
انعكاسات إيجابية.. تعميق دور القطاع الخاص في الاقتصاد المصري
أصدر الرئيس “عبد الفتاح السيسي” حزمة تكليفات للحكومة لتشجيع القطاع الخاص وزيادة مشاركته في النشاط الاقتصادي، فقد كلف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركته في الأصول المملوكة للدولة بمستهدفات تصل إلى 10 مليارات دولار سنويًا وعلى مدار 4 سنوات.
ويُعد القطاع الخاص أحد الأعمدة الرئيسة في تنمية القطاع الصناعي والنمو الاقتصادي بشكل عام؛ إذ يلعب دورًا في عملية توطين الصناعة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، ويقوم بدور رئيس جنبًا إلى جنب مع الحكومة المصرية في جهود التنمية الصناعية. وانطلاقًا من هذا، تستهدف استراتيجية “مصر 2030” خلق اقتصاد تنافسي متنوع يقوده القطاع الخاص ويتميز بمناخ مستقر ويحقق نموًا احتوائيًا ومستدامًا.
وفي هذا الشأن، يستهدف المقال تقديم تحليل موجز حول دور القطاع الخاص في تعزيز نمو الاقتصاد المصري، مع استعراض أبرز جهود الدولة المتعلقة بتعميق دوره وإشراكه في النشاط الاقتصادي والعملية الإنتاجية.
ملامح القطاع الخاص المصري ودوره في تعزيز الاقتصاد
يتبوأ القطاع الخاص مكانة مهمة في الاقتصاد المصري؛ إذ يسهم بحوالي 72% في الناتج المحلي الإجمالي، وفي بعض الأحيان تسجل تلك النسبة أكثر من 90% في بعض الأنشطة مثل الزراعة والصناعة التحويلية والتشييد والبناء والتجارة الداخلية والسياحة والمعلومات والأنشطة العقارية والخدمات الاجتماعية.
وهو يستوعب حوالي 78.4% من العمالة. ويتركز القطاع الخاص في القاهرة والجيزة والإسكندرية حيث يقع نحو 30% من شركات القطاع الخاص في المحافظات الثلاث التي تستوعب ما يقرب من 40% من وظائف القطاع الخاص.
ورغم أهمية القطاع، إلا أن حجم الاستثمارات الخاصة فيه لا تصل للمعدلات المطلوبة، مما يتطلب تحفيز الاستثمارات الخاصة وتوجيهها لقطاع الصناعة، حيث انخفضت نسبة الاستثمار الخاص من حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2009/2010 إلى حوالي 3.3% خلال 2020/2021، وذلك في ظل إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار الذي بلغ نحو 200.3 مليار جنيه خلال 2020/2021 مقارنة مع حوالي 305.08 مليار جنيه في 2019/2020، بنسبة انخفاض تقدر بنحو 34.3% على أساس سنوي.
وتتركز استثمارات القطاع الخاص في الأنشطة الواعدة سريعة النمو والقادرة على التكيف مثل العقارات، وبصفة خاصة الإسكان الفاخر في المجمعات السكنية، والصناعة التحويلية، واستخراجات الغاز الطبيعي، والاتصالات، والزراعة.
وشهد القطاع الخاص تحديات عديدة على مدار العامين الماضيين؛ بدءًا من أزمة كورونا وتداعياتها حيث أدت الأزمة إلى توقف حركة التجارة العالمية واضطراب سلاسل الإمدادات مما خلق صعوبات أمام الشركات والمصانع في تأمين احتياجاتها من المواد الخام المستوردة من الخارج، ونتج عن الإجراءات الاحترازية الهادفة لاحتواء انتشار الوباء كإغلاق المصانع بشكل جزئي أو حظر التجوال تراجع الطلب محليًا ودوليًا وتوقف عجلة الإنتاج وتراجع النشاط الاقتصادي لبعض المنشآت، مما صب أخيرًا في تسريح العمالة وارتفاع معدلات البطالة التي سجلت 9.6% خلال الربع الثاني من عام 2020.
ومع عودة الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى بحلول عام 2021، وانحسار موجات انتشار وباء كورونا وانتشار عمليات التلقيح على نطاق واسع، عاد الطلب إلى مستوياته المسجلة قبل الجائحة، مع عدم قدرة العرض على الارتفاع بنفس الوتيرة، وهو ما نتج عنه ارتفاع شديد في أسعار المواد الخام ولهذا ارتفع مؤشر أسعار المنتجين -الذي يقيس تحركات الأسعار من وجهة نظر البائع اعتمادًا على قياس تغيرات تكاليف مدخلات الإنتاج للمصنعين- إلى 238.1 نقطة بحلول نوفمبر 2021 مقارنة مع 201.4 نقطة في يناير من نفس العام. وفي نفس الوقت ارتفعت أسعار الطاقة.
ولهذا، شهد العام الماضي ما يُعرف بـ”الدورة الفائقة”، والتي أثرت بدورها على وضع القطاع الخاص. ولم يتوقف الوضع عند أزمة كورونا فقط حيث تفاقمت الأزمات مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا والتي ترتب عليها غزو الأولى للثانية مما صب مزيدًا من الوقود على الموجة التضخمية التي شهدها العالم أجمع.
وفي هذا السياق، سجل نشاط القطاع الخاص غير النفطي بمصر مارس الماضي انكماشًا بأسرع وتيرة له منذ الأشهر الأولى لجائحة كورونا، حيث انخفض مؤشر مديري المشتريات في مصر -الذي تصدره “ستاندرد أند بورز جلوبال” إلى 46.5 نقطة مقارنة مع حوالي 48.1 نقطة خلال فبراير ليظل دون مستوى الخمسين الفاصل بين النمو والانكماش للشهر السادس عشر على التوالي.
وبناء على ذلك، من المقرر أن يسهم قرار الحكومة باتخاذ المزيد من الخطوات لإشراك القطاع الخاص في العملية الإنتاجية في توليد عدد من الانعكاسات الإيجابية؛ فمن الناحية الجزئية، سيساعد القرار شركات القطاع الخاص على تجاوز التداعيات السلبية للأزمات العالمية، أما عن النظرة الكلية، فإنه سيساند الدولة في تحقيق مستهدف خفض عجز الموازنة وخلق فرص عمل جديدة، مما يؤدي إلى تراجع معدلات البطالة والفقر، فضلًا عن تنويع المشروعات في مختلف المجالات واستغلال رأس المال البشري والمادي فيها، بالإضافة إلى تحسن وضع الاستثمار الخاص وأسواق المال.
وعلاوة على ذلك، ستؤدي تلك الخطوات إلى تخفيف أثر المزاحمة في الاقتصاد المصري والذي يعني استحواذ الدولة على جزء كبير من الاستثمارات المتاحة ويقلص فرص القطاع الخاص في ضح استثماراته. وستسهم كذلك في سد عجز موارد التمويل لدى الدولة، ويخفف الضغط على الدين العام، خاصة في ظل وجود مديونيات على بعض شركات قطاع الأعمال العام لصالح مصلحة الضرائب تبلغ قيمتها نحو 10 مليارات جنيه.
جهود واسعة النطاق
لا يعد تكليف الرئيس “السيسي” بإطلاق برنامج لدعم مشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة الأول من نوعه، حيث سبقه العديد من الخطوات الهادفة لتحقيق نفس الهدف؛ نظرًا لأهمية القطاع الخاص في دفع عجلة النمو، ولذا فهي تُعد خطوة تستكمل الجهود السابقة، والتي كان من أبرزها ما يلي:
• إصدار حزمة من القوانين والتشريعات والتي تهدف إلى تبسيط إجراءات إقامة المشروعات، وتشجيع القطاع الخاص والاستثمار المحلي والأجنبي؛ منها قانون الاستثمار الجديد، وقانون التراخيص الصناعية، وقانون حماية المنافسة، وقانون التمويل متناهي الصغر، وقانون الإفلاس والخروج من السوق، وقانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة.
• فتح أسواق ومجالات جديدة للقطاع الخاص، يأتي على رأسها قطاع الغاز الطبيعي حيث سمح قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز رقم 196 لسنة 2017 بمشاركة القطاع الخاص للمرة الأولى في أنشطة التداول والتوزيع.
• إطلاق استراتيجية “مصر 2030” التي تستهدف تعزيز دور القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز الثقة من خلال انتهاج السياسات الاقتصادية القائمة على آليات السوق وتمكين القطاع الخاص وتعزيز المنافسة الحرة وإجراء الإصلاحات اللازمة للأسواق وعوامل الإنتاج والسلع.
• تشكيل لجنة خاصة للطروحات الحكومية في البورصة برئاسة وزير المالية “محمد معيط” في إطار برنامج طرح الشركات الحكومية في البورصة. وفي هذا الشأن، صرح “معيط” بأن الحكومة تستهدف طرح حصص 10 شركات حكومية في البورصة خلال عام 2022 في قطاعات متنوعة، ما بين طرح عام أولي وطرح ثانوي.
• استمرار الحوار وعقد الاجتماعات المشتركة بين وزارة التعاون الدولي وقيادات مؤسسة التمويل الدولية والوكالات الدولية من أجل دعم جهود الحكومة لتوسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص في التنمية.
في الختام، يتبين مما سبق أن إشراك القطاع الخاص –الذي ينظر إليه كشريك أساسي للتنمية- في العملية الإنتاجية يُعد أمرًا حيويًا ولابد منه في اللحظة الراهنة من أجل تخفيف حدة الضغوط التي تشهدها الدولة خلال الفترة الأخيرة، لا سيما مع تصاعد التحديات العالمية على صعيد تداعيات كورونا وعلى صعيد الحرب الروسية- الأوكرانية.
باحثة ببرنامج السياسات العامة