إحياء مسار العائلة المقدسة.. انتعاشة للسياحة الدينية في مصر
قام وزيرا التنمية المحلية والسياحة والآثار، بالافتتاح التجريبي لمسار العائلة المقدسة بوادي النطرون بمحافظة البحيرة. وصرح وزير التنمية المحلية، بأن العمل يجري للانتهاء من كامل أعمال تجهيز وتأهيل الأماكن التي استقرت بها العائلة المقدسة في المحافظات الثماني التي زارتها وحلت عليها لفترة من الوقت، حيث انتهت الأعمال بالكامل في ثلاث محافظات، منها محافظة البحيرة، التي شملت البنية التحتية وتأهيل أديرتها التي تعتبر الأكبر على طول المسار. ويعد مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة إلى مصر مشروعًا قوميًا باعتباره محورًا عمرانيًا تنمويًا يقوده قطاع السياحة؛ ويؤدي تنمية هذا المحور إلى تنمية المجتمعات المحيطة بطول المسار.
رحلة الهروب إلى أرض الكنانة
رحلت العائلة المقدسة المكونة من “السيدة العذراء مريم، السيد المسيح، القديس يوسف النجار” من بيت لحم هربًا من جنون هيرودس “والذي يعد واحدًا من أكثر الملوك شرًا في التاريخ” بعد علمه بمولد رضيع أتى ليأخذ ملكه، فأصدر أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين.
حينها ظهر ملاك ليوسف النجار في الحلم وأخبره بأن يأخذ الطفل ومريم إلى مصر، قائلًا: “خذ الصبي وأمه وأهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلًا وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودس” بهذه الكلمات تحدث الإنجيل عن رحلة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء إلى مصر، التي سطّرت صفحة جديدة في تاريخها.
واستغرقت زيارة العائلة المقدسة في مصر 3 سنوات، وقد رصد البابا “ثاؤفيلس” البطريرك رقم 23 في كرسي الكرازة المرقسية بمصر في الفترة ما بين 385-412م وفقًا لمخطوطة ” الميمر” (وهي كلمة سيريانية تعني السيرة)، أهم المحطات الرئيسية في رحلة العائلة المقدسة، بداية من “الفرما” والتي كانت تعرف بـ”البيليزيوم”، وهي المدينة الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد حاليًا، حتى جبل قسقام بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، حيث رجعا مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرودس.
نقاط مسار العائلة المقدسة
بدأت رحلة العائلة المقدسة من فلسطين إلى مصر، عن طريق الهضاب والصحاري وليس عبر الطرق المتعارف عليها، وذلك لهروبهم من هيرودس الملك، ويضم مسار رحلة العائلة المقدسة ٢٥ نقطة تمتد لمسافة 3500 كيلو متر ذهابًا وعودة من سيناء حتى أسيوط، حيث يحتوي كل موقع حلت به العائلة على مجموعة من الآثار في صورة كنائس أو أديرة أو آبار مياه ومجموعة من الأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع وفقًا لما أقرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر. وتتمثل المحطات فيما يلي:
- الفرما: سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق ببحيرة البردويل في شمال سيناء، ودخلت مصر عن طريق الناحية الشمالية من جهة الفرما، التي تقع شرق مدينة بورسعيد، وهي مدينة من العصر الروماني لا تزال موجودة وتحمل نفس الاسم.
- تل بسطة: هي المحطة الأولى بشرق الدلتا بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، ودخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا (بسطة) وأساء أهل المدينة معاملتهم فتركوها واتجهوا جنوبًا.
- المحمة (مسطرد حاليا): كان اسمها المحمة لأنها بها نبع مازال موجودًا حتى الآن وكان مكان الاستحمام، وفيه أحمت العذراء السيد المسيح، وغسلت ملابسه.
- بلبيس: وفيها استظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم ومرت العائلة المقدسة على بلبيس أيضًا في طريق عودتها.
- سمنود: استقبلهم شعبها بصورة جيدة، فباركهم المسيح ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت، يقال إن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها، ويوجد أيضًا بئر ماء باركه السيد المسيح بنفسه.
- سخا: تقع بمحافظة كفر الشيخ وفيها مكثت العائلة المقدسة لنحو 7 أيام وطبع المسيح “قدمه” على حجر محفوظ ضمن مقتنيات” كنيسة العذراء مريم”.
- وادي النطرون: انطلقت العائلة في رحلتها إلى وادي النطرون، وعبرت النيل، عبر فرع رشيد، وبارك المسيح والعذراء هذا المكان.
- مدينة أون أو المطرية حاليًا: عبرت العائلة مرة أخرى النيل للذهاب إلى المطرية، وعين شمس، وكانت توجد في هذا المكان شجرة، استظلوا بها من حر الشمس، وتعرف حتى اليوم باسم “شجرة مريم”، وأنبع المسيح نبع ماء وشرب منه، وغسلت فيه العذراء ملابسه.
- مصر القديمة: يوجد بها العديد من الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وتحولت فيما بعد إلى كنائس، ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا أيامًا قلائل نظرًا لتحطم الأوثان فأثار ذلك سخط والي الفسطاط فأراد قتل السيد المسيح، لكنهم اختبئوا في كهف داخل كنيسة القديس سرجيوس (أبي سرجة).
- المعادي (منف): وصلت العائلة إلى منطقة المعادي للسفر إلى الصعيد عبر النيل، وسميت المعادي، لأن العائلة المقدسة “عدت” –أي عبرت- منها، ومازال السلم الذي نزلت عليه العائلة المقدسة إلى النيل موجودًا.
- دير الجرنوس (مغاغة): وفيها بئر شربت منه العائلة المقدسة، وما زال موجودًا حتى الآن.
- البهنسا: وفيها مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمي أباي ايسوس (بيت يسوع) ومكانها الآن قرية صندفا – بني مزار، وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة 17 كم غرب بني مزار. التابعة لمحافظة المنيا.
- سمالوط (جبل الطير): منطقة تابعة لمحافظة المنيا، واستقرت العائلة المقدسة في المغارة الأثرية الموجودة في الكنيسة بجبل الطير. ويسمى أيضًا بجبل الكف حيث يذكر التقليد القبطي أن صخرة كبيرة من الجبل كادت أن تسقط على العائلة المقدسة فمد المسيح يده ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت وانطبع كفه على الصخر.
- الأشمونين: وصلتها العائلة المقدسة بعد عبورها إلى الجهة الغربية، وحدث في هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت أوثانها وباركت العائلة المقدسة الأهالي.
- ديروط: (تابعة محافظة أسيوط): وقد أقامت العائلة المقدسة بها عدة أيام، وقد أجرى السيد المسيح عدة معجزات بها. ويوجد الآن بها كنيسة على اسم السيدة العذراء مريم.
- قسقام (القوصية) تابعة لمحافظة أسيوط: وفيها سقط الصنم معبود المدينة وتحطم، فطردهم أهلها خارج المدينة وأصبحت هذه المدينة خرابًا.
- مير (غرب القوصية): حيث هربت العائلة من أهالي قرية “قسقام”، وأكرمهم أهلها، وباركهم المسيح.
- دير المحرق: بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من قرية مير اتجهت إلى جبل قسقام الذي يبعد 12كم غرب القوصية. ويعتبر الدير المحرق من أهم المحطات التي استقرت بها العائلة المقدسة ويشتهر باسم “دير العذراء مريم”، وتعتبر الفترة التي قضتها العائلة في هذا المكان من أطول الفترات إذ مكثت “6 شهور و10 أيام” وتعتبر المغارة التي سكنتها العائلة هي أول كنيسة في مصر بل في العالم كله.
- جبل درنكة: بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من جبل قسقام اتجهت جنوبًا إلى أن وصلت إلى جبل أسيوط، حيث يوجد دير درنكة وتوجد مغارة قديمة منحوتة في الجبل أقامت العائلة المقدسة بداخلها، ويعتبر دير درنكة هو آخر المحطات التي لجأت إليها العائلة المقدسة في رحلتها في مصر، وجاء الأمر ليوسف النجار في حلم بضرورة عودته إلى فلسطين مرة أخرى.
- العودة: انطلقت العائلة في رحلتها عائدة من الصعيد حتى وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ففلسطين حيث يسكن القديس يوسف والعائلة المقدسة في قرية الناصرة بالجليل.
أهمية دينية واقتصادية
حاز “مسار العائلة المقدسة” على اهتمام عالمي كبير في عام 2017، بعد اعتبار بابا الفاتيكان المسار “رحلة حج مسيحي”. وأُدرجت زيارة المسار بشكل فعلي ضمن زيارات الفاتيكان الرسمية عام 2018. وفي أعقاب هذا القرار، استقبلت مصر أول وفد لـ “حج رسمي” من الفاتيكان في يونيو 2018؛ حيث مكث الوفد لمدة 5 أيام، وضم 52 شخصية. وتبع ذلك الحدث عددًا من الزيارات الأخرى التي استهدفت التعريف بالمسار، مثل زيارة 5 من رؤساء الكنائس الإنجليزية المسكونية، وكذلك الحال مع 5 من رؤساء أكبر الكنائس الفرنسية. كما نُظم مؤتمر الحوار الديني المصري الأوروبي، للترويج للمسار، ودُعيت إليه كل الطوائف الدينية في هولندا وألمانيا والدنمارك وغيرها من الدول الأوروبية.
وفي عام 2020 بدأت الزيارة الرسمية الأولى لمجموعة من السياح؛ إذ وفد 73 سائحًا إيطاليًا. وفي نفس العام، جاء وفد سويسري فرنسي مشترك مكون من 35 سائحا. وتوقفت الزيارات مع بداية جائحة كوفيد-19، مما دفع وزارة السياحة والآثار لاستكمال البنية التحتية للمسار لخروجه بشكل ملائم.
ويعد مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات القومية التي تحظى باهتمام الدولة وكافة الجهات المعنية لتنشيط السياحة الدينية، وذلك لدعم الاقتصاد وتوفير فرص عمل للشباب وتطوير البنية التحتية. حيث يمثل مسار العائلة المقدسة محورًا عمرانيًا متكاملًا، يؤدي إلى تنمية المجتمعات الفقيرة والمهمشة بطول المسار، إضافة إلى تدريب الصناع والحرفيين بالمجتمع المحلي على إنتاج السلع السياحية، وتطوير البنية التحتية من طرق ومنشآت لتيسير الرحلة الدينية للسائحين.
وأخيرًا؛ يعد مسار العائلة المقدسة نقلة كبيرة للحركة السياحية ودفعًا للاقتصاد المحلي بالمحافظات الواقعة على طول المسار لذلك لابد من اتخاذ العديد من التدابير التي تضمن خروج المشروع بشكل مناسب ومنها؛ تقديم برامج تدريبية لتوفير فرص عمل متناهية الصغر وصغيرة للشباب في المحافظات الواقعة في مسار الرحلة، إضافة إلى ذلك توفير المنشآت القائمة على خدمة السائحين كالفنادق والمطاعم والبازارات، كذلك الاهتمام بتقديم الفلكلور والصناعات اليدوية الخاصة بكل محافظة، فضلًا عن أهمية التسويق الجيد لهذا المشروع الهام بجميع دول العالم لتشجيع السائحين علي زيارة مسار العائلة المقدسة، بالإضافة إلى التسويق على مستوى السياحة الداخلية لزيادة الوعي الأثري للمواطنين.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



