مصر

تأكيد الأخوة… خطوة جديدة في مسار توثيق العلاقات بين مصر والبحرين

تميزت العلاقات المصرية – البحرينية على مدار العقود الماضية بطبيعة خاصة، حوّلتها إلى نموذج يُحتذى به في العلاقات بين البُلدان؛ فقد ظلت هذه العلاقات محتفظة بزخمها وإيجابيتها بشكل مستدام ووتيرة ثابتة منذ خمسينيات القرن الماضي، حين زار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الأراضي البحرينية في مايو 1955، ليدشن منذ ذلك التوقيت سلسلة من الزيارات المتبادلة بين البلدين، آخرها كانت الزيارة التي قام بها اليوم إلى مصر الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين.

تاريخيًا، كانت مصر سباقة في إعلان الدعم الرسمي للبحرين؛ إذ كانت من أوائل الدول التي سارعت إلى الاعتراف باستقلال البحرين عام 1971، وافتتحت بعد ذلك بعامين السفارة المصرية في العاصمة المنامة، وكانت كذلك من أوائل الدول التي اعترفت ورحبت بالتعديلات الدستورية التي أفضت عام 2002 إلى تحول نظام الحكم في البحرين إلى النظام الملكي. 

كذلك أكدت مصر دومًا -انطلاقًا من الرؤية المصرية العامة للأمن القومي العربي- على ضرورة الحفاظ على استقلال وسيادة الأراضي البحرينية، وحمايتها من أية تدخلات خارجية في الشأن الداخلي، وهذا تكرر في مناسبات كثيرة، من بينها الأزمة السياسية التي شهدتها المملكة منذ عام 2011، حيث تضامنت مصر مع القيادة السياسية البحرينية، ورحبت بخطواتها لحل هذه الأزمة، بما في ذلك خطوة إطلاق الحوار الوطني أوائل عام 2013. المواقف المصرية شملت أيضًا إدانة اعمال الشغب والعنف التي شهدتها بعض المناطق البحرينية خلال عامي 2013 و2014، بما في ذلك التفجير الإرهابي الذي شهدته إحدى المدن البحرينية في مارس 2014.

على الجانب الآخر، كانت البحرين دومًا في الصفوف الأولى الداعمة لمصر، سواء خلال فترة حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973، أو في المراحل التالية، خاصة مرحلة إعادة العلاقات العربية مع مصر أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ومرحلة مجابهة الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي. 

وكانت المنامة كذلك من أوائل العواصم العربية التي أيدت ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو 2013، وحرصت القيادة البحرينية على المشاركة في كافة المناسبات والاستحقاقات المهمة في مصر في المرحلة التي تلت الثورة، مثل حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، ومؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري الذي انعقد عام 2015.

وقد شملت المواقف البحرينية المؤيدة لمصر كافة الملفات الأساسية، بما في ذلك ملف سد النهضة، وملف مكافحة الإرهاب، وكان لها عام 2020 موقفًا لافتًا أيدت فيه بشكل واضح ما تضمنه خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال تفقده للمنطقة الغربية العسكرية، من تأكيد على عزم مصر وتصميمها على حماية وتأمين الحدود الغربية للدولة المصرية بعمقها الاستراتيجي من تهديدات الميليشيات الإرهابية والمرتزقة، وسرعة دعم استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية بوصفها جزءًا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومي العربي، وحقن دماء الأشقاء من أبناء الشعب الليبي.

التواصل الرسمي بين الجانبين -وإن كان مستمرًا منذ ستينيات القرن الماضي- شهد تصاعدًا واضحًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كان حريصًا منذ بداية توليه منصبه على إدامة التواصل والتعاون مع كافة الدول العربية -ومن بينها مملكة البحرين- وهو ما انعكس إيجابًا على طبيعة العلاقات بين البلدين الشقيقين خلال السنوات القليلة الماضية. 

فكانت الزيارة الأولى للرئيس السيسي إلى المملكة في أكتوبر 2015، للمشاركة في الدورة الحادية عشرة لـ “منتدى حوار المنامة”، تلتها زيارات أخرى في مايو 2017، وفي أغسطس 2018، في حين زار العاهل البحريني القاهرة ست مرات، خلال الفترة بين أواخر عام 2015 وسبتمبر 2021.

اقتصاديًا، تعود اتفاقيات التبادل التجاري بين مصر والبحرين إلى عام 1982، حيث وُقعت اتفاقية تيسير وتنمية التجارة بين الدول العربية ضمن فعاليات جامعة الدول العربية. وبلغ حجم التبادل التجاري المصري مع البحرين 160.35 مليون دولار عام 2016، وارتفع خلال النصف الأول من العام 2021 ليصل إلى نحو 552 مليون دولار. 

وبلغ حجم الاستثمارات البحرينية في مصر 3.2 مليار دولار لنحو 216 مشروعًا، وتحتل المملكة المرتبة الـ16 في قائمة الدول المستثمرة بالسوق المصرية. بالنسبة للصادرات المصرية للبحرين، فهي تتضمن الأثاث، والحديد، والآلات، والمعدات، والخضروات، والبقول، والمواد الغذائية، ومستحضرات التجميل، والقطن، والسيراميك. أما أهم الواردات المصرية من البحرين، فتشمل المشتقات النفطية، والزيوت، ومنتجات بلاستيكية، والألومنيوم ومصنوعاته، ومستحضرات التنظيف والحديد والصلب.

التعاون بين الجانبين شمل الجانبين الحكومي والتنموي؛ إذ وقّعا خلال السنوات الأخيرة العديد من اتفاقيات التعاون المشترك، من بينها مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الشباب والطلائع، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الرياضة، إلى جانب مذكرة تفاهم للتشاور السياسي، ومذكرة تفاهم بين المعهدين الدبلوماسيين التابعين لوزارتي خارجيتي البلدين، واتفاقية بشأن تجنب الازدواج الضريبي بين حكومتي البلدين، واتفاقية الملاحة البحرية التجارية، بجانب مذكرات تفاهم حول الشؤون والزراعة والصحة والبيئة والثقافة والإعلام. وفي مارس 2020، صدق عاهل البحرين على مرسوم ملكي بالموافقة على اتفاقية بشأن التعاون الجمركي بين المملكة ومصر.

الجانب العسكري يبقى من أهم جوانب التعاون المشترك بين الجانبين، وشهد خلال الفترة الأخيرة طفرة كبيرة تمثلت في التدريبات والمناورات المشتركة إلى جانب مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون العسكري ولقاءات مسؤولي البلدين العسكريين المستمرة. فقد وقع الجانبان مذكرة تفاهم بين وزارة الدفاع المصرية والقيادة العامة لقوة دفاع مملكة البحرين، وضعت إطارًا شاملًا للتعاون العسكري بينهما. وقد بدأ الجانبان في تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة بشكل دوري، كانت بدايتها في أبريل 2015، عبر المناورات البحرية والجوية المشتركة “حمد-1”.

إذًا، زيارة اليوم تأتي في سياق هذه العلاقات المتميزة بين الجانبين، وهذا كان واضحًا من خلال حفاوة الاستقبال المصري لعاهل البحرين، وتأكيد الرئيس السيسي على حرص مصر على الاستمرار في تعزيز التعاون الثنائي مع البحرين في مختلف المجالات، وتكثيف وتيرة التنسيق المشترك تجاه التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز وحدة الصف والعمل العربي المشترك في مواجهة مختلف التحديات الإقليمية والدولية.

من جانبه، أعرب جلالة الملك حمد بن عيسى عن خالص تقديره لحفاوة الاستقبال من السيد الرئيس، مشيدًا بما تتسم به العلاقات المصرية البحرينية من أخوة صادقة ووثيقة، ومؤكدًا أن زيارته الحالية لمصر تأتي استمرارًا لمسيرة العلاقات التاريخية والمتميزة التي تربط البلدين حكومةً وشعبًا وما يجمعهما من مصير ومستقبل واحد، ودعمًا لأواصر التعاون الثنائي على جميع الأصعدة.

وأشاد الملك البحريني في هذا الإطار بدور مصر المحوري والراسخ كركيزة أساسية للأمن والاستقرار في المنطقة، وجهودها المقدرة لتعزيز العمل العربي المشترك على جميع المستويات، مثمنًا التطور الكبير والنوعي الذي شهدته العلاقات المصرية البحرينية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية وغيرها، ومؤكدًا الحرص المشترك للمضي قدمًا نحو مزيد من تعميق وتطوير تلك العلاقات.

وقد شهد اللقاء التباحث حول أطر وآفاق التعاون المشترك بين مصر والبحرين، خاصةً في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، بالاستغلال الأمثل لجميع الفرص المتاحة لتعزيز التعاون بينهما. ذلك فضلًا عن تناول عدد من أبرز القضايا الإقليمية والدولية، حيث عكست المناقشات تفاهمًا متبادلًا بين الجانبين إزاء سبل التعامل مع تلك القضايا، وتم التوافق في هذا السياق على تعظيم التعاون والتنسيق المصري البحريني لتطوير منظومة العمل العربي المشترك، بما يساعد على حماية الأمن القومي العربي وتعزيز القدرات العربية. 

توقيت هذه الزيارة الذي يتزامن مع استحقاقات إقليمية مهمة، فرض بحث هذه الاستحقاقات خلال زيارة الملك البحريني، فقد رحب الرئيس السيسي والملك حمد بالقمة المرتقبة التي ستستضيفها المملكة العربية السعودية، بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق والولايات المتحدة الأمريكية.

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى