دوافع إقالة الدبلوماسي “عز الدين شكري فشير”
في الثاني والعشرين من أغسطس، كتب الدبلوماسي عز الدين شكري فشير على صفحات حساباته الخاصة على تويتر وفيس بوك من أن وزارة الخارجية المصرية رفضت تجديد أجازته الممتدة من ٢٠١٤ أو عودته لاستئناف عمله، وأنها خيرته بين الاستقالة أو الفصل، بسبب تجاوزه لكل الخطوط السياسية الحمراء.
وأضاف “فشير” بأنه رفض تقديم استقالته، وأنه أُبلغ بعدها بصدور قرار بفصله من وظيفته لتغيبه عن العمل. كما أضاف تبريراً لما صدر عنه من أن “هناك فرق بين كون الشخص ضد الدولة وكونه ضد الرئيس وسياساته، مشيرا إلى أن الدبلوماسي يمثل الدولة لا الرئيس، وأنه عندما يختلف مع سياسات رئيس بلده لدرجة تمنعه من أداء مهامه، فإنه يعتذر عن تولي المناصب الهامة أو يستقيل أو يخرج في اجازة ممتدة، لكن أن يفصل الرئيس معارضيه (بحجج مختلفة) فهذا لا علاقة له بحكم القانون.
- يتبين من هذين التعليقين ضرورة الوقوف على بعض النقاط القانونية الهامة بشأن الموقف القانوني والأعراف والتقاليد الدبلوماسية مع مثل هذه الحالات.
فمن حيث واجبات العمل الدبلوماسي، تشير الفقرة الثانية من المادة 58 من الفصل السابع الخاص بالواجبات في قانون رقم 45 لسنة 1982 بشأن تنظيم السلك الدبلوماسي والقنصلي، بأنه “يجب على أعضاء السلك الامتناع عن القيام بأي نشاط حزبي أو الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو الترشيح لعضوية المجالس النيابية أو المحلية إلا بعد تقديم استقالتهم، وتعتبر الاستقالة في هذه الحالة مقبولة بمجرد تقديمها، كما يجب على أعضاء السلك الالتزام بالواجبات التي تفرضها صفتهم التمثيلية ويقتضيها الحفاظ على سمعة البلاد”.
إذا عمل الدبلوماسي له قواعد مهنية متعارف عليها، كما أن حدوده مستنده إلى قواعد قانونية تحكم عمله، حيث يقوم الممثل الدبلوماسي بتنفيذ السياسة الخارجية لدولته، والمقصود بالدولة هو المعنى الشامل الجامع لمؤسساتها المنخرطة في اتخاذ قرار وضع السياسة الخارجية، كما أن تمثيل الدولة يعني بشكل مباشر الاعتراف وتمثيل حكومتها.
وعند التشبيه، فإن وظيفة الدبلوماسي كممثل للدولة هو بمثابة المحامي وليس السياسي، وهو وصف قاله لنا دبلوماسي سابق، بمعنى أن مهمة الدبلوماسي الرئيسيّة هى الدفاع عن آراء الدولة والالتزام بها، فالدبلوماسي هنا هو ممثل الدولة وبالتالي يعترف بحكومتها.
أضف إلى ذلك، من أن رغبة الدبلوماسي في ممارسة العمل السياسي أو الحزبي تتعارض مع الجوهر القانوني للوظيفة التمثيلية للدولة، وتتطلب في تلك الحالة تقديم الاستقالة وممارسة النشاط خارج الصفة التمثيلية التي يقوم بها، مع التأكيد أن الدبلوماسي السابق “عز الدين شكري فشير” قد مارس النشاط السياسي منذ يناير 2011. فعلى الرغم من عدم انضمامه لأي حزب أو حركة سياسية، لكنه مارس النشاط السياسي بالقول والكتابة، واتخذ مواقفاً سياسية معلنة معارضة لسياسات السلطة التنفيذية المنتخبة، والتي كان من واجبه كدبلوماسي وفقا للقواعد الدبلوماسية أن يقوم بتنفيذ تلك السياسات أو أن يستقيل.
ليس عرفا دبلوماسيا مصريا فقط:
تعد الاستقالة لعدم توافق الدبلوماسي مع سياسات السلطة المنتخبة أمر متعارف عليه في معظم المدارس الدبلوماسية العالمية، يمكن أن نراها بشكل كبير في الولايات المتحدة على سبيل المثال. فمع وصول ترامب للسلطة في يناير 2016، أحدث تغييرات كبيرة في الخارجية الأمريكية على مستوى السفراء والدبلوماسيين، كما كان هناك الكثير من الدبلوماسيين من تقدم باستقالته لعدم توافقه مع سياسات وتوجهات الإدارة الجديدة، وهناك من يطلب منهم الاستقالة. فلا يعقل أن يتواجد دبلوماسي معارض ومختلف مع سياسات سلطة تنفيذية منتخبة من الشعب، وهنا يكون للدبلوماسي خياران، إما الاستقالة أو الإقالة.
ووفقاً لدبلوماسي مصري عمل مسبقاً سفيراً في ألمانيا، أشار إلى أن دبلوماسييّ وزارة الخارجية الألمانية لا يجوز لهم التعبير عن آرائهم الحزبية، والامتناع عن الافصاح عن أي خلفية حزبية قديمه لهم قبيل دخولهم العمل الدبلوماسي أثناء أداء مهامهم التمثيلية للدولة.
الاعتراض داخل الإطار المؤسسي:
في حالة المعارضة أو
الرغبة في إبداء الملاحظات على بعض السياسات الموضوعة للسياسة الخارجية سواء في
المداخل التفسيرية أو آليات التنفيذ، يكون ذلك داخل إطار المؤسسة وليس خارجها. حيث
أن على الدبلوماسي عدم الافصاح بمعلومات أو إيضاحات عن المسائل التي ينبغي أن تظل
سرية بطبيعتها أو بمقتضى تعليمات خاصة، ويظل هذا الالتزام قائماً ولو بعد انتهاء
الخدمة بالسلك. فعاملي الأمانة والمرونة محفوظان لإبداء الرأي في الإطار المؤسسي،
سواء في قضايا تتعلق بالسياسات الداخلية للسلطة التنفيذية أو قضايا تتعلق
بالسياسات الخارجية.
وقد صرح مساعد سابق لوزير الخارجية رفض ذكر اسمه، من أن هناك جانب من المرونة في
إبداء الرأي داخل وزارة الخارجية المصرية، وذلك بالتقدم بكتابات وتقارير داخل
الإطار المؤسسي. مشيرا إلى أن عملية صنع قرار السياسة الخارجية المصرية تقوم
بالتنسيق والاجتماعات بين الأطراف والجهات المعنية في شكل منظومة، ولا تقوم
الوزارة بعمل سياسة أحادية الجانب منفصلة عن جهات مثل مؤسسة الرئاسة وزارة
الداخلية وممثلي ووزارة الدفاع والمخابرات العامة.
قرار الفصل ليس مفاجئا:
لم يأت إخطار الفصل من وزارة الخارجية للدبلوماسي السابق عز الدين شكري بغتة؛ فقد تغيب عن ممارسة العمل والقيام بمهمته منذ 2014 لطلبه إجازة منذ ذلك الحين، كما أنه تم إخطاره بالعودة واستئناف العمل، الأمر الذي رفضه ورفض الاستقاله في حال التوقف عن العمل لعدم إرادته العودة. وعليه، فإن عامل الاستشارة قبل الفصل قد تم استيفائه بمجمل القانون، وقرار الفصل جاء للامتناع عن العمل وتجاوز القواعد الدبلوماسية التي تمنع الدبلوماسي من ممارسة النشاط السياسي بأي شكل من الأشكال، وهو ما توافر في حالة عز الدين شكري فشير.