سوريا

تكامل العمليات.. لماذا التلويح التركي بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا؟

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (23 مايو) أن بلاده “ستبدأ خطوات تتعلّق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأتها لإنشاء مناطق آمنة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود الجنوبية مع سوريا”. واجتمع أردوغان مع مجلس الأمن القومي التركي (24 مايو) ليصدر بيان عن المجلس قال “العمليات العسكرية الجارية وتلك التي ستُنفذ على حدودنا الجنوبية ضرورة لأمننا القومي ولا تستهدف دول الجوار”. وأوضح أردوغان (1 يونيو) أن العملية العسكرية المرتقبة ستستهدف “الإرهابيين”، “ننتقل إلى مرحلة جديدة في عملية إقامة منطقة آمنة من 30 كيلومتراً عند حدودنا الجنوبية. سننظف منبج وتل رفعت”.

التلويح التركي سواء من حيث التصريحات الرسمية أو من خلال التحركات الميدانية بشن عملية عسكرية خامسة في شمال سوريا بعد العمليات الأربع السابقة (درع الفرات 2016 – غصن الزيتون 2018 – نبع السلام 2019 – درع الربيع 2020) ليس جديدًا في كل الأحوال، إلا أن ما يستجد في التلويح هذه المرة هو السياقات المصاحبة له، وبعض الدوافع المستجدة، وهو ما نبحثه فيما يلي.

دوافع ومحفزات

ثمة دوافع داخلية وخارجية تقف وراء تلويح الرئيس التركي أردوغان باعتزام بلاده شن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا. هذه الدوافع يغذيها عدد من المحفزات والسياقات التي تجعل من استغلالها فرصة سانحة أمام تركيا، يمكن إجمالها في التالي:

انتخابات 2023

ينطلق الرئيس أردوغان في عدد من سياساته الداخلية والخارجية في الآونة الأخيرة من قاعدة أساسية وهي جني أكبر قدر من المكاسب التي تسهم في رفع أسهمه وحزبه العدالة والتنمية قبيل الانتخابات التركية المقرر إجراؤها (يونيو 2023)، ويمكن الإشارة هنا إلى التوجه التركي الجديد بإعادة ترميم علاقات أنقرة مع محيطها العربي والإقليمي بعد سنوات من التوترات.

وفي هذا الإطار أيضًا يأتي التلويح بالعملية العسكرية الخامسة في شمال سوريا؛ إذ يستهدف أردوغان من ورائها عدة أمور، الأول هو إعادة توحيد الأتراك في مواجهة القضية الكردية وما تمثله من خطر مفترض على وحدة وسلامة تركيا من النواحي السياسية والجغرافية والديموجرافية، فضلًا عن بث الانقسامات في صفوف الأحزاب والتيارات المعارضة والتي لا تتوافق فيما بينها على رأي واحد بشأن المسألة الكردية، ومن ثم إشغالهم في قضايا خلافية تخصم من رصيدهم وتعلي من رصيد حزب العدالة والتنمية الانتخابي. علاوة على استغلال ما سينتج عن العملية من مواقف علنية رافضة لها من قبل الأحزاب الكردية كحزب الشعوب الديمقراطي لاستهداف الحزب وقادته.

إعادة توطين اللاجئين السوريين

يتصل هذا بشكل كبير بسياسات الرئيس التركي ذات الأهداف الانتخابية؛ إذ باتت قضية اللاجئين السوريين في تركيا أحد الملفات المهمة بالنسبة للمواطنين الأتراك، ومن شأن إعادة توطينهم في سوريا أن ترفع من أسهم حزب العدالة والتنمية وأردوغان خلال الانتخابات، وتعويض ما ألمّ بشعبية الحزب والرئيس جراء الأوضاع الاقتصادية. ولذلك أعلن الرئيس التركي (3 مايو) تعهده بتشجيع عودة مليون لاجئ سوري إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في شمال سوريا، وقبل ذلك القيام بإنشاء آلاف المنازل للعائلات السورية في المناطق التي استولت عليها تركيا جراء عملياتها العسكرية في شمال سوريا.

ولذلك أيضًا يعيد الرئيس التركي تأكيد أن الهدف من العملية هو استكمال إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلو مترًا، وهو ما يعني بالنسبة للأتراك إعادة توطين المزيد من اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، الأمر الذي من شأنه الحديث عن تخفيف بعض الضغوط المعيشية والاقتصادية على المواطنين الأتراك.

استغلال تداعيات حرب أوكرانيا

نتج عن الحرب في أوكرانيا العديد من التداعيات التي أتاحت ميزات جيوسياسية مهمة لتركيا تعمل على استغلالها في عدة أوجه منها شن العملية العسكرية الجديدة. ويمكن تفصيل هذه التداعيات في: 1 – تحاول تركيا استغلال حالة الانشغال العالمي بالحرب في أوكرانيا وما نتج عنها من تداعيات على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية وكذلك على الأمن الغذائي العالمي لتقوم هي بقضم مناطق أكثر في سوريا، في وقت قد لا ينشغل فيه العالم بشكل كبير بما سيحدث.

2 – قامت روسيا –تأثرًا بالحرب- بإعادة انتشار بعض قواتها الموجودة في سوريا وأوقفت دوريات عسكرية بما خلق فراغات تعمل أنقرة على ملئها. 3 – يمثل الفيتو التركي على انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف الناتو ورقة ضغط قوية في يد أنقرة تعمل على استغلالها لجني أكبر قدر من المكاسب، قد يكون منها سماح القوى الغربية لتركيا بتنفيذ هذه العملية، فضلًا عن الضغط على ستوكهولم وهلسنكي لوقف دعمهما لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية.

الأهداف التركية

تسعى تركيا إلى تأمين جوارها الاستراتيجي بعدما تضرر جراء النفوذ الذي اكتسبه الأكراد خلال الفترات الأخيرة بعلاقاتهم مع كل من روسيا والولايات المتحدة وحتى مع الحكومة السورية بوساطة روسية، وهو النفوذ الذي أسهم في زيادة تحركاتهم العسكرية المناوئة لتركيا والفصائل المسلحة التابعة لها في مناطق نفوذ عملياتها (درع الفرات – غصن الزيتون – نبع السلام). ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى أهداف أساسية تسعى تركيا إلى تحقيقها من العملية العسكرية الجديدة.

1 – إنشاء المنطقة الآمنة: يتمثل الهدف الأول في إنشاء منطقة آمنة داخل سوريا بعرض 432 كيلومترًا وبعمق 30 كيلو مترًا، من خلال ربط المناطق التي سبق الاستيلاء عليها في العمليات العسكرية السابقة؛ عبر الاستيلاء على مناطق مثل تل رفعت ومنبج وعين عيسى، وذلك بما يحقق لأنقرة هدفين: 1 – إعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى داخل سوريا، وضمان عدم فرار لاجئين جدد إلى داخل تركيا جراء أي تطورات عسكرية مستقبلية. 2- تحييد الخطر الناجم عن انتشار القوات الكردية في هذه المناطق واتخاذها كمنطلق للهجوم على القوات التركية والميلشيات التابعة لها، وصولًا إلى استهداف مناطق داخل الأراضي التركية مثل منطقة كركامش في محافظة غازي عنتاب.

2 – صراع الطرق الدولية: لا يمكن فصل العمليات العسكرية التي قامت بها تركيا أو العملية الجديدة المزمع القيام بها عن الصراع الدائر منذ سنوات للسيطرة على الطرق الدولية في سوريا، وخاصة طريقي حلب-اللاذقية (M4) وحلب-دمشق (M5)؛ إذ تستهدف تركيا من وراء العملية العسكرية الجديدة السعي إلى قضم بعض المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، وخاصة مدينة تل رفعت التي تمثل نقطة ارتكاز أساسية تسيطر على طرق التجارة الرئيسة شمال حلب. فضلًا عن السيطرة على منبج والتي من شأنها المساعدة في إنشاء جسر بري بين مناطق حلب التي سيطرت عليها تركيا في عام 2016 لتلك الموجودة في الحسكة التي استولت عليها في عام 2019.

3 – التكامل العملياتي في سوريا والعراق: جاء التلويح التركي بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا بالتزامن مع تنفيذ عملية عسكرية جديدة في العراق تحت اسم “المخلب – القفل” (18 أبريل)؛ بهدف “تحييد العناصر الإرهابية في مناطق متينا وزاب وأفشين ـ باسيان شمالي العراق”، وهي العملية التي تتواصل أعمالها حتى الآن، وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار استمرارها حتى “إزالة التهديد الإرهابي”. ومن ثم، فإن شن عملية عسكرية في سوريا من شأنه تكثيف الضغط على القوات الكردية واستنزاف قدراتها، واستكمال مخطط المنطقة العازلة التي تريد تركيا تحقيقها بما يقوض حلم الاستقلال الكردي.

إجمالًا، على الرغم من عدم وضوح الموعد المحدد للعملية حتى الآن، وكذلك المواقف التي يمكن أن تتبناها القوى المعنية بالشأن السوري وفي مقدمتها روسيا والولايات المتحدة وإيران، فإن احتمالات تنفيذ هذه العملية تظل كبيرة، على أن تبقى حدود تماسها مع مصالح هذه القوى في إطار التفاهم الضمني على أقل تقدير.

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى