أضرار حتمية.. كيف تأثرت الاقتصادات الأوروبية جراء الأزمة الروسية- الأوكرانية؟
دعت وزيرة الداخلية الألمانية “نانسي فيزر” مواطنيها إلى تخزين احتياطيات كافية من الغذاء والدواء والإسعافات الأولية؛ تحسبًا لتداعيات الحرب في أوكرانيا، مما أرسل تحذيرات للعالم أجمعه بأن أكبر اقتصادات أوروبا ستعاني بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء الناتج عن أزمة كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية.
وتأتي الموجة التضخمية في السلع الأساسية والمواد الخام إلى جانب صدمة العرض الناجمة عن سياسة الصين المتشددة تجاه انتشار فيروس كورونا من جديد لتزيد من احتمالية حدوث “الركود التضخمي”، والذي يعني انكماشًا اقتصاديًا مع ارتفاع في المستوى العام للأسعار.
وكان من المتوقع أن يكون عام 2022 هو العام الذي يخرج فيه الاتحاد الأوروبي من الأزمات الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا ليدخل فصلًا جديدًا من الانتعاش الاقتصادي، ولكن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا لتحبط تلك التوقعات، وتزيد من حدة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا منذ عام 2020.
صورة قاتمة
تعاني القارة العجوز من أزمة نقص في إمدادات الغذاء والطاقة، مع اضطرابات في سلاسل التوريد وحركة التجارة الخارجية، لاسيما في ظل أهمية منطقة البحر الأسود –التي تشهد الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا- فيما يتعلق بتوفير الغذاء والطاقة؛ إذ تمثل روسيا وأوكرانيا مجتمعتان نحو 29% من صادرات القمح العالمية، وحوالي 19% و78% من صادرات الذرة وزيت عباد الشمس على الترتيب، فيما تستحوذ روسيا وحدها على حوالي 17% و12% من سوقي الغاز والنفط على التوالي، ونسبة 20% من سوق الأسمدة.
• موجة تضخمية: ارتفع معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو خلال مارس الماضي إلى 7.4% مقارنة بنحو 5.9% سجلتها المنطقة خلال فبراير السابق، فيما بلغ معدل التضخم في الاتحاد الأوروبي نحو 7.8% مقابل المستوى المسجل في فبراير عند 6.2%. وقفزت تكلفة الغذاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 6.7% على أساس شهري خلال نفس الشهر.
وتتوقع المفوضية الأوروبية أن يبلغ معدل التضخم ذروته بحلول نهاية عام 2022 في كافة الدول الأوروبية، ليبلغ في الاتحاد الأوروبي نحو 3.9%، ويتباطأ عقب ذلك بحلول عام 2023 إلى 1.9%، كما يُبين الشكل الآتي:
الشكل 1- معدل التضخم في الاتحاد الأوروبي خلال 3 سنوات
يتبين من الرسم السابق أن بولندا ستسجل أعلى معدل تضخم مقارنة بباقي الدول الأوروبية خلال عام 2022 عند 6.8% فيما ستشهد بلغاريا أعلى معدل تضخم بحلول عام 2023 عند 3.9%.
• انكماش اقتصادي: تكافح الشركات والمؤسسات الأوروبية حاليًا في ظل ارتفاع أسعار المواد الخام وإمدادات الطاقة، بما يهدد سير العملية الإنتاجية وينذر بإغلاق المصانع، ويزيد احتمالية حدوث انكماش اقتصادي. وفي هذا الشأن، تشير توقعات المفوضية الأوروبية إلى تباطؤ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي إلى حوالي 4% ونحو 2.8% بحلول عامي 2022 و2023 على التوالي، كما يتبين من الرسم الآتي:
الشكل 2- معدل النمو في الاتحاد الأوروبي خلال 3 سنوات
أزمة الطاقة: ارتفعت أسعار الطاقة في الاتحاد الأوروبي بنسبة 44.7% على أساس سنوي خلال مارس 2022 مقارنة بمعدل 4.3% المسجل في نفس الشهر من عام 2021؛ إذ تشهد أسواق الطاقة الأوروبية صدمة غير مسبوقة، وخلال الربع الأول وحده قفزت أسعار الغاز قصيرة الأجل في أكبر بورصة أوروبية بوتيرة أكبر خمسة أضعاف مقارنة مع متوسطها أثناء عام 2021.
وتؤثر تلك الارتفاعات على الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة؛ إذ تزيد تكلفة الإنتاج والتي ارتفعت بنحو 50% في بعض القطاعات. وتنبع ضغوط الأسعار التصاعدية من تراجع إمدادات الطاقة وزيادة الطلب العالمي بعد فتح الاقتصاد العالمي وانتشار عمليات التلقيح، بالتوازي مع إجراءات تسعير الكربون، فضلًا عن تبعات الصراع في أوكرانيا واعتماد أوروبا على روسيا في تأمين احتياجاتها من الغاز.
• أزمة الغذاء: تأتي جميع المؤشرات السابقة في ظل ارتفاع عالمي في أسعار السلع الغذائية؛ فقد بلغ مؤشر أسعار الغذاء العالمي أعلى مستوياته على الإطلاق منذ عام 1990 خلال مارس 2022، فسجل المؤشر نحو 159.3 نقطة مقارنة بنحو 141.1 نقطة سجلها في فبراير. وبناء عليه، يعاني المزارعون في جميع أنحاء أوروبا من ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج والأسمدة خصيصًا التي ارتفعت بشدة قبل الحرب الروسية- الأوكرانية بسبب ارتفاع أسعار الغاز، مما أدى إلى زيادة تكلفة الأسمدة النيتروجينية بحوالي خمسة أضعاف مقارنة بما كانت عليه في نفس الوقت من العام الماضي.
وفي الختام، يتبين من التحليل السابق أن القارة العجوز كانت تعاني بالفعل من عدة أزمات اقتصادية ناتجة عن اختناقات سلاسل التوريد العالمية واضطراب حركة التجارة العالمية وتراجع مستويات العرض مع ارتفاع الطلب، وهو ما أدى إلى ارتفاع التضخم وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي. وهكذا جاءت الحرب الروسية- الأوكرانية لتفاقم حدة المشكلات الاقتصادية التي كانت تعاني منها أوروبا، خاصة فيما يتعلق بمجال الطاقة؛ نظرًا لاعتمادها على روسيا في واردات الغاز الطبيعي بعدما بلغت حصة الأخيرة في إجمالي واردات الغاز الأوروبية (خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال معًا) نحو 43% حتى الربع الثالث من عام 2021، مما دفع الدول الأوروبية إلى اتخاذ قرارات والإعلان عن خطط لتقليل الانكشاف على الغاز الروسي في المستقبل.