الحوار الوطنيمصر

مجال عام يتسع للجميع: خطوات فعالة للدولة المصرية

“الوطن يتسع لنا جميعًا، والاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية”، هكذا جاءت كلمات الرئيس السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية منذ أيام ليؤكد أن المجال العام مفتوح أمام الجميع، وأن الحوار السياسي الشامل حول مختلف القضايا والاهتمامات العامة بمشاركة جميع فئات المجتمع هو السبيل لصنع القرار الصحيح الذي يحقق المصلحة العامة في ظل ما يشهده العالم من أزمات متتابعة.

والمتمعن في خطوات الدولة المصرية لإفساح المجال العام أمام جميع الفئات للمشاركة بفاعلية يجد أنها اتخذت خطوات حقيقية في هذا الشأن منذ ما يزيد على خمس سنوات، أدت في النهاية إلى جلوس قوى المعارضة على مائدة إفطار الرئيس، وعرض رؤاهم حول الحوار الوطني الشامل الذي تبدأ فعالياته خلال أيام.

لجنة العفو الرئاسي.. نتيجة فعالة لمؤتمر الشباب

مثّلت مؤتمرات الشباب الوطنية منذ أواخر 2016 قناة اتصال مباشرة بين فئات المجتمع المختلفة ومؤسسات الدولة والقيادة السياسية، وأفرزت العديد من التوصيات الفعالة على مختلف الأصعدة، وكان من بين تلك التوصيات “تشكيل لجنة للعفو الرئاسي” لفحص ومراجعة موقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا التظاهر والنشر والرأي في أكتوبر 2016، وتمثل أبرز شروط العفو الرئاسي في عدم انتماء الشخص إلى تنظيم إرهابي، وعدم ارتكاب جريمة تجاه الدولة. 

وبعد شهر واحد، بدأ هؤلاء الشباب في جني ثمار تلك المبادرة، حيث صدر قرار جمهوري بالعفو عن 82 من الشباب المحبوسين الصادر في حقهم أحكام نهائية في قضايا تظاهر وحرية رأي. وبعد ذلك بحوالي أربعة أشهر، صدر قرار جمهوري آخر بالإفراج عن 203 من السجناء الصادر بحقهم أحكام نهائية في قضايا تجمهر وتظاهر، ثم قائمة ثالثة في يونيو 2017 ضمّت 502 من المحكوم عليهم، وتبعتها ست قوائم أخرى في الفترة بين أكتوبر 2017 ومايو 2019 ليبلغ العدد الإجمالي للمستفيدين من قرارات العفو الرئاسي 8661 شخصًا.

ونظرًا للتأثير الإيجابي لعمل لجنة العفو الرئاسي، فقد أعاد الرئيس السيسي تشكيلها من جديد؛ من أجل التوسع في فحص موقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا تظاهر أو تجمهر أو رأي؛ وبعد ذلك مباشرةً، أعلنت وزارة الداخلية إخلاء سبيل أكثر من 3 آلاف شخص تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية، معبرةً بذلك عن استمرار الرغبة الحقيقية لدى الدولة المصرية ومؤسساتها في إفساح المجال العام أمام الجميع، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين لسياسات النظام الحاكم.

قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية.. دمج الجميع في جهود التنمية

عندما تم إقرار القانون رقم (70) لسنة 2017، وجدت منظمات دولية ومحلية الفرصة سانحة لشن هجوم لاذع على الدولة المصرية وأصدرت بيانًا تحت عنوان “قانون جديد سيسحق المجتمع المدني” تنبأت فيه بإمكانية أن تغلق الكثير من المنظمات رغم زيادة الحاجة لخدماتها، وأدان البيان بشدة القانون الجديد، حيث رأت هذه المنظمات أن القانون ينص على مستويات غير مسبوقة من القمع ويجرم نشاط العديد من منظمات المجتمع المدني، ويحرمها من العمل بشكل مستقل.

ويبدو أن هذا القانون تضمن مخالفات دستورية، وكان من الممكن أن يؤثر سلبًا على المبادرات التنموية وتقليص دور منظمات المجتمع المدني حال استمرار العمل به، الأمر الذي أدى إلى موافقة الرئيس السيسي على تعديل هذا القانون بعد عام من إقراره.

وبناءً على مخرجات الحوار المجتمعي الذي دعا إليه الرئيس السيسي في نوفمبر 2018، صدر القانون رقم (149) لسنة 2019 الذي أعدته وزارة التضامن الاجتماعي ووافق عليه مجلس النواب في جلسته العامة في 15 يوليو 2019. اشتمل القانون على تسع مواد للإصدار، وقانون مرافق تضمن عشرة أبواب منفصلة احتوت على ثمانٍ وتسعين مادة؛ ولعل أبرز التعديلات التي اشتمل عليها ذلك القانون أنه أعاد اختصاص إنشاء المنظّمات الأجنبية إلى وزارة الخارجية المصرية، وسمح بإنشاء منظمات دولية في مصر وفروع للجمعيات الأهلية المصرية في الخارج طبقًا للإجراءات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية، وألغى العقوبات السالبة للحرية، واكتفى بالغرامات المالية المتدرجة فقط كعقوبة أصيلة، وخفف من الأعباء الإدارية المتعلقة بانتخاب مجالس الإدارات، ومواصفات المقار، وإجراءات فتح الحسابات البنكية وتنظيم جمع التبرعات المالية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدد الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني المسجلة في وزارة التضامن الاجتماعي تجاوز 52 ألف جمعية بنهاية 2021، ما يشير إلى أن قانون تنظيم العمل الأهلي حافظ على دور الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ولم يقف عائقًا أمام إسهاماتها في عملية التنمية التي تسعى الدولة المصرية إلى تحقيقها، وساعدها على جذب مزيد من المتطوعين الشباب الذين بلغ عددهم وفق تقديرات الأمم المتحدة بنهاية 2020 أكثر من 1.5 مليون متطوع؛ ومن المتوقع أن يكون هذا العدد قد ارتفع نتيجة مشاركة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في تنفيذ المشروع القومي لتنمية الريف المصري “حياة كريمة”، والمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية تحت مظلة وزارة التضامن الاجتماعي. 

الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وإلغاء حالة الطوارئ

C:\Users\M.Salma\AppData\Local\Microsoft\Windows\INetCache\Content.Word\download.jpeg

على الرغم من إطلاق الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021 وإلغاء مد حالة الطوارئ في أكتوبر من نفس العام، إلا أن بعض المعارضين المقيمين خارج مصر مازالوا يشككون في صدق نوايا الدولة المصرية تجاه فتح المجال أمام جميع القوى السياسية وفئات المجتمع المختلفة لممارسة حقوقهم المدنية والسياسية بحرية تامة ودون قيود؛ ولم تقتصر الاستراتيجية على الحقوق المدنية والسياسية فقط، ولكنها مثّلت انعكاسًا للمقاربة المصرية الشاملة لحقوق الإنسان التي تضمنت الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وحقوق النساء والأطفال، ولم تغفل التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.

وتأكيدًا على جدية الدولة المصرية في تحقيق أهداف تلك الاستراتيجية، فقد حددتها بإطار زمني يمتد لخمس سنوات تلتزم فيه الحكومة بمواصلة دمج أهداف ومبادئ حقوق الإنسان في السياسات العامة للدولة، وضمان التوزيع العادل لثمار التنمية وحق كل شخص في التمتع بمستوى معيشي ملائم له ولأسرته. 

ولم يعتمد إطلاق الاستراتيجية على المؤسسات الحكومية فقط، حيث أعلن الرئيس السيسي خلال حفل إطلاق الاستراتيجية أن عام 2022 هو عام المجتمع المدني إيمانًا بأهمية الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة في كافة المجالات، ونشر الوعي بثقافة حقوق الإنسان.

جدير بالذكر أن مصر لم تكن تمتلك استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان قبل سبتمبر 2021، بجانب أن حالة الطوارئ استمرت منذ أبريل 2017 حتى أكتوبر 2021، الأمر الذي يوضح الوضع الحالي لحقوق الإنسان على أجندة القيادة السياسية، والاهتمام بإحداث نقلة نوعية في هذا الملف الذي لطالما استغلته الصحف والمنظمات الدولية كورقة ضغط على الدولة المصرية؛ فإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الاستراتيجية الوطنية ما هما إلا خطوتان ضمن خطوات عديدة أقدمت الدولة المصرية على اتخاذها لإفساح المجال أمام الجميع للمشاركة بحرية وفاعلية، في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030.

في الأخير، لا يمكن النظر إلى الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه الرئيس السيسي مؤخرًا على أنه الخطوة الأولى التي تتخذها الدولة المصرية نحو مجال عام مفتوح وشامل، ولكن هناك خطوات سابقة منها ما حقق جزءًا من أهداف وطموحات المواطنين، ومنها ما هو قيد التنفيذ من أجل استكمال الصورة المرجوة. ورغم الجهود السابقة، يبقى الحوار الوطني الشامل المنتظر خطوة مميزة سوف يترتب عليها اتخاذ إجراءات تنفيذية من شأنها أن تضمن إفساح المجال بشكل أكبر أمام الجميع للمشاركة، حيث من المتوقع أن تتضمن جلسات الحوار طرح بدائل واقعية للتعاطي مع الأوضاع الاقتصادية، واقتراح آليات رفع القيود عن الحريات السياسية، ورفع الحجب عن المواقع الصحفية، وتعديل قوانين الحبس الاحتياطي، بما يضمن تضافر جهود الأفراد والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق التنمية في ظل التوافق المنتظر بين القوى السياسية المختلفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى