العالم العربيمصر

دعوة الرئيس إلى إطلاق عام 2023 عامًا للشباب العربي… نهج دبلوماسي جديد

على هامش الدورة (45) لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوة لجعل عام 2023 عامًا للشباب العربي، وأكد الرئيس خلال حديثه أن قطاع الشباب يمثّل بُعدًا أساسيًا للأمن القومي للدول، فضلًا عن أهميته في بناء فهم ووعي حقيقي للشباب على نحو يعزز الاستقرار والأمن والسلام كهدف رئيس، ويوفر عوامل التقدم والنجاح. وهو ما حرصت عليه الدولة المصرية عقب ثورة 2013؛ إذ استطاعت أن تحول هذه القوة الهائلة والتي تمثل 60% من السكان إلى قاعدة قوية من الكفاءات الشبابية، كي تكون مؤهلة للعمل السياسي، والإداري، والمجتمعي بالدولة. 

ويمكن القول إن مصر استطاعت أن تجد نهجًا دبلوماسيًا جديدًا للتواصل مع العالم، عبر رؤية جديدة وهي الشباب، وقامت الدولة بتعزيز تلك الدبلوماسية من خلال إعادة توظيفها في الإطار الصحيح، سواء من خلال “دبلوماسية المنتديات أو “الدبلوماسية التدريبية”.

منتدى شباب العالم

منذ انطلاقه في عام 2017 استجابة لتوصية مجموعة من الشباب في المؤتمر الوطني للشباب بالإسماعيلية بإجراء حوار مع شباب العالم، بلغ إجمالي عدد الحاضرين في النسخة الأولى أكثر من 3000 مشارك من 113 دولة، وبلغ عدد الحاضرين في النسخة الثانية منه 5000 مشارك من 169 دولة، ووصلت ذروة أعداد المشاركين 8000 مشارك من 197 دولة في النسخة الثالثة. فشارك شباب من نحو 196 دولة من دول العالم بعد توقف المنتدى عام 2020 بسبب جائحة كورونا.

ولم يقف دور المنتدى بوصفه مجرد منتدى شبابيًا فقط، بل أضفى دورًا كبيرًا من خلال حضور ومشاركة تجمع هائل من الشباب من مختلف الجنسيات والديانات؛ إذ تحول إلى منصة عالمية تهدف إلى الجمع بين الشباب لمناقشة مجموعة واسعة من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والبيئية التي تهم العالم، وهو ما ظهر جليًا في موضوعات النسخة الرابعة من المنتدى من مناقشة موضوعات (آثار ما بعد كوفيد-19-  تغير المناخ- حقوق الإنسان- التحول الرقمي) 

فقد وفر المنتدى فرصة للشباب لتبادل الرؤى المختلفة من أجل دعم الحوار المفتوح بين الثقافات المختلفة، وقد حصدت الدولة المصرية العديد من المكاسب (السياسية- الاقتصادية- الثقافية) عبر دمج الشباب المصري مع بقية شباب العالم في حوارات وورش عمل وحلقات نقاشية، نتج عنها أفكار وحلول توصل إليها الشباب تسهم في حل للمشاكل التي تواجه العالم، وصدر عن المنتدى منصات تفاعلية من أجل تمكين الشباب وتبني أفكارهم، من خلال:

  • ملتقى الشباب العربي والأفريقي: هي منصة حوار للشباب المنطقة العربية والأفريقية، يتبادلون فيها خبراتهم نحو مستقبل أوطانهم، فقد أتيحت الفرصة للمشاركين في نسخته الأولى عام 2019 مناقشة مُختلَف الموضوعات التي تهم الشباب العربي والأفريقي بهدف تعزيز التعاون بين الدول العربية والأفريقية. وأسهمت فعاليات الملتقى بمختلف أنواعها، من جلسات نقاشية وورش عمل وموائد مستديرة، كذلك في مد مزيد من جسور التواصل بين القادة الشباب الواعدين وصُنَاع القرار والسياسيين والخبراء في المجالات المختلفة لصياغة رؤية شبابية تسعى نحو مستقبل أفضل بالمنطقتين العربية والأفريقية.
  • نموذج محاكاة الاتحاد الأفريقي: وهو أول ما نُظم تحت مظلة “منصات منتدى شباب العالم”، وذلك عقب توصيات منتدى شباب العالم 2017، والتي نصت على ضرورة تفعيل الحوار بين الشباب العربي والأفريقي، تم عقد نموذج محاكاة الاتحاد الأفريقي بالقاهرة، في مايو 2018، بحضور عدد من الشخصيات، بالإضافة إلى ممثّلين لأكثر من 20 دولة عربية وأفريقية، حيث أُتيحت الفرصة للشباب العربي والأفريقي ليتناقشوا ويتحاوروا في التحديات التي تواجه بلادهم وكيفية التغلّب عليها، وقد انعقد نموذج مُحاكاة الاتحاد الأفريقي بتمثيل 55 دولة أفريقية، وهي الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي. 

لذلك، أصبح منتدى شباب العالم منصة دولية وأداة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، فضلًا عن أنه أصبح نقطة تلاقي العديد من الجنسيات والثقافات ومنصة حوار بين شباب مصر وشباب العالم.

الأكاديمية الوطنية للتدريب

الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب، هي إحدى توصيات المؤتمر الوطني الأول للشباب 2016، والتي تعد نقلة نوعية كبيرة في مجال تدريبة وتأهيل الشباب، خاصة في ظل اهتمام الدولة ببناء الإنسان المصري. وتقدم الأكاديمية نوعين من النشاطات، الأول: البرامج التي تتم بتكليفات رئاسية أو بتكليفات من رئاسة مجلس الوزراء، وذلك لتأهيل مواطنين سيلتحقون بالعمل في الدولة أو سيتم ترقيتهم في وظائفهم أو تمثيل مصر في الخارج، والثاني: يندرج تحت المدرسة الرئاسية للقيادة، ومنه البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي للقيادة، والذي يمثل أحد أدوات الدبلوماسية الشبابية المصرية في تعزيز أواصر التعاون مع الشباب من مختلف الجنسيات.

ففي إطار الاهتمام بخلق روابط بين مختلف شباب العالم، انطلقت فكرة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي للقيادة. وهذا البرنامج يعد تنفيذًا لإحدى توصيات منتدى شباب العالم 2018، وتزامنًا مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي لعام 2019.

ويهدف هذا البرنامج إلى تجميع الشباب الأفريقي بمختلف انتماءاته ومعتقداته تحت مظلة واحدة هدفها التنمية والسلام، وذلك استكمالًا لدور مصر في المشاركة الفعالة مع الحكومات الأفريقية الأخرى، ويهدف البرنامج إلى إتاحة الفرصة لأكثر من 1000 شاب أفريقي للمشاركة على مدار 10 دورات على أن تتسع كل دورة لمشاركة 100 شاب.

هذا الأمر يعد نقلة نوعية كبيرة في شكل العلاقة بين مصر والدول الأفريقية، حيث تعمل الدولة المصرية على مد روابط قوية بين كافة الدول الأفريقية وفتح قنوات تواصل، خاصة وأن الدول الأفريقية تمثل امتدادًا للأمن القومي المصري، فضلًا عن أن هذه الخطوات تقلل الفجوة التي كانت مستمرة على مدار سنوات بين مصر والدول الأفريقية، فقد استطاعت مصر من خلال الاهتمام بالشباب العمل على إعادة صياغة السياسية الخارجية مع الدول الأفريقية، ويمكن اعتبارها أنها خارج الإطار الدبلوماسي المتعارف، هي نطاق جديد من الدبلوماسية، والذي يمكن أن نطلق عليها “الدبلوماسية التدريبية”.

الشباب ركيزة أساسية في الحوار الوطني

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سعت الدولة المصرية إلى إشراك الشباب في كافة القضايا، وهو ما يظهر بوضوح في إطار تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال إفطار الأسرة المصرية بالتنسيق مع كل التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار وطني حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، من خلال المؤتمر الوطني للشباب (والذي يتم تنظيمه تحت مظلة الأكاديمية الوطنية للتدريب).

من جهة أخرى، ستقوم الأكاديمية الوطنية للتدريب باعتماد مبدأ توسيع قاعدة المشاركة في الحوار من خلال دعوة جميع ممثلي المجتمع المصري بجميع فئاته ومؤسساته بأكبر عدد ممكن لضمان تمثيل جميع الفئات في الحوار المجتمعي، وكذا تحقيق الزخم الحقيقي والمصداقية وتدشين لمرحلة جديدة في المسار السياسي الدولة المصرية، بعد أن عبرت جميع التهديدات والمخاطر الأمنية التي كانت تضعها في حالة استثنائية.

دعوة الرئيس 2023 عامًا للشباب العربي

تمثل كتلة الشباب طاقة إيجابية يجب العمل على تعظيم الإمكانيات العربية المشتركة لحسن استخدامها واستثمارها، ولتحصين عقول الشباب العربي ضد الأيديولوجيات المتطرفة، والحيلولة دون غرس أي أفكار هدامة أو مغلوطة بها، والتي من شأنها أن تهدد مقدرات وكيان الدول، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي على هامش الدورة (45) من لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، وخلال لقائه الذي شهد حوارًا مفتوحًا وتبادلًا مع الوزراء العرب حول التجارب العربية المختلفة في العمل الشبابي، وكيفية الاستفادة منها في دعم الحوار الشبابي، وتوفير مساحة للتشاور بين الكوادر المجتمعية الشبابية في الوطن العربي؛ بغية بلورة رؤى شبابية للتحديات التي تواجههم.

وفي ختام اللقاء، أطلق الرئيس دعوة ليكون 2023 عامًا للشباب العربي، بحيث يتم تنظيم مجموعة من الأنشطة بالتناوب بين العواصم العربية المختلفة على مدى العام، وكذلك دراسة إنشاء اتحاد للشباب العربي، وذلك كآلية متطورة تعمل كجسر ومنصة تسهم في تعظيم التفاعل بين الشباب العربي بشكل منتظم وممنهج، بالإضافة إلى توحيد الشباب العربي نحو إدراك قضاياهم واهتماماتهم، وذلك لتعميق أواصر العلاقات على المستوى الشعبي بين الشباب، ومساعدتهم على التصدي للشائعات، وتصويب الانحرافات الفكرية، ومواجهة الأفكار المغلوطة والهدامة والمتطرفة والظواهر السلبية التي تلقي بظلالها على الوعي المجتمعي.

وترجع أهمية هذه الدعوة إلى أن توحيد الشباب العربي سوف يخلق رؤي شبابية قادرة على تحقيق الاستقرار العام في المنطقة، بجانب أن له بعدًا سياسيًا متعلق بالأمن القومي للدول، خاصة وأنهم جزء من التنمية الشاملة، علاوة على أن هذا الترابط سيولد طفرة نوعية للمجتمع العربي، ويكون بمثابة فرصة لتعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية وتمكينهم لصنع القرار، مما يتيح لهم فرصة للنهوض ببلادهم.

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى