شركات وأسواق

ماذا يحدث في سوق الذهب؟

عُدّ الذهب أساس الرأسمالية الاقتصادية لمئات السنين، وكان مؤشرًا لقوة وصحة الاقتصاد -حتى إلغاء معيار الذهب- وهو ما يرجع إلى الثقة في قيمته الثابتة ذات التغير المنخفض “low variation” ووجوده بكميات ثابتة. وعلى الرغم من أن الذهب ليس المعدن الوحيد الذي يعد مخزنًا للقيمة (مثل الفضة والبلاتينيوم والمعادن الأخرى)، إلا أن أهمية الذهب تكمن في دخوله في العديد من الصناعات، وقدرته على الاحتفاظ بشكله وقيمته عبر مرور الزمن مهما تغيرت العوامل المناخية. وبناء عليه فهو يستخدم لحفظ القيمة وليس لتحقيق أرباح على مدى زمني طويل. هذا بالإضافة إلى تسعيره بناء على العرض والطلب، وبذلك يثق الناس فيه. 

وبسبب الأوضاع الراهنة والحرب بين روسيا وأوكرانيا، تحاول الدول مرة أخرى الاحتفاظ بالذهب للحفاظ على قيمة عملتها كما تفعل روسيا على سبيل المثال وهو تغطية عملتها بالذهب.  ومن هنا كشف تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي أن البنك المركزي المصري كان من ضمن البنوك التي اشترت الذهب بكثافة هذا العام، حيث اشترى نحو 44.4 طنًا من الذهب خلال فبراير الماضي. يناقش هذا المقال أسباب هذا القرار ويوضح الوضع الحالي لسوق الذهب المصرية وأسباب ارتفاع أسعار الذهب.

أولًا: قرار البنك المركزي

وفقًا لتقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي لشهر مايو 2022، إن البنك المركزي المصري كان أكبر مشترٍ للذهب خلال الربع الأول من عام 2022. وبذلك يرتفع إجمالي احتياطي الذهب للبنك المركزي المصري بنحو 54% ليصل إلى 125 طنًا بنهاية فبراير، وهو بذلك يعادل 17% من إجمالي الاحتياطيات المصرية. 

وتنتج مصر حوالي 16 طنًا من الذهب سنويًا، ويكون معظمه من خلال منجم السكري في صحراء النوبة وهو المنجم الأكبر والأشهر. ويتم تصديره للخارج لعمل عملية التنقية له ثم نقوم باستيراد الذهب مرة أخرى. إضافة إلى ذلك، تحتضن مصر حوالي 270 موقعًا للذهب. 

ومن ناحية، فإن اللجوء إلى زيادة الاحتياطي المصري من الذهب قد يكون قرارًا مناسبًا في ظل الأزمات الحالية وعدم ثبات أسعار صرف العملات. وبالتالي يعد الذهب ملاذًا آمنًا في ظل عدم اليقين المستمر لسنوات، والمتفاقم في الفترة الحالية في ظل التوترات الجيوسياسية والتي تشمل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأيضًا العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، وغيرها من الأزمات مثل الجائحة والاضطرابات في سلاسل التوريد. وبالتالي فإن قرار البنك المركزي المصري لتحويل 10% من المحفظة إلى ذهب في إطار تنويع المحفظة قد يكون قرارًا يسهم في الحد من عدم اليقين والمخاطر. 

ومن ناحية أخرى، يرى البعض أن تلك الخطوة قد تكون في الوقت غير المناسب، ويرجع ذلك إلى وصول أسعار الذهب إلى مستويات قياسية. وبذلك، فإن احتمالية انخفاض سعر الذهب العالمي عن سعر الشراء أمر محتمل. هذا بالإضافة إلى أن الذهب وسعر الفائدة الأمريكية تربطهما علاقة عكسية؛ إذ تكون الفائدة هي التكلفة البديلة للذهب (أي مع ارتفاع سعر الفائدة؛ يصبح الدولار أقوى وأكثر جاذبية كاستثمار، وبالتالي يقوم الأفراد ببيع الذهب وشراء دولار) حيث ينظر الأفراد والمستثمرون للذهب والدولار على أنهما سلع بديلة كمخزن للقيمة.

وبالتالي فإن رفع سعر الفائدة الأمريكية يزيد من التوقعات لخفض سعر الذهب عالميًا. ولكن تشير التوقعات إلى أن سعر الذهب قد يصل إلى 3000 دولار للأونصة (في حين أن أعلى سعر له خلال العام كان 2048.55 دولار للأونصة في 8 مارس 2022).

ثانيًا: العلاقة بين سعر الذهب العالمي والمصري

يتم تحديد سعر الذهب المصري بناء على سعر الذهب العالمي، حيث تشير البورصة العالمية-والتي يأخذ الذهب فيها رمز “XAU” إلى سعر أونصة الذهب وهي للسبائك- أي عيار/قيراط 24 وهو العيار الأكثر نقاءً (الذهب الصافي) ويأتي في شكل سبائك فقط، حيث لا يمكن تغيير شكله ليتم عمل “إكسسوارات” منه وبالتالي يتم إضافة النحاس، على سبيل المثال، لتشكيل الذهب لتزيد من صلابته- ويكون مقوم بالدولار. 

وبالتالي فإن أسعار الذهب عيار/قيراط 21 أو 18 يتم تحديدها محليًا، والتي من المفترض أن تكون أيضًا بناء على أسعار الذهب والمعادن الأخرى، بالإضافة إلى تكاليف النقل والعمولة والظروف المحلية. وبالتالي فإن سعر الذهب محليًا عادة ما يكون أعلى من السعر العالمي. 

وبذلك، فإن أونصة الذهب- والتي يتم احتسابها بناء على أونصة تروي- تعادل 31.103 جرام. وبالتالي، يتم احتساب سعر الذهب محليًا -سعر الذهب الصافي دون إضافة تكاليف النقل والعمولة والظروف المحلية- قيراط 24 عن طريق قسم سعر أونصة الذهب على 31.103 لتحديد سعر جرام الذهب ومن ثم تحويل السعر من دولار إلى جنيه مصري.

C:\Users\Lenovo\Pictures\Screenshots\Screenshot (17).png

شكل (1): سعر الذهب في البورصة العالمية بالدولار “XAUUSD” – المصدر: تريدينج فيو (9 مايو 2022 2:04 مساءً).

بناءً على بيانات تريدينج فيو “Trading View” في 9 مايو 2022 (في 2:04 مساءً)، ارتفع سعر الذهب بداية من فبراير وخاصة فور بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير ليصل إلى معدل قياسي خلال العام ليصل إلى 2048.55 دولار للأونصة في 8 مارس 2022. ولكن، أخذ بعد ذلك اتجاهًا معاكسًا لينخفض حتى وصل 1860.71 دولار للأونصة، وهو ما قد يرجع بالفعل لرفع البنك الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة. 

ولكن، على الرغم من أن السعر العالمي للذهب انخفض، إلا أن السعر المحلي ارتفع. ويرجع هذا الارتفاع إلى سببين: الأول هو انخفاض قيمة الجنيه أما الدولار. أما الثاني يرجع إلى تلاعب التجار واستغلال الموقف ولجوء الأفراد والأسر للذهب للحفاظ على قيمة أموالهم لتحقيق مكاسب. وبالتالي، فإن اتجاه السعر الذهب المحلي اختلف عن الاتجاه العالمي، حتى بلغت الأسعار المحلية أرقامًا مبالغًا فيها لا تعكس القيمة الحقيقية العالمية للذهب.

على سبيل المثال، في حين أن سعر جرام الذهب عيار 24 محليًا بلغ حوالي 1343 جنيهًا في 9 مايو 2022، وعلى اعتبار أن الدولار يساوي 18.48 في المتوسط، فإن جرام الذهب عيار 24 محليًا بلغ حوالي 72.67 دولار. وبالتالي فإن سبيكة الذهب عيار 24 (وهي ما يعادل 31.103 جرام) تكلف 2،260 دولار أي أعلى من السعر العالمي لأونصة الذهب (البالغ 1860.71 دولار) بنحو 21.49%.

ثالثًا: ماذا نفعل كمواطنين؟

ارتفاع سعر الذهب -كما ذُكِر سابقًا- يرجع إلى سببين: الأول هو انخفاض قيمة الجنيه، وبالتالي هناك علاقة طردية بين الدولار والذهب. أما السبب الثاني فهو استغلال التجار للموقف وانخفاض قيمة العملة وخوف الأفراد والأسر من خسارة قيمة أموالهم واللجوء إلى شراء الذهب وبالتالي زيادة الطلب- كما هو الحال عالميًأ. 

ولذلك، التسعير الحالي للذهب محليًا هو أعلى من قيمته العادلة، وبالتالي شراء الذهب في الوقت الحالي هو قرار استثماري في الوقت الخاطئ لأن الاحتماليات تشير إلى انخفاض سعره في المستقبل عالميًا مع رفع البنك الفيدرالي سعر الفائدة، وأيضًا لأن الأسعار الحالية لا تعكس قيمة الذهب العادلة، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض سعر الذهب بشكل أكبر في مصر عن العالم.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى