“جدري القردة”.. النشأة وأسباب الانتشار وطرق الوقاية
مع بداية الأسبوع الماضي، عادت الفرق الطبية الوقائية والباحثون في المختبرات الطبية في أوروبا والولايات المتحدة لحالة التأهب التي كانت تعيشها خلال العامين الماضيين بسبب جائحة فيروس كورونا، فمنذ منتصف الشهر الحالي بدأ عدد من الإصابات بمرض فيروسي مشابه في أعراضه لمرض الجدري المعروف لكنه بالإضافة للأعراض المعروفة للجدري، ويتسبب المرض الجديد “فيروس جدري القردة” في تضخم الغدد الليمفاوية ووهن شديد في الجسم.
ومع زيادة عدد الحالات خلال الأسبوع المنصرم وتخطيها حاجز ال 150 حالة عالميًا، وهو ما اعتبرته منظمة الصحة العالمية أخطر تفشيًا فيروسيًا خارج القارة الإفريقية، اتجهت أنظار العالم لمعرفة الحقائق العلمية وسُبل الوقاية من المرض الجديد الذي أشار إليه الرئيس الأمريكي جو بايدن الأحد الماضي خلال جولته الآسيوية قائلًا للصحفيين “إن تفشي مرض جدري القرود هو أمر يجب أن يكون مصدر قلق للجميع” مضيفًا “أن مسؤولي الصحة الأمريكيين يبحثون مسألة اللقاحات والعلاجات المحتملة كما أن إدارته ” تبذل جهدًا كبيرًا لمعرفة ما سنفعله لمواجهة الفيروس الجديد”. وفي هذا التقرير نتعرف على المرض الفيروسي الجديد وأبرز سماته، أعراضه، سبل الوقاية منه، كما نتعرف على سبب انتشاره وظهوره الآن.
النشأة والأعراض
مرض جدري القردة هو مرض فيروسي نادر حيواني المنشأ (ينتقل من الحيوان إلى الإنسان) ينتمي لفصيلة الفيروسات الجدارية، تتشابه أعراضه مع مرض الجدري البشري ويظهر أساسًا في غرب ووسط إفريقيا بالقرب من الغابات الاستوائية الماطرة، أكتشف الفيروس بشكل علمي لأول مرة العام 1985 بالمعهد الحكومي للأمصال بكوبنهاجن بالدنمارك أثناء التحري عن مرض شبيه بالجدري لدى القردة وهو سبب تسميته بهذا الاسم إلا أنه يمكن أن تنقله حيوانات أخرى كالجرذان، والسناجب، والقوارض، أما أول إصابة اكتشفت بين البشر تعود للعام 1970 في جمهورية الكونجو الديمقراطية والتي تعتبر موطن الفيروس وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وحتى الآن تؤكد الأبحاث العلمية أن الفيروس له طوران، الأول، وهو طور فيروسات حوض نهر الكونغو، والثاني، طور فيروسات غرب إفريقيا علمًا بأن الطور الأول أشد نوعًا، كما تشير الحالات المصابة مؤخرًا أن طور غرب إفريقيا هو المتسبب في الإصابات المنتشرة حاليًا. وتتراوح فترة حضانة جدري القردة (الفترة ما بين الإصابة بالعدوى ومرحلة ظهور أعراضه) بين 6 إلى 16 يومًا كما يمكن أن تصل إلى 21 يومًا.
أما عن أعراضه فتفيد منظمة الصحة العالمية أنها يمكن تقسيمها لمرحلتين:
- فترة الغزو أو بداية الإصابة (من اليوم صفر حتى اليوم الخامس من الإصابة) وفيها تظهر على المصاب أعراض مثل الحمى وصداع مبرح وتضخم في العقد اللمفاوية والشعور بالألم في العضلات ووهن شديد نتيجة لفقدان الطاقة.
- فترة ظهور الطفح الجلدي (قد تبدأ من اليوم الثاني للإصابة عقب الإصابة بالحمى) ويبدأ فيها ظهور الطفح الجلدي على الوجه ثم ينتشر لأجزاء الجسم الأخرى ويكون الطفح الجلدي أشد ما يكون على الوجه وهو ما ظهر في 95% من الحالات وعلى راحتي اليدين والقدمين في 75% من الحالات
يتطور الطفح الجلدي بعد عشرة أيام من ظهوره إلى (بثرات جلدية مملوءة بسائل) ثم تتحول لجلبات على الجلد قد يلزمها ثلاثة أسابيع لتختفي تمامًا.
وفقًا للأبحاث الطبية فإن الأطفال وصغار السن هم الأكثر حساسية للإصابة بفيروس القردة، وقد يؤدي الفيروس لحالات إصابة غير سريرية (أي دون ظهور أعراض) لدى البالغين، لكنه يكون أشد من حيث الأعراض على الأطفال. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن معدل الوفاة بين الحالات المصابة الموثقة لا تتجاوز 10 % أي حالة وفاة واحدة بين كل 10 حالات إصابة.
طرق الانتقال والتشخيص الطبي
ينتقل الفيروس من الحيوانات إلى البشر عن طريق المخالطة أو التعرض لسوائل أجسام أو دماء الحيوانات أو آفاتها الجلدية أو سوائلها المخاطية أو ملامسة أشياء لوثت بسوائل الحيوانات المصابة، وقد يكون أكل لحوم الحيوانات المصابة غير المطهية بشكل جيد هو أحد أسباب انتقاله للبشر كما ينتقل بشكل رئيس عبر جزيئات الجهاز التنفسي، أما عن انتقاله بين البشر فيعتبر التواصل المباشر ومخالطة المصابين والاتصال الجنسي سببًا رئيسيًا لانتقاله، لكن يبقى انتشاره الثانوي محدودًا من إنسان إلى آخر.
وفقًا للطبيب المتخصص في الأمراض المعدية بكلية الطب بجامعة “إمبريال كوليدج لندن” دكتور مايكل سكينر، فإن التقرحات الطفح الجلدي الناتجة عن الإصابة بالفيروس عندما تلتئم وتتحول لقشرة يمكن أن تسقط هذه القشرة عن الجلد (والتي تحمل فيروسًا معديًا) على شكل غبار يمكن استنشاقه ويتسبب في انتقال العدوى.
أما عن تشخيص الحالات المصابة بفيروس جدري القردة، فيجب عمل تشخيصات تميزية للمصاب للتأكد من إصابته بهذا الفيروس تحديدًا لما بينه وبين أمراض أخرى تشابه في الأعراض كأمراض الجدري، الجدري المائي، الحصبة، التهابات الجلد البكتيرية، الجرب والزهري وأنواع الحساسيات الناجمة عن الأدوية.
ويعتبر تضخم الغدد اللمفاوية في المراحل الأولى للمرض من العوارض المميزة لجدري القردة عن مرض الجدري المعروف، ووفقًا للخبراء في مجال الطب الوقائي فإن تشخيص فيروس جدري القردة يجب أن يتم في المعامل والمختبرات الطبية كون عملية التشخيص تستلزم مقاييس واختبارات مخبرية، ويمكن تشخيصه من خلال قياس المناعة الإنزيمية للشخص المصاب، أو اختبار الكشف عن المستضدات بالجسم، أو عن طريق قياس تفاعل البولبمبراز المتسلسل لدى الشخص المصاب.
أسباب الانتشار وسُبل الوقاية
حتى الآن ظهرت أكثر من 150 حالة مؤكدة لإصابات بفيروس القردة وأكثر من 100 حالة غير مؤكدة. ويعتبر أسوأ تفشيًا لفيروس خارج القارة الإفريقية في أمريكا الشمالية وأوروبا، إلا أن منظمة الصحة العالمية لا ترى أن الفيروس يشكل خطورة حتى الآن ويمكن احتوائه ولا داعي لحملات التطعيم الجماعية بعد.
أما عن السبب خلف انتشاره الآن، فوفقًا لصحيفة ” ديلي ميل ” البريطانية فإن مهرجانًا ضخمًا للمثليين جنسيًا نُظم في جزر الكناري حضره 80 ألف شخص، يعتقد أنه كان السبب وراء انتشار “جدري القردة” حول العالم.
وقالت الصحيفة البريطانية إن السلطات الصحية في جزر الكناري تجري تحقيقًا بشأن تسبب مهرجان “ماسبالوماس برايد” المخصص للمثليين والعابرين جنسيًا في انتشار الفيروس في العالم، وكان المهرجان حضره الآلاف من بريطانيا وجميع أنحاء أوروبا، وأضافت الصحيفة في تقريرها أن “عدد من الحالات التي ثبتت إصابتها بفيروس جدري القرود في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، كانوا ممن حضروا المهرجان في جزر الكناري” ويعتقد أن الحالة صفر هي لشخص إسباني من حضور المهرجان. وأغلب الظن أنه وبعودة المشاركين في المهرجان إلى بلدانهم قاموا بنقل المرض ونشره بين الناس وهي الفرضية التي يجري التحقيق فيها حاليًا.
بينما توقعت السلطات الصحية الأمريكية والبريطانية بزيادة مطردة في عدد حالات الإصابة، بسبب حضور عدد من مواطني البلدين للمهرجان المنظم في جزر الكناري، ونتيجة للتجمعات الصيفية التي تكون بيئة خصبة لانتشار الأمراض بين فئة الشباب، وأفادت السلطات الصحية الإسبانية والبريطانية أن أغلب الإصابات حتى الآن هي بين رجال مثليين جنسيًا.
كانت منظمة الصحة العالمية أشارت في تقريرها لعدم وجود داعٍ للخوف أو البدء في حملات التطعيم الجماعي، إلا أن بريطانيا منحت تطعيمات مكافحة الجدري للعاملين في مجال الرعاية الصحية بينما لاتزال ألمانيا تدرس خيار تطعيم العاملين في المجال الصحي باللقاح المخصص لمكافحة الجدري “لقاح جينيوس”.
ويعتبر “لقاح جنيوس” المخصص للتطعيم ضد الجدري ناجع بنسبة 85% في مواجهة فيروس القردة، ويسهل من احتواء تفشٍ الفيروس وفقًا لأطباء الطب الوقائي، إلا أن هذا اللقاح تم وقف العمل به بعد القضاء على مرض الجدري من العالم، بالإضافة إلى وجود أعراض جانبية خطرة له، ووفقًا للمختصين فإن الفيروس لا ينتشر بسهولة بين البشر، بينما أكدت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها أنها لم تجد أي دليل علمي على تحور الفيروس بعد.
أما عن طرق الحماية والوقاية من الإصابة بالفيروس الجديد فقد أتفق المختصون على أن النظافة الشخصية وغسل اليدين جيدًا أحد أهم أساليب الوقاية من الإصابة بالإضافة لوجوب عزل المصابين وعدم مخالطتهم، فضلاً عن الابتعاد عن لمس ومخالطة الحيوانات بالأخص تلك الغير مطعمة أو ما يعرف بحيوانات الشارع.