الأمريكتانمصر

لقاء السيسي وبايدن.. نحو علاقات استراتيجية متعددة المصالح

وسط عمق وتعقد الأزمات المتلاحقة التي يشهدها العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، التي انعقدت اليوم السبت. وهو اللقاء الأول الذي يجمع الرئيسين وجهًا لوجه.

خلال اللقاء، أكد بايدن تطلع الإدارة الأمريكية لتفعيل أطر التعاون الثنائي المشترك، وتعزيز التنسيق والتشاور الاستراتيجي القائم بين البلدين الصديقين وتطويره خلال المرحلة المقبلة، لاسيما في ضوء الدور المصري المحوري بمنطقة الشرق الأوسط. وتطرق إلى استعراض أوجه التعاون الثنائي بين مصر والولايات المتحدة، في عدة مجالات خاصةً على صعيد التعاون في مجال كيفية مواجهة تداعيات الظروف العالمية الخاصة بأزمة الغذاء واضطراب امدادات الطاقة.

وتم خلال اللقاء كذلك بحث عدد من الملفات والقضايا الإقليمية، فأكد السيسي الموقف المصري الثابت المستند إلى ضرورة تدعيم أركان الدول التي تمر بأزمات وتقوية مؤسساتها الوطنية، بما ينهى معاناة شعوبها ويحافظ على مقدراتها. وتم أيضًا مناقشة مستجدات قضية سد النهضة، حيث أكد السيسي على موقف مصر الثابت من ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لعملية ملء وتشغيل السد، بما يحفظ الأمن المائي المصري ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث.

ديمومة العلاقات المصرية الأمريكية

تحتل مصر مكانة خاصة في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، ليس فقط بسبب ديموجرافيتها وموقعها الجغرافي وثقلها الدبلوماسي ودورها المحوري في مختلف قضايا المنطقة وقضايا الأمن الإقليمي، بل هي علاقات قديمة ومتعددة الجوانب ذات بُعد أمني استراتيجي، وطابع مؤسسي ترعاه عدد من المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية. ساعد في ذلك بروز مصر كعنصر استقرار وسط إقليم مضطرب، ونجاحها في تنفيذ مشروعات كبرى في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع استمرارها خلال الوقت نفسه في تطبيق سياسة نشطة لمكافحة التطرف والإرهاب وزيادة قدرتها العسكرية.

تحرص مصر والولايات المتحدة على مناقشة كل القضايا المهمة، وشرح وجهات النظر لتحديد مساحات الاتفاق والاختلاف، ومن ثم تحديد مجالات العمل المشترك التي يكون هناك توافق بشأنها، ومجالات الاختلاف التي تحتاج إلى مزيد من الحوار. مساحات التوافق والاختلاف هذه كانت عاملًا في تأرجح العلاقات المصرية الأمريكية لبعض الوقت حول عدد من القضايا. 

فقد شهدت العلاقات فترة تراجع في الفترة الثانية للرئيس أوباما، خاصة بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر، وقيام الإدارة الأمريكية بتجميد المعونات العسكرية لمصر، ووضع عدد من الشروط لإنفاق هذه المعونة في المستقبل، ومنها إلغاء ما يعرف بآلية “التدفق النقدي Cash Flow” وهى الميزة التي أتاحت لمصر التعاقد على أسلحة في عام معين وأن تدفع قيمتها في السنوات التالية بدلًا من الدفع في الحال، وإعلان الولايات المتحدة أنه ابتداءً من عام 2018، فإن المعونة العسكرية لمصر ستوجه لأربعة مجالات فقط، هي مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، وأمن سيناء، والأمن البحري، بالإضافة إلى صيانة الأسلحة الموجودة بالترسانة المصرية. 

وردًا على تعليق المساعدات لمصر، أكد البنتاجون أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة تجميد كل المساعدات العسكرية لمصر. وشدد على التزام واشنطن بعلاقات الدفاع مع مصر فهي تمثل أساس الشراكة الاستراتيجية الأوسع نطاقًا مع مصر التي تمثل دعامة للاستقرار الإقليمي. وحدث تحول في وجهة النظر الرسمية الأمريكية حول الأوضاع في مصر، عندما أجرى الرئيس السابق باراك أوباما اتصالًا هاتفيًا بالرئيس السيسي لتهنئته على تنصيبه والتعبير عن التزامه بالعمل معا لتعزيز المصالح المشتركة للبلدين، وأكد التزامه بشراكة استراتيجية بين البلدين، مشددًا على استمرار دعم الولايات المتحدة للطموحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري واحترام حقوقه العالمية.

ثم شهدت العلاقات المصرية الأمريكية طفرة كبيرة في عهد الرئيس دونالد ترامب، خاصة بعد أن تسببت سياسات إدارة الرئيس السابق أوباما، في إيجاد نوع من التباعد، ولكنها لم تصل إلى مرحلة القطيعة، لأنها علاقات استراتيجية متواصلة ومستمرة. وتبنت مصر توجهًا جديدًا في السياسة الخارجية المصرية، من خلال نظرة استراتيجية للولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة والمشتركة، والتأكيد على التزام مصر بشراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وحرصها على تنميتها وتعزيزها.

