الاقتصاد الدولي

خيارات السياسات النقدية.. كيف تتصرف البنوك المركزية وقت الأزمات؟

أسهم وباء “كوفيد-19” في تحولات كبيرة على مستوى السياسات الاقتصادية الكلية على مستوى العالم، وقد خرج الاقتصاد الكلي التقليدي عن منطقة الأمان الخاصة به؛ كونه قد تعرض لعدد من الصدمات على إثر انتشار الجائحة، وتعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع معدلات التضخم لمعدلات غير مسبوقة عالميًا. وتعاني الأسواق حاليًا من عدم القدرة على تحقيق معدلات ما قبل الجائحة، وعدم القدرة على التنبؤ بما ينتظرنا، وانتشار حالة من عدم اليقين بشأن الإنتاج والتوظيف والتضخم في المستقبل. 

ويحيط بالاقتصاد العالمي عدة مجالات من عدم اليقين والمتمثلة في معرفة أجل استمرار مدة اختلالات العرض والطلب، الأمر الذي أسهم في موجات تضخمية مؤقتة ولكنها ليست قصير الأجل، حيث يتوقَّع صانعو السياسة أنَّ تأخيرات الشحن واختناقات العرض كلها قوضت قدرة الاقتصادات على تلبية طلب المستهلكين على السلع، بما يستلزم معه تدخلًا في السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية.

ويمثل عدم اليقين الذي يحيط باتجاهات النمو المستقبلي ومدى قدرة الاقتصادات على التوسع المستدام غير التضخمي أحد أهم محركات السياسة في الوقت الحالي؛ وذلك من أجل تحقيق التوازن المستقبلي بين النمو والتضخم، وبالتالي؛ بشأن توزيع مكاسب الرفاه بين أصحاب العمل، والعمال، والمستهلكين، والمنتجين، والدائنين، والمقترضين في فترة التعافي بعد كوفيد-19.

تحركات السياسة النقدية (البنوك المركزية):

1- برامج شراء الأصول، كان هناك عزوف من جانب البنوك المركزية في كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عن استخدام برامج شراء الأصول في الأزمات السابقة؛ خشية حدوث رد فعل عنيف من جانب السوق. ففي السابق كان الطبيعي هو أن يكون شراء الدين الحكومي عملًا من أعمال البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة بشكل أساسي. 

ولكن للمرة الأولى على نطاق واسع، دخلت البنوك المركزية في بلدان مثل جنوب أفريقيا وبولندا وتايلاند مجالًا غير مطروق من خلال استخدام برامج شراء الأصول لمكافحة الخلل في عمل السوق. وقد تبين أن شراء الأصول على نحو موجه في هذه البلدان أثناء أزمة كوفيد-19 ساعد على تخفيف الضغوط في الأسواق المالية، دون التعجيل بخروج تدفقات كبيرة من رأس المال أو فرض ضغوط على سعر الصرف. 

FIG

2. اتباع سياسات نقدية انكماشية:

جدير بالإشارة إلى أن تحول السياسة دائمًا يحمل أخطارًا، حيث اتجهت البنوك المركزية حول العالم إلى اتباع سياسات نقدية انكماشية، ولكن تلك السياسات قد تعرقل مسار تعافي الاقتصاد، ويجب الحذر عند تطبيقها وأن ننتظر حتى يتضح وجود ضغوط تضخمية مستمرة ودائمة بما قد يتطلب تطبيق سياسة تقشفية أكثر شدة.

  • فيما يخص تحركات بنك الشعب الصيني، ينتهج سياسة نقدية توسعية بعكس ما يتم في أغلب دول العالم، فقد سبق وأن تم تقليص أسعار الفائدة الأساسي، ويشير المحللون إلى أنَّ بنك الشعب الصيني سيقلّص نسبة متطلّبات الاحتياطي النقدي؛ بهدف توفير سيولة أكبر للبنوك لتمويل عمليات الإقراض، ثم تخفيض أسعار الفائدة الأساسية من أجل تعزيز تحفيز النمو الاقتصادي. 
  • فيما يخص تحركات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فينتهج سياسة نقدية انكماشية من خلال رفع أسعار الفائدة بربع نقطة، للحد من معدلات التضخم والتي بلغت 7.9% خلال شهر فبراير 2022، ومن المتوقع ان يلجأ الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة عدة مرات خلال العام الحالي.
  • سوف يتجه بنك إنجلترا المركزي إلى إعادة مستويات أسعار الفائدة إلى معدلات ما قبل الجائحة، وتشير التوقعات إلى أنه قد تصل معدلات التضخم 10% في وقت لاحق من السنة الحالية؛ بما يدفع مسؤولي البنك إلى رفع سعر الفائدة إلى 0.75%، ويرجح المستثمرون أنَّ أسعار الفائدة ستبلغ حوالي 2% بنهاية السنة الجارية.
  • أما بشأن تحركات بنك اليابان المركزي؛ فتشير التوقُّعات إلى أنَّ البنك سيُبقي على الأوضاع كافةً دون تعديل، مع العمل كذلك على ضمان معدلات ارتفاع الأسعار ضمن المعدلات الطبيعية.
  • تحركات البنك المركزي التركي، بلغت معدلات التضخم أعلى مستوياتها منذ 20 سنة، ولكن بالرغم من ذلك تشير التوقعات إلى أن يبقي البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 14%، بما يتماشى ذلك مع نهج الرئيس رجب طيب أردوغان.
  • تحركات البنك المركزي البرازيلي، تشير التوقُّعات إلى أنَّ البنك المركزي البرازيلي سيزيد سعر الفائدة للمرة التاسعة على التوالي، ليصل إلى 11.75%. كان سعر الفائدة 2% قبل سنة.

ختاما، نلاحظ انتهاج البنوك المركزية سياسات نقدية متباينة تعكس التأثيرات المتفاوتة على الاقتصاديات المختلفة؛ إذ يلجأ البعض إلى انتهاج سياسة نقدية انكماشية مثل الولايات المتحدة، بينما يذهب البعض إلى اتباع سياسات متساهلة وتوسعية مثل بنك الشعب الصيني، وقد يعزف البعض الآخر عن تحريك الأسعار والإبقاء على الأوضاع مستقرة مثل بنك اليابان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى