آسيا

الزيارة الأولى: قراءة في زيارة وزير الخارجية الباكستاني الجديد إلى الصين

بعد حديث يتعلق بمؤامرة أمريكية لسحب الثقة من رئيس الوزراء السابق “عمران خان”، وأن رئيس الوزراء الجديد “شهباز شريف” يأتي بحكومة تحمل مقاربات جديدة مع الولايات المتحدة، كانت الصين المحطة الأولى لوزير الخارجية الباكستاني “بيلاوال بوتو زرداري” يومي 21 و22 مايو 2022.

خلفية سياسية عريقة

بالنظر إلى خلفية الوزير، فإنه من عائلة سياسية عريقة في البلاد، فهو ابن رئيسة الوزراء السابقة “بينظير بوتو” التي تم اغتيالها في عام 2007، ونجل الرئيس السابق “آصف علي زرداري”، وحفيد “ذو الفقار على بوتو” الذي عمل وزيرًا للخارجية ورئيسًا للوزراء وتم إعدامه في عام 1979. وأشير إلى أنه يحمل توجهات موائمة مع الغرب، ويقع على عاتقه إصلاح العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام التي شهدت تراجعًا ملحوظًا في عهد الحكومة السابقة بقيادة “عمران خان”.

وقد أشار وزير الخارجية الجديد على “تويتر” بعد أدائه اليمين الدستورية إلى “دورنا من أجل استعادة الديمقراطية من خلال إصلاحات انتخابية ونضال من أجل اقتصاد أكثر عدالة وتعزيز مكانة باكستان في الساحة الدولية”. وصرح “شهباز” بأن بلاده لا تتحمل عبء معاداة الولايات المتحدة، مشددًا على ضرورة تحسين العلاقات مع واشنطن.

توجهات حكومة “شهباز” نحو الصين

كان لرئيس الوزراء الحالي “شهباز شريف” دور أساسي في إقامة البنية التحتية الخاصة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الخاص بمبادرة الحزام والطريق الصينية، لذا فكان على رأس تصريحاته أنه يحرص على استكمال الأعمال الخاصة بالممر الذي تبلغ تكلفته حوالي 60 مليار دولار وتم الإعلان عنه في أبريل عام 2015. 

من الأسباب الداعية أيضًا إلى تمسك “شريف” بمشاريع الممر أنه في عام 2018 الذي انتهت فيه مهامه في مقاطعة البنجاب، تمكّن شقيقه رئيس الوزراء الأسبق “نواز شريف” من الوفاء بالوعد الخاص بإنهاء أزمة نقص الكهرباء في باكستان، إذ وفرت مشاريع الممر طاقة هائلة بلغت 10.400 ميجاوات في غضون ثلاث سنوات. واشتهر “شهباز” لدى القيادات الصينية بتسليمه المشاريع قبل موعدها النهائي. 

اعتادت الشركات الصينية على تباطؤ عملها في باكستان مع تغيير الحكومات، وهو ما حدث أيضًا عند تشكيل حكومة “عمران خان”، وقد عادت الوتيرة إلى طبيعتاه فيما بعد لكنها لم تكن في نفس حالة نشاطها في عهد “نواز” بسبب الحملة ضد الفساد التي أقامتها حكومة “خان” وتم فيها اتهام “شهباز” بتلقي رشا من الشركات الصينية العاملة في مشاريع الممر.

وهو ما أثار حفيظة بكين وأدى إلى تباطؤ النشاط في إطار البرنامج الممول من الصين لدرجة أن معظم المشاريع قيد الإنشاء تأخرت كثيرًا عن الجدول الزمني، ولم يتم إطلاق أي مشاريع كبرى جديدة بسبب ما عدّته الشركات الصينية قيودًا بيروقراطية.

أسهمت تلك القيود في عدم استجابة بكين لخطة “خان” بشأن الممر بإنشاء ثلاث مناطق اقتصادية خاصة لجذب الشركات الصينية التي تتطلع إلى نقل منشآتها التصنيعية، وتزايد الأمر بعد مقتل تسعة من الصينيين العاملين في باكستان في تفجير انتحاري في يوليو عام 2021، ومقتل ثلاثة آخرين في تفجير آخر استهدف معهد كونفوشيوس بجامعة “كراتشي” في أبريل عام 2022، وهو ما أدى إلى تأكيد اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين على أن أمن المواطنين الصينيين “شرط مسبق” لأية استثمارات صينية.

نتائج اللقاء.. استئناف التعاون

بعد دخول “شهباز” على رأس الحكومة، أكدت بكين أن تحول السلطة في باكستان لن يؤثر على العلاقات مع الصين، وأكد وزير الخارجية الصيني على تقدير الصين “لالتزام الحكومة الجديدة بتطوير الشراكة التعاونية الاستراتيجية بين البلدين، وأن الصين تعطي أولوية لباكستان في علاقاتها مع دول الجوار”، وأضاف: “العلاقات الصينية الباكستانية ستكون عاملًا لتحقيق الاستقرار في المنطقة”.

ويمكن هنا الإشارة إلى احتمالية تزايد التفاؤل الصيني تجاه حكومة “شهباز” لما له من تاريخ مقبول لدى الصين، مما يعني تسريع العمل في الممر الاقتصادي واستكشاف بعض المشكلات التي واجهتها الشركات الصينية العاملة في باكستان في السنوات القليلة الماضية. وقد ناشد “شهباز” عند افتتاحه خط حافلات مترو يربط “إسلام أباد” بمطارها الدولي الجديد الذي شيدته الصين الرئيس الصيني لتمويل إحياء نظام سكة حديد النقل الجماعي في مدينة “كراتشي” من خلال إضافة المشروع إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

تثار احتمالات بأن توجهات الحكومة الجديدة تجاه الغرب قد تتأثر بالموقف الأمريكي من الممر الاقتصادي، فرغم أن الولايات المتحدة لم تولِ اهتمامًا للممر إلا حين أصبحت سياستها الخارجية تجاه الصين قتالية خلال إدارة “دونالد ترامب”، باتت هناك مخاوف من أن تستغل باكستان المساعدات الأمريكية المقدمة لها أو التي يتم تقديمها عبر المؤسسات متعددة الأطراف كي يتم استخدامها لسداد مدفوعات “إسلام آباد” لبكين.

وفي إشارة غير مباشرة إلى الموقف من التوجهات الصينية حول الوحدة مع تايوان، أكد “بيلاوال” على تأييد مبدأ صين واحدة بقوة. وبعد التأكيد على مشاركة الدولتين في هدف محاربة الإرهاب، ألقى البيان المشترك للزيارة الضوء على التزام باكستان بالتعجيل في التحقيق وتعقب الجناة وتقديمهم للعدالة، والاستمرار في بذل مزيد من الجهد لحماية أمن وسلامة المواطنين الصينيين. وأشار الجانب الصيني إلى تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني مع باكستان.

وعبّر “بيلاوال” عن تأييده لمبادرة الأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية التي اقترحتها الصين، وتقدير الجهود الصينية لمكافحة جائحة كورونا والعمل على سياسة “صفر- كوفيد”، وأنها تجربة ملهمة لباكستان لعدم تسييس القضايا المتعلقة بالجائحة.

بين الصين والولايات المتحدة

هناك تساؤلات عما إذا كان التنافس الأمريكي الصيني قد يخيم على باكستان لتصبح في ظل تقاربها مع بكين لها دور عسكري كبير في السنوات المقبلة، بجانب ما إذا كانت باكستان ستسمح للصين باستخدام بنيتها التحتية الخاصة بالممر الاقتصادي لجعله ثنائي الغرض بسبب تنامي التشغيل البيني العسكري بين البلدين.

رغم أن الاحتمال الأكبر أن باكستان لن تقبل بهذا الوضع في ظل توسيع التعاون الاستراتيجي بين البلدين في المستقبل، قد تُفرض على باكستان ضغوط بما يسمح لبكين فرض شروط عليها، مثل أن تستغل مسألة سداد القروض المقدمة لها.

في نفس الوقت، يمكن الإشارة إلى أن باكستان تسعى من جانبها كي يتم إدخال أفغانستان وإيران ضمن خطط الصين لتوسيع مشاريع الممر الاقتصادي، خاصةً في ظل التوافق الجاري بين بكين وحكومة طالبان التي سيطرت على كابول في أغسطس 2021، والاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران الذي تم توقيعه في عام 2020 لمدة 25 عامًا.

على جانب آخر، يمكن القول إن زيارة وزير الخارجية إلى الصين أهدافها اقتصادية أكثر من أية مجالات أخرى إذا ما نظرنا إلى زيارة وزير الدفاع الباكستاني الفريق “نديم أنجوم” إلى الولايات المتحدة في شهر مايو أيضًا ولقاء العديد من المسؤولين مثل رئيس المخابرات الداخلية ومستشار الأمن القومي ومدير المخابرات المركزية لمناقشة قضايا أمنية يتعلق بعضها بالوضع الأمني في أفغانستان بعد حكم طالبان والتخوفات الباكستانية بسبب الهجمات التي شنتها الحركة على القوات الباكستانية من أفغانستان. 

ويمكن القول أيضًا إن الولايات المتحدة حاولت خلال لقاء هامشي لمؤتمر وزاري للأمن الغذائي خلال نفس الشهر بين “بيلاوال بوتو زرداري” ونظيره “أنتوني بلينكن” إبداء النية لتقديم الدعم عبر حزمة مالية من صندوق النقد الدولي لتجنب تخلف باكستان عن سداد الديون، في إشارة إلى السعي إلى استغلال التراجع النسبي الذي شهدته العلاقات الصينية الباكستانية في عهد “عمران خان”، خاصةً مع ميل الجيش الباكستاني إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

فردوس عبد الباقي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى