الصحافة الدولية

إيطاليا.. انقلاب التحالفات لحلحلة الأزمة السياسية

أعداء الأمس القريب يتحالفون اليوم، لحلحلة الأزمة السياسية في إيطاليا، والخروج من حالة عدم اليقين السياسي، بالسعي نحو تشكيل ائتلاف حكومي جديد لسد الطريق أمام “ماتيو سالفيني” زعيم حزب “الرابطة اليميني المتطرف” (ليغا)، ووقف مطامعه في الوصول إلى الحكم. وفسح المجال مرة أخرى أمام رئيس الوزراء المنتهية ولايته “جوزيبي كونتي” ليكون على رأس حكومة جديدة، بعد أن تقدم باستقالته إثر خلافات أدت إلى تفكك الحكومة، وأدخلت ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو في أتون اضطراب سياسي.

مرحلة جديدة يقوض فيها “كونتي” إيطاليا مرة أخرى، بعد أن حصل على تفويض من الرئيس الإيطالي “سيرجيو ماتاريلا” بتشكيل ائتلاف حكومي جديد يغير مسار السياسة الإيطالية ويعيدها نحو الاتجاه الأوروبي، الذي ابتعدت عنه منذ تشكيل الحكومة السابقة. ومن المقرر أن يشكل الائتلاف الحكومي الجديد من جناحين، أحدهما الحزب الديمقراطي الإيطالي(يسار الوسط)، وحزب حركة خمس نجوم الشعبوي الذي كان شريكا في الائتلاف الحكومي السابق. وعقب انتهاء المشاورات مع الرئيس الإيطالي لتشكيل الحكومة، قال “لويجي دي مايو”، رئيس حركة خمس نجوم،: “قلنا للرئيس اليوم إن هناك اتفاقا مع الاشتراكيين الديمقراطيين حول إمكانية تكليف جوزيبي كونتي مجددا بتشكيل الحكومة”.

مسار حل الأزمة السياسية في إيطاليا

عقب تقدم الحكومة باستقالتها، بدأت مشاورات الخروج من الأزمة، وتوجهت القوى السياسية إلى القصر الرئاسي لتقديم اقتراحاتها للرئيس “سيرجيو ماتاريلا”. ووفق النظام البرلماني الإيطالي يملك الرئيس الآليات التي تمكنه حل الأزمات الحكومية الطارئة. وبعد ذلك استقبل الرئيس الإيطالي على مدى يومين رئيسي مجلس الشيوخ والبرلمان، ثم الكتل البرلمانية كافة. وانتهت المشاورات بتشكيل ائتلاف حكومي مكون من الحزب الديمقراطي وحركة الخمس نجوم.

وأوضحت سلسلة المشاورات التي دخل فيها الرئيس الإيطالي مع الأحزاب السياسية المختلفة، عزمه على عدم تكرار أخطاء الماضي. وقد اعتبر، في مشاوراته مع الأحزاب ورؤساء المؤسسات الدستورية، أن الدولة تحتاج للوضوح وأن الحكومة لابد أن يكون لها صمام أمان في شخص رئيسها. والعمل على تشكيل أغلبية سياسية وبرلمانية بين حزبين مختلفين لدعم نمو البلاد والعلاقة مع الإتحاد الأوروبي. وهو ما يعطي مساحة دعم إضافية لإيطاليا من قبل بروكسل مع قرب تقديم الميزانية الجديدة للموافقة. 

 وبموجب الاتفاق الذي قُدم إلى رئيس الجمهورية سيكون أمام الرئيس المكلف بضعة أيام للتفاوض مع طرفي الائتلاف حول توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، التي تنتظرها استحقاقات معقدة، مثل إعداد قانون الموازنة العامة، وتصويب العلاقات المتدهورة مع الاتحاد الأوروبي. وسلم جوزيه كونتي بعد تكليفه بتشكيل الحكومة رئيس الجمهورية الإيطالية لائحة تضم وزراء من حركة الخمس نجوم والحزب الديموقراطي الإيطالي الذي يضم مجموعة من التيارات اليسارية والوسطية. ومن المتوقع أن تكون الحكومة الجديدة أكثر ودا تجاه الاتحاد الأوروبي وتتخذ خطا أكثر اعتدالا بشأن الهجرة من الحكومة المنتهية ولايتها، والتي كان لسالفيني تأثيرا كبيرا عليها.

الرابحون والخاسرون من الأزمة الإيطالية

تطورات وتقلبات متلاحقة شهدتها الساحة الإيطالية خلال الأسبوعين الماضيين، ومسار سياسي يمضي أيديولوجيا، من النقيض إلى النقيض. ف”ماتيو سالفيني”، الذي كان سيد المشهد السياسي في إيطاليا، وقاب قوسين من النجومية المطلقة، أصبح الآن خارج اللعبة السياسية. أما “جوزيبي كونتي”، المحامي المغمور الذي وصل إلى رئاسة مجلس الوزراء منتصف العام الماضي من دون أي تجربة سياسية سابقة ، فقد أصبح أول رئيس لحكومة يمينية يصبح بسلاسة رئيس حكومة يسارية.

يدخل “كونتي” التاريخ كأول رئيس وزراء يقود حكومة قاعدتها اليمين المتطرف، قبل أن يتحول، في بضعة أسابيع فقط على رأس حكومة يسار، وهذا ما جعله محل إجماع في بلاده وخارجها أيضا. وحصل كونتي الذي يتمتع بشعبية كبيرة في إيطاليا، على دعم الأوروبيين خلال قمة مجموعة السبع في بياريتز بفرنسا، ثم على دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصفه بأنه “رجل موهوب جدا”، معربا عن أمله في أن يستمر بمهامه رئيسا لوزراء إيطاليا. وبهذا يعد كونتي أحد رؤساء الحكومات الذين تولوا المنصب أكثر من مرة، مثل “جيوليو آندريوتي” الذي رأس الحكومة سبع مرات، و”سيلفيو برلوسكوني” الذي رأسها أربع مرات. 

أما الخاسر الأكبر في هذه الأزمة هو زعيم حزب “الرابطة” ووزير الداخلية “ماتيو سالفيني”، الذي تقدم بطلب لحجب الثقة عن رئيس الوزراء، مطالباً بإجراء انتخابات مبكرة، للاستفادة من نجاح حزبه في الانتخابات الأوروبية. لكن الخطوة التي أقدم عليها، أتت بنتائج عكسية ليجد نفسه بلا حلفاء وفي الطريق نحو الخروج من الحكومة ليفسح المجال للحزب الديمقراطي اليساري لأخذ مكانه. كما أظهر إستطلاع للرأي نشرته صحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية في 28 أغسطس تراجعاً كبيراً في شعبية “سالفيني”، حيث تقلص مستوى ثقة المواطنين فيه كزعيم سياسي من 51% إلى 36% في الاسابيع الاخيرة. ووصفت الصحيفة ذلك بـ”ثمن” فضه للإئتلاف الحاكم مع حركة خمس نجوم. 

وهاجم”سالفيني”،  حركة الخمس نجوم والحزب الديمقراطي لأنهم حسب قوله يسعون إلى تنفيذ خطة لحرمانه من الوصول إلى السلطة. ودعا مؤيديه للتظاهر في 19 أكتوبر ضد عدم إجراء إنتخابات جديدة. مؤكدا أن الأزمة هي وليدة مؤامرة حيكت خيوطها في باريس وبرلين وبروكسل، لبيع مستقبل البلاد لسلطات غير إيطالية.

وأخيراً،توصف الحكومة الإيطالية الجديدة “كونتي2” بـ”معجزة السياسة الإيطالية”، نظرا للتباعد الشديد بين الحزبين. وينظر إليها البعض بأنها حكومة مرحلية قاعدتها العداء المشترك بين حركة الخمس نجوم والحزب الديمقراطي لزعيم حزب الرابطة “ماتيو سالفيني”، وخوفهما من انتخابات مبكرة قد يحقق فيها انتصارا ساحقا بعد أن حصل في الانتخابات الأوروبية أكثر من 32%من أصوات الناخبين الإيطاليين. وهناك اتجاه في إيطاليا يرفض الحكومة التي تسلق إليها الحزب الديمقراطي الذي سقط منذ عشر سنوات في جميع الحملات الانتخابية منها الإيطالية والأوروبية، ونسبت إليه كل ويلات إيطاليا من دين عام إلى احتلال المناصب والتبعية لأوروبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى