاناة شعوب الدول النامية المتأثرة بالفعل، وبالتالي فوضع خطط للتنمية والاستثمار سيسهم في تحقيق الأمن العالمي والإقليمي، وهو ما انعكس على أجندة لقاء الرئيس السيسي ونظيره الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، فى القصر الرئاسي بالعاصمة الألمانية برلين، بدايةً من تعظيم حجم الاستثمارات الألمانية وتبادل الخبرات والاستثمار المشترك، في ظل أن ألمانيا واحدة من أهم شركاء مصر داخل القارة الأوروبية، إلى مناقشة تداعيات الأزمة الأوكرانية، والأزمتين الليبية واليمنية، والقضية الفلسطينية وضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل وفقًا لأحكام المرجعيات الدولية.
ذلك في ظل إشادة شتاينماير بالدور المحوري الذي تضطلع به مصر على صعيد ترسيخ الاستقرار فى الشرق الأوسط وأفريقيا ودعم أركان الدول الوطنية. هذا إلى جانب تأكيد أولاف شولتز المستشار الألماني على أهمية كسر حالة الجمود في المسار التفاوضي لملف السد الأثيوبي للتوصل لاتفاق قانوني وملزم بوصفه أحد التحديات التي تزيد من تعميق أزمات المياه ومصادر الحياة لدولتي المصب مصر والسودان.
مقاربة شاملة لمساعدة أفريقيا: يمثل الحوار التمهيدي الحالي خطوة نحو دفع الدعوة الدولية لتمويل القارة الافريقية بوصفها الأكثر تأثرًا بالعوامل المناخية؛ نظرًا إلى محدودية قدراتها وتفاقم أزماتها بسبب أزمتي الطاقة والغذاء الأخريتين، بجانب التصحر وندرة المياه وارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات والسيول، من خلال الدعوة المصرية في كلمة الرئيس السيسي لمقاربة الظروف الوطنية الاقتصادية والتنموية لكل دولة، في ظل توسع القارة في توليد الطاقة من الشمس والرياح بفضل إمكانياتها من الغابات، فضلًا عن إمكانيات إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال استغلال دور الحوار في حشد التوافق الدولي كمحطة قبل عقد مؤتمر المناخ.
تحويل المبادرات إلى واقع فعلي: فقد أكد الرئيس السيسي على ضرورة تحويل المساهمات المحددة وطنيًا إلى واقع فعلي في إطار المبادئ الدولية الحاكمة لعمل المناخ الدول، وهو ما سينعكس في مؤتمر الأطراف المقبل من خلال إحداث زخم دولي وتأكيد التزام كافة الأطراف الحكومية وغير الحكومية بتنفيذ تعهداتها من خلال عملية التحول إلى الاقتصاد منخفض الانبعاثات بوصفه حجر الزاوية في تحقيق الجهد والتكاتف العالمي، وهو ما ظهر في رؤية مجموعة السبع في قمتها الأخيرة بألمانيا لدعم عملية الانتقال العادل للطاقة في عدد من الدول النامية وتوسيعها.
التمويل المناخي: لتحويل تلك المبادرات إلى واقع فعلي؛ تظهر الحاجة إلى مشاركة مؤسسات وبنوك التمويل الدولية لتحقيق تلك المبادرات لواقع فعلي في إطار الاتفاقية الإطارية واتفاق باريس، والتزمت ألمانيا بسداد حصتها العادلة من التمويل المناخي في 2020 بمقدار 8 مليارات يورو بحسب تصريحات “هايك هين” مدير سياسات المناخ بالوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية؛ للعمل على سد الفجوة وتحسين قدرات تلك الدول على استخدام الموارد بشكل أمثل وتحسين قدراتها على الوصول للتمويل.
التخفيف وتدابير التكيف من آثار التغيرات المناخية: من خلال التحول الأخضر وتحقيق التنمية المستدامة بالحفاظ على البيئة والاعتماد على الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، ونقل التجارب الدولية الرائدة إلى الدول النامية، وهو ما فطنت إليه الدولة المصرية من خلال الشراكة الألمانية لسمعتها المهنية في مجال الصناعات البحرية وهو ما ظهر في لقاء الرئيس السيسي وبيتر لورسن مالك ورئيس مجلس إدارة شركة لورسن الألمانية العالمية للصناعات البحرية.
ذلك فضلًا عن التحول لمركز طاقة متجددة في الاقليم، بالعمل على إعداد استراتيجية شاملة للهيدروجين، وتنفيذ خطط طموحة للربط الكهربائي مع دول المنطقة ورفع كفاءة استخدام الطاقة وخفض انبعاثات الكربون والميثان في قطاع البترول والغاز، والعمل على الاعتماد على وسائل النقل النظيفة وتوطين صناعة السيارات الكهربائية. أما عن تدابير التكيف فتظهر في مشروعات ترشيد استخدامات المياه وتبطين الترع والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وآليات الإنذار المبكر، وهو ما جاء في كلمة الرئيس السيسي.
وقد أسهم لقاء الرئيس السيسي والمستشار الألماني أولاف شولتز في التأكيد على هذا المحور في دعم الشراكة المصرية الألمانية مع القطاع الخاص الألماني على كافة الأصعدة، وخاصةً في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر وتطوير منظومة التعليم الأساسي.
توفير البيانات وتحديث المساهمات الوطنية: وتمثلت في دعوة الرئيس السيسي كافة الدول إلى تحديث مساهمتها المحددة وطنيًا ورفع طموح الالتزامات الواردة بها قبل وأثناء مؤتمر شرم الشيخ، مؤكدًا أن مصر منذ بضعة أيام وثيقة مساهمتها المحددة وطنيًا المحدثة وفقًا لاتفاق باريس والتي تتضمن أهدافًا كمية طموحة ومحددة في عدد من القطاعات الرئيسة لتعكس الجهود التي قامت وستقوم بها مصر في هذه المجالات، ولتوضح أيضًا حجم الاحتياجات التي تتطلبها هذه الجهود من تمويل ودعم فني وتكنولوجي.
توضح الأجندة المصرية على طاولة حوار بيترسبرج والاجتماعات التحضيرية لاستقبال مؤتمر المناخ Cop 27 إلى انطلاقة من خلال متطلبات تمويل التنمية وتمويل المناخ بالعمل على التحول للاقتصاد الأخضر وتحقيق المساهمة والمشاركة المتكاملة بين كافة الجهات ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات التمويل والبنوك الدولية، والمسؤولية الوطنية للدول بدعم سياسات الدول النامية في اطار اتفاق باريس والاتفاقية الإطارية في عملية تخفيف وتكيف التغيرات المناخية للمساهمة في إبقاء هدف الـ 1.5 درجة مئوية في المتناول، وهو ما أوصى به الرئيس السيسي.
باحثة بالمرصد المصري