وقد أثار انعقاد النسخة الأخيرة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر في نوفمبر 2021 فرصة للتعرف على وجهة نظر إدارة جو بايدن للعلاقات مع مصر. حيث أكدت واشنطن أهمية الدور المصري وحرصها على تعزيز العلاقات وتطويرها في كافة المجالات. وظهر هذا في بيان الخارجية الأمريكية الذي وصف مصر بأنها “شريك حيوي”، وفي كلمة وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، عند بداية الحوار الاستراتيجي، منوهًا إلى عمق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي بدأت عام 1922.

وفيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي، جددت الولايات المتحدة تأكيد دعم الرئيس بايدن للأمن المائي لمصر، ودعت إلى استئناف المفاوضات حول اتفاقية بشأن سد النهضة وبرعاية رئيس الاتحاد الأفريقي. وأكدت إدارة بايدن على ضرورة تجنب النزاع في منطقة القرن الإفريقي وبذل المزيد من الجهد لمنع الصراع على السد. حيث أعرب قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، في منتصف يونيو 2021، عن قلق الولايات المتحدة من التطورات في ملف سد النهضة قائلًا: إن سلوك إثيوبيا بشأن مشكلة سد النهضة “يقلقنا”، لافتا إلى أن “مصر تمارس قدرًا هائلًا من ضبط النفس”. وأوفدت إدارة بايدن، السفير جيفري فيلتمان المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي، إلى لمنطقة مرتين وزار رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز القاهرة لمناقشة موضوع ملء سد النهضة مع الرئيس السيسي.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتعامل مع عدد من القضايا المختلفة في الشرق الأوسط، إلا أن استعصاء هذا الصراع وما قد يجلبه من تداعيات خطيرة محتملة يُحتم على الإدارة الامريكية أن تفعل كل ما في وسعها لدعم التوصل الى حل دبلوماسي. ومن ثم، فإن حدوث تصعيد إضافي الى جانب التوترات القائمة في القرن الأفريقي من شأنه أن يهدد المصالح الأمريكية ويقوض الملاحة الدولية في أحد أهم الممرات الملاحية الدولية في البحر الأحمر وقناة السويس، ويهدد الإمدادات النفطية للاقتصاد العالمي، ويخلق بؤرة جديدة لنمو الإرهاب.

وستؤهل الوساطة الأمريكية في مفاوضات سد النهضة واشنطن للعب دور أكبر في منطقة القرن الأفريقي برمتها، وستعمل على تعزيز دورها لحفظ الأمن والاستقرار في تلك المنطقة الحيوية للمصالح الأمريكية، فضلًا عن أنه سيتيح لها على المدى البعيد تقويض التحركات الروسية والصينية التي تهدف إلى تهديد المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة.

المصالح الأمريكية في مصر

بوصفها دولة مستقرة في منطقة غير مستقرة بشكل متزايد، فإن لدى الولايات المتحدة قائمة طويلة من المصالح مع مصر تشمل:

الأوضاع الإقليمية: ترى الولايات المتحدة أن مصر تتبع سياسة خارجية نشطة جعلت منها عنصرًا فاعلًا على الأصعدة العربية والمتوسطية والأفريقية لا يُمكن تجاهله، بداية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والوصول إلى حل سياسي للوضع في ليبيا، وكذلك في السودان ولبنان. والمبادرة المصرية الأردنية بتوصيل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، إضافة إلى إقامة مصر علاقات وثيقة مع دول مجلس التعاون، والتي كان من تجلياتها زيارة ولي العهد السعودي إلى القاهرة، تبعها زيارة الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر للقاهرة، ثم قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بزيارة رسمية إلى كل من سلطنة عمان ومملكة البحرين.

وهناك أيضًا ما حققته الدبلوماسية المصرية في منطقة شرق المتوسط، في ضوء زيادة أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية، ومبادرتها في طرح فكرة وإنشاء منظمة غاز شرق المتوسط، التي تضم في عضويتها مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا وقبرص واليونان، وكلًا من الولايات المتحدة ودولة الإمارات كمراقبين. وارتبط بذلك سعي مصر إلى أن تكون مركزًا إقليميًا لإسالة الغاز، وأبرمت اتفاقيات مع إسرائيل وقبرص بهذا الشأن، وطورت علاقاتها السياسية مع كل من قبرص واليونان.

الأمن الاستراتيجي: تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل من عام 1979، والتي تبقى حجر الزاوية للاستقرار في المنطقة. وكذا تشكل قناة السويس محورًا رئيسًا في المصالح الأمريكية لدى مصر؛ إذ تحتاج دائمًا واشنطن ضمان بقاء قناة السويس مفتوحة، سواء مجالها الجوي أمام الطائرات الأمريكية، أو كمجرى مائي للسفن العملاقة، وهو ما يحتاج ضمان أمن القناة، والبقاء على علاقات قوية مع القاهرة. 

فبينما تحتاج الولايات المتحدة لأسابيع عدة للحصول على تصريح للتحليق في أجواء بعض الدول الحليفة، فإن مصر تسمح لها بالتحليق الحر تقريبًا، استنادًا إلى ما هو قائم من ثقة متبادلة بين الجانبين. وفقدان هذا المسار الجوي سيطيل بشكل كبير زمن الرحلات الجوية الأمريكية. وكذا تتمتع السفن الحربية الأمريكية بتعامل تفضيلي في أوقات الطوارئ، ويسمح لها بتجاوز السفن المنتظرة على مدخل القناة، ودون المساعدة المصرية ستطول فترة العمليات الأمريكية في المنطقة.

التعاون العسكري: تعد الولايات المتحدة القوة العسكرية الأولى في العالم، وتعد مصر كذلك القوة العسكرية العربية الرئيسة، بما يعني أن التعاون العسكري المصري الأمريكي أمر ضروري للحفاظ على التوازنات الإقليمية وهو شرط ضروري للاستقرار في المنطقة. وقد ساعد في ذلك أيضًا إجراء مناورات النجم الساطع بين الجيشين الأمريكي والمصري، التي جرت خلال الفترة 2-16 سبتمبر 2021 بقاعدة “محمد نجيب” في منطقة الساحل الشمالي، وشارك فيها 600 ضابط وجندي أمريكي، وأعقبها انعقاد الدورة رقم 32 للجنة التعاون العسكري بين البلدين، التي درست سبل تعميق الشراكة الاستراتيجية في المجال العسكري، وناقشت قضايا تأمين الحدود، والملاحة البحرية، ومكافحة الإرهاب، وخطط تحديث الجيش المصري.

ونفذت القوات البحرية المصرية والأمريكية تدريبًا بحريًا عابرًا بنطاق الأسطول الجنوبي بالبحر الأحمر خلال شهر يناير الماضي، في إطار خطة الجيش المصري للارتقاء بمستوى التدريب وتبادل الخبرات. وجاء التدريب البحري المصري الأمريكي المشترك؛ باشتراك الفرقاطة المصرية “الإسكندرية”، والمدمرتين (USS JANSON DUNHAM) ، ( USS COLE) الأمريكيتين.

وتأتي المساعدات العسكرية الأمريكية في إطار أوسع للتعاون ولا يجوز اعتبارها هبة، وإنما هي جزء من صفقة متكاملة تخدم مصالح الطرفين، وحدث تآكل كبير للقدرة الشرائية لهذه المساعدات الثابتة قيمتها عند مبلغ 1,3 مليار دولار منذ الثمانينيات، والتي تُوجَّه إلى شراء الأسلحة والذخائر وصيانتها وتحديثها، والتدريب وتنمية مهارات أفراد القوات المسلحة. 

ففي عام 1978، شكلت المساعدات الأمريكية ما يقرب من 6.4٪ من “الناتج المحلي الإجمالي” لمصر، لكنها اليوم أقل من نصف في المائة.  وعلى الرغم من عمق العلاقات مع الجيش الأمريكي، تحركت مصر لتنويع مصادر أسلحتها منذ أن جمد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في 2013 تسليم مساعدات عسكرية لمصر بعد الإطاحة برئيسها الراحل محمد مرسي. وارتفعت واردات مصر من الأسلحة من روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وفقًا لبيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

مكافحة الإرهاب: يحتل هذا الملف أهمية خاصة في العلاقات الثنائية، لأولويته المتقدمة لدى الطرفين، ولوجود توافق عام بينهما حول سبل مواجهة هذه الظاهرة، وقد ساعدت مصر الحكومات الأمريكية المتعاقبة على اختراق الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم “القاعدة”، وتنظيم “داعش”، من خلال الاعتماد على عملاء مخابرات مدربين تدريبًا جيدًا، وانتشار عناصر مصرية في الكثير من الجماعات المتطرفة الناشطة في الشرق الأوسط. وأجرى مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، زيارة إلى القاهرة في مايو الماضي، لتعزيز العلاقات لمكافحة الإرهاب بين مصر وأمريكا في أعقاب هجوم إرهابي بسيناء. 

وتقدر الولايات المتحدة دور مصر في مكافحة الارهاب وهو ما أكد عليه وفد الكونجرس الأمريكي الذي زار مصر خلال شهر إبريل الماضي، وأشار الي الدور المصري الناجح والفاعل في تحقيق الاستقرار والأمن في مصر بعد النجاح في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف وإرساء المفاهيم والقيم لحرية الاعتقاد بالإضافة إلى الجهود الكبيرة التي تتم داخل مصر لتحقيق التنمية الشاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى