الاقتصاد المصري

مصر وفرنسا: علاقات تاريخية وفرص استثمارية

التقى نائب وزير المالية للسياسات المالية والتطوير المؤسسي “أحمد كوجك” مع 20 من ممثلي الشركات الفرنسية العاملة في مجال الاستثمار المباشر في باريس، دار الحديث عن خطة الدولة المصرية لتنفيذ إجراءات جديدة تستهدف تعظيم التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص في مصر، وتعظيم دور القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية لتصل مساهمتها إلى 50 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال ثلاث سنوات.

تأتي تلك الزيارة في إطار الجهود المصرية لتعزيز دور القطاع الخاص وجذب استثمار أجنبي مباشر إلى السوق المصرية خلال تطبيق وثيقة ملكية الدولة التي تم الإعلان عنها خلال المؤتمر الاقتصادي العالمي للحكومة المصرية، والتي تشمل طرح العديد من الشركات بسوق الأوراق المالية المصرية؛ بهدف جذب استثمارات من القطاع الخاص، هذا فضلًا عن بدء منح “الرخصة الذهبية” للمشروعات الاستثمارية الجديدة التي تهدف إلى تسريع وتيرة تنفيذ الأنشطة الإنتاجية المصرية.

لماذا فرنسا؟

فرنسا إحدى أهم الدول في الاتحاد الأوروبي؛ إذ إنها تأتي في المرتبة الثانية اقتصاديًا بين دول الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، وتأتي في الترتيب السابع عالميًا، يبلغ حجم اقتصادها 2.94 ترليون دولار أمريكي، وهي دولة يبلغ تعدادها السكاني 68 مليون نسمة، ينقسم اقتصادها إلى ثلاثة قطاعات رئيسة (القطاع الخدمي 78.8 %، القطاع الصناعي 19.5 %، والقطاع الزراعي 1.7%)، يبلغ حجم القوة العاملة بها 30.4 مليون نسمة، أما نسبة البطاقة فهي تبلغ 7.4%.

بالنظر إلى حجم المعاملات الخارجية بين فرنسا ودول العالم فتبلغ 1034 مليار دولار أمريكي (472 مليار صادرة، 562 مليار واردة) وهو ما يعني أن الميزان التجاري لفرنسا يعاني من عجز بحوالي 90 مليار دولار أمريكي. يتمثل أهم صادرات فرنسا في الأدوية المعبأة (27.9 مليار دولار)، والطائرات والمروحيات و/ أو المركبات الفضائية (25.2 مليار دولار)، والسيارات (18.9 مليار دولار) وقطع غيار المركبات (12.4 مليار دولار) والتوربينات الغازية (11.5 مليار دولار). وتذهب معظم صادرات فرنسا إلى ألمانيا (65.2 مليار دولار)، الولايات المتحدة الأمريكية (36.7 مليار دولار)، وإيطاليا (36 مليار دولار)، وبلجيكا (34.6 مليار دولار)، وإسبانيا (33.9 مليار دولار).

أما عن العلاقات التجارية بين مصر وفرنسا، فوفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفعت قيمة الصادرات المصرية لتسجل 1.1 مليار دولار خلال العام 2021 مقابل 541.8 مليون دولار خلال عام 2020 (ارتفاع بنسبة 103 %)، فيما ارتفعت واردات مصر من فرنسا بنسبة قدرها 1.5 % فقط (من 1.7 مليار دولار إلى 1.73 مليار دولار) ومن ثم فقد تقلص العجز في الميزان التجاري بين مصر وفرنسا من 1158.2 مليون دولار إلى 630 مليون دولار.

ومن ثم فبالنظر إلى حجم فرنسا المؤثر في الاتحاد الأوروبي وعالميًا، تحتفظ مصر بعلاقات جيدة معها، إذ استثمرت فرنسا حوالي 6 مليارات دولار بمصر خلال الفترة من 2005/2021، ولدى فرنسا مساهمات في رؤوس أموال 794 شركة مصرية، وتستثمر فرنسا في قطاعات متنوعة أبرزها البنية التحتية؛ إذ يعد مترو الأنفاق إحدى ثمار التعاون المصري الفرنسي في مجال البنية التحتية. ولدى فرنسا أيضًا استثمارات كبيرة بقطاعات النقل وإنشاء محطات خلايا الطاقة المتجددة في بنبان، وبمجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (شركة أورانج)، والتصنيع الغذائي، وتكنولوجيا المعلومات، والبنوك والتأمين والغاز، والبترول (شركة توتال) والتجزئة (كارفور).

وما زال التبادل التجاري والتعاون الاستثماري بين البلدين آخذًا في التنامي؛ إذ تم الاتفاق بين البلدين في يونيو من العام 2021 على مشروعات استثمارية بقيمة 1.6 مليار يورو تشمل توريدًا لقطارات وتجديدًا لمستودعات الخط الأول لمترو الأنفاق وتطوير خط سكك حديدية، وبلغت قيمة الاستثمارات الفرنسية في مصر 179.3 مليون دولار في الربع الأولى من العام 2021/2022 مقابل 64.2 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام 2020/2021 بنسبة ارتفاع قدرها 179.3 %.

آفاق استثمارية

لا يزال الوجود الفرنسي الاستثماري في مصر لا يعكس حجم الدولة الفرنسية أو القوة الصناعية الفرنسية؛ فبالنظر إلى المجالات التي تتميز بها فرنسا والتي تتمثل في تصنيع السيارات، وتصنيع قطع غيار المركبات، وصناعات مستحضرات التجميل، وصناعات الملابس فهي صناعات يمكن لفرنسا التوسع بها في مصر، خاصة وأن مصر هي سوق كبيرة من حيث عدد الأفراد، وتحظى المنتجات الفرنسية سواء كانت سيارات أو مستحضرات تجميل أو صناعات غذائية بطلب كبير من جانب المجتمع المصري داخليًا.

وهو ما يعني أن الشركات الفرنسية لديها سوق مضمونة من الطلب الداخلي في مصر، هذا فضلًا عن أن اتفاقيات مصر التجارية تضمن حضورًا لتلك المنتجات في الأسواق الأفريقية والسوق العربية، فهل يمكن أن نرى مدينة صناعة المنسوجات المصرية الجديدة مصنعًا خلفيًا للعلامات التجارية للملابس الفاخرة الفرنسية مثل “لوي فيتون”، أو “لاكوست”، أو “شانيل”. خاصة وأن الموقع الجغرافي لمصر كونه قريب من السوق الأوروبي وأسواق الدول العربية يتيح لمصر التصدير إلى تلك الأسواق بسهولة، خاصة وأن مبيعات تلك الملابس الفاخرة معظمها تأتي من الدول الخليجية والدول الأوروبية.

يمكن لمصر أيضًا أن تتميز في صناعة منتجات العناية بالبشرة والتجميل والتي يوجد لفرنسا خبرة كبيرة بها؛ إذ تمتلك فرنسا أشهر العلامات التجارية العالمية في تلك الصناعة مثل “لوريال”، و”ديور”، وهي سلع تعتمد على سوق الأفراد وهو ما تتميز به مصر من حيث الكثافة السكانية واتساع سوق الطلب، لكن ليس ذلك فقط، فمبيعات تلك الشركات توجد بكثافة في دول الخليج الغنية ودائمة الطلب على مثل تلك المنتجات.

ومن ثم فإن إنشاء منطقة صناعية مصرية متخصصة في مجال العناية بالبشرة لتكون منطقة حرة بالقرب من ميناء التصدير معفاة من الجمارك والضرائب لعدد من السنوات يتم النظر في تجديد إعفائها في حال تجاوز توفير تلك الشركات لمبالغ بالعملات الأجنبية للدولة، وأن يتم منح الأرض لتلك الشركات كحق انتفاع لمدة خمسين عامًا مقابل سداد قيم إيجارية بسيطة؛ هو حل جيد لجذب تلك الصناعات بالسوق المصرية، خاصة في حال أن تم استثناء تلك المناطق من بعض القيود التي تنص عليها القوانين المصرية في الجانب الاستثماري.

صناعة السيارات كذلك قد تكون أحد الخيارات المتاحة ضمن الفرص الاستثمارية، خاصة وأن فرنسا لديها خبرة كبيرة في تصنيع السيارات، وتصنع جزءًا من علاماتها التجارية بدول بالشرق الأوسط، وهو ما يعني أن شركات صناعة السيارات الفرنسية لديها الرغبة في إعادة نقل مصانعها إلى بقاع أخرى في العالم في حال أن تم منحها مزايا استثمارية تفوق تلك التي تحصل عليها في فرنسا.

خلاصة القول، إن العلاقات التاريخية بين مصر وفرنسا، مع الخطة الوطنية لدعم الصناعة بمصر وتعزيز شراكة القطاع الخاص بتطبيق وثيقة ملكية الدولة هي فرصة عظيمة يمكن تسويقها خارجيًا، خاصة مع دول أوروبية لديها تاريخ ناجح في النفاذ إلى السوق المصرية، ولديها قاعدة عملاء جيدة وقوية بالمنطقة يمكن البناء عليها لأحداث نقلة جوهرية بالصناعة المصرية بشكل سريع في حال تم التعامل بجدية مع هؤلاء المستثمرين وتلبية مطالبهم وضمان الحصول على مزايا نوعية تتيح لهم نقل صناعاتهم إلى مصر.

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى