مكافحة الإرهاب

ثنائية الفقر والإرهاب: أبعاد حضور العامل الاقتصادي في النشاط الإرهابي

أشار تقرير حديث صادر عن “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة في الشمال السوري مثلت دافعًا للكثير من الشباب السوريين للانضمام إلى بعض التيارات الإرهابية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقًا، وهو مؤشر خطير في ضوء تفاقم الأزمات الاقتصادية في سوريا بشكل عام، ما قد يدفع العديد من الفئات للانخراط في العمل الإرهابي، لما تمتلكه تيارات الإرهاب والعنف من اقتصاديات ضخمة، ما يمثل مدخلًا مهمًا لاستقطاب عناصر جديدة من قبل هذه التيارات.

استغلال الفقر لاستقطاب عناصر جديدة

أشار تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن الظروف المعيشية القاسية في الشمال السوري دفعت الكثير من الشباب السوريين إلى الانخراط في تشكيلات عسكرية مقاتلة و”تنظيمات إرهابية” بهدف الاستفادة من المرتبات والحوافز الشهرية التي تتيحها هذه التنظيمات. ونوه التقرير إلى أن “هيئة تحرير الشام”، التي تعد أبرز الجماعات الإرهابية في الشمال السوري، بدأت مؤخرًا في استقطاب عناصر جديدة توظيفًا لظروفهم الاقتصادية والمعيشية.

لفت التقرير كذلك إلى أن الكثافة السكانية وانعدام فرص العمل وغلاء تكاليف المعيشة وعدم وجود مشاريع ومبادرات تستهدف استثمار طاقات الشباب وتشغيلهم، أدت إلى رضوخ العديد من هذه الفئات للواقع والانضمام إلى صفوف الجماعات والتنظيمات الجهادية، رغم أنهم لا يعتنقون أي أفكار جهادية متشددة.

ويمثل هذا المؤشر وما يحمله من دلالات وتداعيات محتملة على مستوى نشاط الحركة، أو النشاط الإرهابي بشكل عام في سوريا، جرس إنذار خطير؛ وذلك في ضوء تنامي مظاهر الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سوريا، وسعي تنظيمات العنف والإرهاب إلى إعادة إحياء نفسها في مناطق النفوذ التقليدية مثل: سوريا والعراق، وتوظيف كافة المداخل من أجل خدمة هذا المسعى، بما في ذلك المدخل الاقتصادي، خصوصًا في ظل ما تتمتع به هذه التنظيمات من اقتصادات ضخمة ومتجددة.

محورية العامل الاقتصادي في النشاط الإرهابي

يحظى العامل الاقتصادي بأهمية نوعية لدى تيارات العنف والإرهاب، بل ليس من قبيل المبالغة القول إن العامل الاقتصادي يعد أحد المحددات الرئيسة لمدى قدرة هذه التنظيمات على ممارسة الأنشطة الإرهابية، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي: 

1 – تمتلك تيارات العنف والإرهاب اقتصادات ضخمة تساعدها على ممارسة أنشطتها، خصوصًا العمليات ذات التكلفة المرتفعة، ولذلك تحرص كافة هذه التيارات على تأمين مصادر تمويل تكون ذات طابع متجدد، مثل الاحتفاظ باحتياطات من النقد والذهب، والاستثمارات التي تكون موجودة تحت واجهات مختلفة في العديد من البلدان خصوصًا التي يُشار إلى ارتباطها بعلاقات مع هذه التيارات الإرهابية.

ذلك فضلًا عن عمليات التهريب في المناطق الحدودية التي توجد بها هذه التنظيمات، والإتجار بالأسلحة والمواد المخدرة. مع الإشارة إلى أنه حال تقلص هذه الموارد فإن التنظيمات الإرهابية تلجأ إلى التكيف مع هذه الظروف، وتبني الخيار الذي تُعرفه بعض الدراسات بـ “الإرهاب الرخيص” أي منخفض التكلفة.

2- تمثل المصالح والمنشآت الاقتصادية للدول أحد الأهداف الرئيسة للتنظيمات الإرهابية، لما يترتب على استهداف هذه المنشآت من أضرار بالغة بالنسبة للدول المنخرطة في الحرب على الإرهاب، خصوصًا على المستوى الاقتصادي، وهي نوعية العمليات التي تسميها بعض أدبيات التيارات المتطرفة بـ “الجهاد الاقتصادي”، وكان من أبرز الأدبيات المتطرفة التي أصلت لهذا المفهوم هو ما طرحه كتاب “حكم استهداف المصالح النفطية وأحكام الجهاد الاقتصادي”، لمنظر تنظيم القاعدة البارز ووزير إعلامه “عبد العزيز بن رشيد العنزي”، والذي تم اعتقاله عام 2005 بالرياض، وإعدامه من قبل السلطات السعودية في 2006.

وكان من أبرز تجليات ما يُعرف لدى التنظيمات الإرهابية بـ “الجهاد الاقتصادي”، هو استهداف برجي التجارة العالميين في 11 سبتمبر 2001، وصولًا إلى الهجمات المكثفة لتنظيم داعش الإرهابي على العديد من المنشآت الاقتصادية في سوريا والعراق والعديد من البلدان.

3- تمثل الإغراءات المالية والاقتصادية أحد الأدوات التي توظفها تيارات العنف في استقطاب عناصر جديدة، خصوصًا من الطبقات الأكثر فقرًا، والطبقات الإجرامية، لا سيما في الدول التي تسوء فيها الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين، ويغيب فيها مفهوم الدولة الوطنية، القادرة على احتكار القوة وبسط نفوذها على كافة أنحاء البلاد. وقد أكد هذا الطرح العديد من التقارير التي أشارت إلى أن نسبة كبيرة من المنخرطين في الأنشطة الإرهابية في العديد من المناطق خصوصًا في أوروبا هم أفراد جاؤوا من مجتمعات فقيرة، وبالتالي كان الدافع وراء ممارسة الإرهاب هو الإغراءات المالية التي تقدمها التيارات الإرهابية، وليس القناعات العقدية أو الأيديولوجية.

تداعيات التوظيف الإرهابي للفقر

يحمل توظيف تيارات العنف والإرهاب للأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها العديد من المجتمعات العديد من التداعيات الخطيرة التي يمكن بيانها على النحو التالي: 

1- سوف تحاول هيئة تحرير الشام، وكذا التيارات الإرهابية الموجودة في الدول المأزومة مثل سوريا والعراق واليمن، أو أفرع هذه التنظيمات في القارة الأفريقية، توظيف الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها سكان هذه الدول، من أجل تجنيد المزيد من العناصر، عبر آليتين: الأولى هي الإغراءات المالية، والثانية طرح نفسها كبديل للنظم السياسية الحاكمة في هذه البلدان؛ استغلالًا لحالة اليأس التي تعيشها الفئات الوسطى والوسطى الدنيا والفقيرة، في هذه الدول.

2- تُدرك تيارات العنف والإرهاب أن أي تقدم أو إنجاز على المستوى الاقتصادي والتنموي لهذه الدول سوف يأتي على حساب قدرتها على ممارسة الأنشطة الإرهابية وتجنيد عناصر جديدة، وبالتالي قد يمثل هذا الاعتبار حافزًا لإعاقة وتعطيل أي توجه تنموي وأي مُنجز اقتصادي في هذه البلدان، عبر شن هجمات إرهابية تستهدف هذه المنشآت في إطار ما يُعرف بـ “الجهاد الاقتصادي”.

3- يتبنى معظم التيارات الإرهابية في الآونة الأخيرة مقاربات جديدة تضمن لها إعادة إحياء نفسها في مناطق النفوذ التقليدية، أو في مساحات جديدة، وبالتالي سوف تسعى هذه التيارات بالتزامن مع ذلك إلى إنعاش اقتصاداتها، عبر التوسع في أي أنشطة تحقق عوائد اقتصادية جيدة لها، سواءً من خلال السيطرة على مناطق ومنشآت اقتصادية، أو من خلال التوسع في عمليات تجارة الأسلحة والمواد المخدرة والبشر، أو من خلال عمليات اختطاف الرهائن.

وختامًا يمكن القول، إن الظاهرة الإرهابية بطبيعتها ظاهرة مركبة، تتداخل في تفسيرها العوامل الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والنفسية، لكن المؤكد أن إرهاب السنوات الأخيرة بات يطغى عليه جملة من الدوافع التي تتجاوز حدود العقدي والديني، وهو ما يُحتم على الدول تبني مقاربات تنموية وسياسية تستهدف تفكيك الظاهرة ومعالجتها من جذورها، جنبًا إلى جنب مع المقاربة الأمنية والعسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى