مكافحة الإرهاب

التنظيم الدولي للإخوان.. النسخة الأمريكية من الإسلام السياسي

تعود فكرة وجود تنظيم عالمي لجماعة الإخوان المسلمين إلى أفكار مؤسس التنظيم حسن البنا، ضمن فكرة “الدعوة العالمية” و”أستاذية العالم”، حيث أنشأ مكتب تنفيذي تابع للتنظيم بمصر، يضم في عضويته أفرع تنظيم الإخوان خارج مصر.

وكان أبرز رجالات النسخة الاولي من هذه الفكرة هو العنصر السوري مصطفي السباعي الذي أسس تنظيم الإخوان في سوريا، وأصبح أول إخواني ينتخب عضوًا في البرلمان وذلك في عضوية مجلس النواب السوري عام 1949 وقد أصبح وقتذاك نائبًا لرئيس المجلس، وذلك في زمن الرئيس سامي الحناوي الموالي لبريطانيا، وحينما تم حل تنظيم الإخوان في مصر عام 1954، شكل الإخوان مكتب تنفيذي برئاسة السباعي في دمشق حتى قيام الوحدة المصرية السورية عام 1957.

وتعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) نقطة فاصلة في تاريخ جماعات الإسلام السياسي، التي صنعتها بريطانيا في بادئ الأمر قبل أن تحاول ألمانيا القيصرية ثم النازية مزاحمة بريطانيا في السيطرة على الإسلام السياسي الموالي للغرب، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وخسارة برلين للحرب، فإن الولايات المتحدة الأمريكية القطب الجديد قد صادرت أغلب أدوات الهيمنة الغربية من بريطانيا بحكم الأمر الواقع، وكان من تلك الأدوات ملف الإسلام السياسي.

وإذا كانت بريطانيا قد أسست تنظيم الإخوان في مصر عام 1928، من أجل تصدي الإسلاميين للحركة الوطنية والقومية المصرية، وتفكيك مقاومة المصريين للاستعمار البريطاني، وأيضًا مناوئة الإسلاميين للمد اليساري القادم من الاتحاد السوفيتي، وهى الفكرة التي لاقت تأييد من الملك فؤاد من أجل توظيفها في تفكيك شعبية حزب الوفد خاصة أن العام 1928 قد شهد رحيل الرئيس سعد زغلول الزعيم التاريخي لثورة 1919 ومؤسس حزب الوفد، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد استقرت مطلع خمسينات القرن العشرين على إحياء تنظيم الإخوان انطلاقًا من مصر وذلك من أجل مجابهة المد السوفيتي.

وكان تنظيم الإخوان قد تم حظره في مصر عام 1949 عقب موجة من الأعمال الإرهابية شملت اغتيال الرئيس محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء في زمن حرب فلسطين، وما تلي ذلك من عملية اغتيال مؤسس التنظيم حسن البنا بعد أن تبرأ من بعض العناصر المنسوبة للتنظيم، ما جعل بعض المراقبون ينظرون بعين الاتهام لحقيقة أن اغتيال البنا كان صراع داخلي في التنظيم وليس تحرك حكومي، كما يردد عناصر التنظيم حتى اليوم دون دليل حكومي واحد.

وفى فترة حظر التنظيم ما بين عامي 1949 و1951 عين أحمد حسن الباقوري مرشدًا مؤقتًا وسريًا للتنظيم، إلى أن تباحثت واشنطن مع القاهرة في أمر السماح للتنظيم بالعمل العلني مرة أخرى.

فكرة عودة الإخوان لاقت ترحيب لدى الملك فاروق والرئيس مصطفى النحاس، على ضوء تآكل شعبية حزب الوفد وإفلاس مصطفى النحاس الذي شكل الوزارة لخامس مرة، كما أن المد الشيوعي كان على أشده في الشارع المصري بعد أن ضعفت وانهارت الأحزاب ونخبة ثورة 1919، ولم تقدم الأحزاب والنخب جيل جديد قادر على العمل السياسي، إذ راحت الساحة تخلو من الساسة بوفاة محمد محمود وعدلي يكن وإسماعيل صدقي وتقاعد مكرم عبيد، ووضع الاحتلال البريطاني فيتو على تولي الدكتور محمد حسين هيكل رئيس حزب الاحرار الدستوريين لمنصب رئيس الوزراء، وحتى الاسم الوحيد البارز في الجيل الثاني ألا وهو فؤاد سراج الدين قد سقط شعبيًا عقب أحداث الإسماعيلية في 25 يناير 1952.

أما الملك فقد خسر شعبيته بعد الهزيمة في حرب فلسطين، بينما الأموال والتوصيات والأفكار الشيوعية تأتي رأسًا من الاتحاد السوفيتي، الذي خرج من الحرب العالمية الثانية كما الحال مع الأمريكان، قطب دولي جديد يحاول التهام النفوذ البريطاني والفرنسي الجريح.

اتفق الامريكان مع حركات الإسلام السياسي على أن يكون تنظيم 1951 ذو توجه سلفي أكثر مما كان في تنظيم 1928 (تنظيم حسن البنا)، كما جرى الاستعانة ببعض الكوادر الإسلامية المنتمية للمحافل الماسونية، وإسناد منصب المرشد العام للتنظيم إلى المستشار حسن الهضيبي عام 1951.

وبينما كانت مصر بين خطر الوقوع تحت الفاشية الشيوعية أو الفاشية الإسلامية، قامت ثورة 23 يوليو 1952 وحاول الإخوان الحاق بالنظام المصري الجديد ولكن التصادم أتى سريعًا وبحلول عام 1954 انتهى تنظيم الإخوان في مصر عقب محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في المنشية.

شكل الهروب الجماعي للإخوان من مصر عام 1954 نواة فكرة تأسيس التنظيم الدولي للجماعة، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب العالمية الثانية قد قامت بتنظيم تركة الإمبراطورية البريطانية والفرنسية، ما بين مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا، وحلف الناتو، ولاحقًا حلف بغداد الذي كان في واقع الأمر ترجمة لفكرة حلف يضم دول حكومات الإسلام السياسي أو الراعية لتنظيمات الإسلام السياسي، وأخيرًا فإن إدارة الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور وجدت أن ضم كافة تنظيمات الإسلام السياسي حول العالم في تنظيم موحد سوف يسهل عمل تلك التنظيمات.

مهام أوروبية للتنظيم الدولي

وضع النظام الغربي أجندة أعمال وبنك أهداف كاملة للتنظيم الدولي للإخوان، استغلالًا لهروب عناصر الإخوان من مصر وسوريا والعراق أمام حكومات القومية العربية، إذ تم توطينهم في الخليج العربي من أجل حسم تمكين الإسلام السياسي من مجتمعات الخليج العربي، وبالفعل خلال الخمسينات والستينات نجح الإخوان الهاربون من مصر وسوريا والعراق في نشر أفكارهم هناك. 

وكان الهدف الثاني للتنظيم الدولي هو مساعدة المخطط الغربي على توطين الأتراك في ألمانيا والمغاربة في فرنسا، من أجل التلاعب بالتركيبة السكانية والديموجرافية للدولتين، ولاحقًا إيطاليا واليونان، وذلك من أجل كسر الروح القومية والمد الشيوعي، وتفكيك الثقافة الجرمانية الألمانية والرومانية الإيطالية واليونانية القديمة والفرنكوفونية الفرنسية، مع تمكين تنظيم الإخوان من الجاليات العربية والمسلمة في القارة الأمريكية والأوروبية.

وضلع تنظيم الإخوان في تنظيم معارضة مصرية هاربة في أوروبا لن يكن عناصرها من تنظيم الإخوان، إضافة إلى أخونة الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا الشرقية واستخدامها للتجسس على الحكومات الشيوعية الموالية للاتحاد السوفيتي وتقديم تلك المعلومات للمخابرات الغربية.

وفى مقابل ذلك فإن هذا الانتشار العنكبوتي عبر الكتلة الشرقية والغربية تحت ستار الجاليات العربية والإسلامية جعل التنظيم الدولي للإخوان مكلف ببعض مهام غسيل الأموال دوليًا، وتجارة العملة، وتهريب السلاح والآثار والمخدرات، تمامًا كما فعل بشكل علني مع إنتاج أفغانستان من المخدرات عقب بدء الحرب السوفيتية الأفغانية.

انخراط التنظيم الدولي للإخوان في الجريمة المنظمة، من سلاح ومخدرات ودعارة وغسيل أموال، كفل له الحماية الغربية فأصبح الإسلام السياسي هو الجناح الإسلامي للنظام الغربي ولاحقًا الجناح الإسلامي للعولمة الأمريكية النيوليبرالية، لذا لم يكن غريبًا أن يكون الثمن في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أن يحاول الغرب تسليم حكم مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان وتونس والسودان وفلسطين والبحرين في سنوات ما يعرف بالربيع العربي إلى الإسلاميين كما هو الحال في إيران وتركيا وباكستان اليوم.

وضم التنظيم الدولي للإخوان، كافة التنظيمات الإخوانية حول العالم، إضافة إلى التنظيمات الإسلامية التي ابتكرها الغرب على مدار 300 عام، سواء سلفية أو صوفية أو شيعية ليس في العالم العربي أو الإسلامي فحسب ولكن حول العالم أجمع.

وفى هذا التنظيم العالمي يجتمع الحزب الإسلامي والجماعات الإسلامية، مثل طالبان والقاعدة وداعش جنبًا إلى جنب مع الإخوان والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، وغيرها من التنظيمات الإسلامية في إيران وتركيا وقطر وباكستان وأفغانستان ولبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا وفلسطين والأردن والسودان والجزائر والمغرب وتونس ونيجريا والنيجر ومالي على وجه التحديد.

مؤسس التنظيم الدولي للإخوان

اعتبر سعيد رمضان زوج أبنة حسن البنا هو مؤسس التنظيم الدولي للإخوان بتكليف مباشر من المخابرات المركزية الأمريكية، التي وفرت له الإقامة في ميونخ الألمانية ثم جنيف السويسرية، وأسس الجمعية الإسلامية الألمانية عام 1958 وأصبح مسجدها في ميونخ هو عاصمة الإسلام السياسي في أوروبا الغربية.

وقابل رمضان الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور أكثر من مرة بشكل علني، وأصبح التنظيم الدولي للإخوان الذي تم تأسيسه عام 1954 في أوروبا واحدًا من دروع الغرب لمقاومة المد الشيوعي في أوروبا وأمريكا عبر مراقبة والتجسس على الجاليات العربية والإيرانية والتركية والإسلامية في دول الكتلة الغربية، وقد عمل سعيد رمضان في باكستان والسعودية لبعض الوقت في مهام إخوانية وبتكليف أمريكي، وحصل على الجنسية الباكستانية من أجل سهولة التحرك بعد التضييق المصري.

ومع انهيار تنظيم الإخوان في مصر عام 1954، حاول التنظيم الدولي مرارًا بث الفوضى في مصر بدافع الانتقام، كما كان دائم التواصل مع السجين سيد قطب الذي أعاد تأسيس تنظيم الإخوان بكتاباته وأسس تنظيم 1965 ولكن السلطات المصرية استطاعت قطع الاتصال بين قطب والتنظيم الدولي أو العناصر الأجنبية كما ذكرت في التحقيقات الرسمية وانتهى تنظيم 1966 بإعدام قطب وسجن كافة رفاقه.

وإذا كان التنظيم قد لعب دور رئيسي في تنظيم صفوف الإسلاميين في أفغانستان إبان الحرب مع الاتحاد السوفيتي على يد كمال السنانيري وعبد الله عزام، وهو الدور الذي جعل التنظيم يركز في آسيا الوسطي بينما التنظيم الأم في القاهرة يعود مرة أخرى عام 1972، فإن هنالك محطتين للتنظيم الدولي في السبعينات قبل أفغانستان ينبغي التوقف عندهم.

صالح سرية وحادث الفنية العسكرية

عقب الانتصار المصري والعربي في حرب أكتوبر 1973، بدأت استراتيجية استهداف الإسلام السياسي للجيوش الوطنية على وجه التحديد، وكان الهدف الأول هو الجيش المصري على ضوء ما جرى في حرب أكتوبر 1973 من كسر للإرادة الغربية وعبور قناة السويس وإجبار العالم على الاستماع للإرادة الوطنية المصرية.

وكانت فكرة الثورة الإسلامية المسلحة هي أول بند في هذه الاستراتيجية، ولكن تنظيم الإخوان لم يرغب في تكرار سيناريو تنظيم 1965 السلفي المسلح، إذ أتت التوصيات عبر التنظيم الدولي ببدء لعبة “تبادل وتقاسم الأدوار”، بمعني أن التيار القطبي – نسبة إلى سيد قطب – المنتمي إلى أفكار السلفية الجهادية سوف يشكل أكثر من تنظيم إسلامي إرهابي، وإذا ما نجح أيا منهم في هدفه، يعلن الإخوان باعتبارهم التنظيم الأم بأنهم خلف هذا التنظيم منذ البداية ولكنهم لم يفصحوا عن ذلك في بادئ الأمر بسبب المطاردات الأمنية.

حدث ذلك في تنظيم الفنية العسكرية أو تنظيم صالح سرية، وبحسب مذكرات القيادي الإخواني طلال الأنصاري، فإن تنظيم صالح سرية كان إخوانيًا، ولكن الإخوان لم يستطيعوا دعمه علنًا، وكان يهدف إلى صناعة انقلاب مسلح على السلطة المصرية عام 1974 واغتيال السادات وإعلان جمهورية مصر الإسلامية، وبحسب الأنصاري فإن سرية كان على اتصال بمرشد الإخوان حسن الهضيبي عبر زينب الغزالي، وأنه حال نجاح الانقلاب فإن المرشد كان ينوي دعمه وإعلان أن الانقلاب إخوانيًا خالصًا، وأن الاتفاق جرى بين سرية والمرشد بأن يتسلم تنظيم الإخوان السلطة في مصر حال نجاح تلك الثورة المسلحة.

إن قصة صالح سرية توضح آليات التعاون بين كافة أفرع الإخوان في عددًا من الدول، إضافة إلى التعاون بين الإخوان ومنظمات إسلامية أخرى تحت عباءة التنظيم الدولي للإخوان. وصالح سرية هو مواطن فلسطيني من مواليد حيفا عام 1936، لجأت أسرته إلى العراق عقب حرب فلسطين 1948، انضم إلى التيار السلفي العراقي ثم تنظيم الإخوان فرع العراق، أسس مع رفقائه الفلسطينيين جبهة التحرير الفلسطينية والتي دمجت في حركة فتح لاحقًا وأصبح سرية عضوًا بحركة فتح ومن اشد المقربين من مؤسس ورئيس الحركة ياسر عرفات.

لم يكن وجود كادر إخواني وسلفي وقطبي في حركة فتح أمر غريب، إذ أن الحركة قامت في نسختها الأولى على كوادر إخوانية قبل أن تبدأ في التوجه الاشتراكي أواخر الستينات، ولاحقًا عقب سقوط الاتحاد السوفيتي أسقط ياسر عرفات التوجه الاشتراكي للحركة وسن خطاب عابر للأيديولوجيات السياسية.

شكل رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم ما سمى “فوج التحرير الفلسطيني” الذي كان معظمه من شباب التيار الإسلامي وعلى رأسهم تنظيم الإخوان في العراق، وهو الفوج الذي أصبح لاحقًا لواء القادسية التابع لتنظيم جيش التحرير الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانضم صالح سرية إلى فوج التحرير الفلسطيني وتدرب على الفنون العسكرية حتى حصل على رتبة نقيب.

وبصفته عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني الذي يعد بمثابة “البرلمان الفلسطيني”، تحرك سرية بشكل سهل بين مصر وسوريا والعراق، وانتسب لفترة لحزب التحرير الإسلامي الذي يعد تنظيم إسلامي دولي برعاية المخابرات البريطانية.

ولكن عقب محاولة اغتيال الإسلاميين للرئيس العراقي أحمد حسن البكر ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين أواخر الستينات، غادر صالح سرية العراق وحاول الإقامة في سوريا والسعودية ولكن وجد الملاذ الآمن في مصر عام 1971، وذلك في بيت القيادية الإخوانية زينب الغزالي حيث تواصل معها عبر زوجها السابق الشيخ حافظ التيجاني.

بحلول أواخر عام 1973 وبدء استراتيجية ضرب الجيوش الوطنية بالإرهاب الإسلامي، وإدارة تنظيم الإخوان في مصر هذا الملف عبر التنظيمات السلفية، تم تجهيز ثلاثة تنظيمات هي “جماعة الجهاد” و”الجماعة الإسلامية” و”خلية الفنية العسكرية”، لتصبح الأجنحة العسكرية السرية للإخوان، مع وضع استراتيجية إعلامية من أجل الترويج لكذبة وجود خلافات سياسية ودينية وفقهية بين الإخوان وتلك التنظيمات السلفية، رغم حقيقة أن كافة تلك التنظيمات هي ابنة أفكار تنظيم 1965 الإخواني والمنظر الإخواني سيد قطب.

وبترتيبات إخوانية خالصة، اجتمع صالح سرية، مع شباب الإخوان المنتسبين إلى جماعة الجهاد الإسلامي وعلى رأسهم يحيي هاشم وإسماعيل الطنطاوي وطلال الأنصاري من أجل الترتيب لعملية الفنية العسكرية، وقد أشاد أيمن الظواهري إحدى مؤسسي تنظيم الجهاد بصالح سرية في كتابه «فرسان تحت راية النبي»، حيث يضم الكتاب تفاصيل لقاء سابق بين الإثنين حينما كان الظواهري من شباب الإخوان قبل أن تأتي التكليفات بتأسيس جماعة الجهاد الإسلامي التي أصبح لها جناح مؤسس في تنظيم القاعدة بأفغانستان لاحقًا.

خلية سرية الإخوانية أو تنظيم الفنية العسكرية كما يطلق عليه، هاجمت الكلية الفنية العسكرية في 18 أبريل 1974 واستشهد 17 وجرح 65، ولكن فشل الانقلاب الإخواني الساذج وتم إلقاء القبض على سرية وخليته.

لم يكن تنظيم الفنية العسكرية صغيرًا، إذ ضم مجموعات في القاهرة والجيزة وبنى سويف والإسكندرية وبورسعيد وقنا، وكان يفترض أن تسيطر الخلية على العربات العسكرية من داخل الكلية والتوجه بها إلى قصر الرئاسة ومقر الاتحاد العام الاشتراكي لاعتقال رئيس الجمهورية الرئيس أنور السادات وإعلان نجاح الانقلاب.

ولكن استبسال الدفاع عن الكلية الفنية العسكرية وإلقاء القبض على المتورطين أدى إلى سقوط التنظيم، وتم اعدام صالح سرية وكارم الاناضولي في 9 نوفمبر 1976. وشارك اخوان مصر والعراق وفلسطين، وحزب التحرير الإسلامي، وجماعة الجهاد في تنظيم الفنية العسكرية، في واحدة من أكبر ترتيبات التنظيم الدولي للإخوان.

عقب فشل تنظيم الفنية العسكرية عام 1974، ورغم استمرار نهج الإرهاب عبر الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد وبعض الجماعات الإسلامية الصغيرة المؤقتة، إلا أن التوجهات الدولية وصلت إلى تنظيم الإخوان في مصر بالبعد العلني عن السلاح والعمل باعتبارهم فصيل سياسي وطني وبدء الاختراق الناعم للدولة ومؤسساتها والمجتمع وصولًا إلى الظفر بــ 12 مقعد في مجلس الشعب عام 1984 ثم 30 مقعد في مجلس الشعب عام 1987.

أحداث حماة السورية

عادة ما يتم اقتطاع أحداث حماة السورية عام 1982 من سياقها التاريخي، من أجل وضعها في سياق المذبحة والتهجير وجرائم ضد الإنسانية.

ولكن السياق التاريخي بدأ عام 1976، حينما بدأ تنظيم الإخوان في سوريا تمرد شامل وعسكري، انطلاقًا من محافظة حماة، ولكن العمليات الإرهابية المتقطعة لم تتحول إلى عمل عسكري وسياسي شامل إلا بحلول عام 1979 حينما نفذ الإخوان عملية شديدة الشبه بالفنية العسكرية ألا وهي مجزرة مدرسة المدفعية بمحافظة حلب، حيث اقتحمت الكلية الحربية وتم تجميع الضباط المنتسبون إلى الطائفة العلوية التي ينتمي لها رئيس الجمهورية العربية السورية الرئيس حافظ الأسد، وتم إعدامهم رميًا بالرصاص مما أدى إلى استشهاد 83 طالب عسكري سوري في 16 يونيو 1979.

ولم يهدأ التمرد الإخواني العسكري في حلب إلا مع قيام الجيش السوري بحصار حلب ما بين أبريل 1980 وفبراير 1981 ما أخمد التمرد العسكري الإخواني في العاصمة الاقتصادية لسوريا.

ثم سعى الإخوان إلى قيادة دعوات للتظاهر والإضراب والاضطرابات وفى مارس 1980 كانت المظاهرات لها حضور في أغلب المحافظات السورية، في نسخة أولى من لعبة الربيع العربي في سوريا مارس 2011، وفي 26 يونيو 1980 حاول تنظيم الإخوان اغتيال الرئيس الأسد في نهار العاصمة دمشق ولكن المحاولة فشلت.

ومع تمشيط المحافظات السورية من التمرد المسلح وإنهاء الاضطرابات الشعبية، فرت كافة عناصر الإخوان المسلحة إلى حماة، وبدأت في تمرد مسلح معلنة قيام “الثورة الإسلامية”. ولم يكن تمرد حماة عام 1979 هو الأول في تاريخ تنظيم الإخوان، فقد سبق للتنظيم أن نظم تمرد حماة الأول في أبريل 1964 ضد السلطة البعثية والرئيس أمين الحافظ، ونجح البعثيون في إخماد التمرد. وظلت حماة بيئة خصبة للإخوان على ضوء الطبيعة المحافظة لسكانها وانتساب قادة التيار الإسلامي بالمحافظة للفكر السلفي.

وفي 2 فبراير 1982 أعلن تنظيم الإخوان عن ثورة شاملة في حماة، وأمام هذا الخطر الوطني الداهم وسعي التنظيم لإعلان جمهورية مستقلة في قلب سوريا، قام الجيش السوري بمحاصرة حماة بداية من اليوم ذاته وحتى يوم 28 فبراير 1982 حينما سيطرت الدولة السورية على كامل المحافظة المتمردة.

يتم عنونة ما جرى في حماة ما بين 2 – 28 فبراير 1982 بما نعرفه اليوم باسم “مذبحة حماه”، والتي كانت اخماد لتمرد إخواني مسلح. إذا كان التمرد الإخواني الشامل قد بدأ بتاريخ 16 يونيو 1976 فإن إخضاع حماة في 28 فبراير 1982 هو تاريخ انتهاء التمرد وإنهاء تنظيم الإخوان في سوريا وهروب قادته إلى لندن حتى اليوم، ولم يظهر الإخوان على الساحة السياسية إلا بمحاولة ساذجة من النظام السوري للمصالحة مع الإخوان قبل بضع سنوات من اندلاع الحرب السورية في مارس 2011، ثم أصبح الإخوان من أهم التنظيمات المشاركة في اجتماعات ما سمي بالمعارضة السورية عقب اندلاع الحرب.

التنظيم الدولي والغزو العراق للكويت

شكل موقف التنظيم الدولي للإخوان من الغزو العراقي للكويت فصلًا مهمًا في إعادة هيكلة طريقة عمله، إذ رحب التنظيم الدولي بهذا الغزو، كما رحب تنظيم الإخوان بالكويت بدخول القوات العراقية للعاصمة.

ولم يكن ذلك غريبًا، إذ أن الرئيس صدام حسين عقب سيطرته على السلطة وخلع الرئيس أحمد حسن البكر، قد قرب الإسلاميين لصفوفه، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان، كما أن العديد من قادة الإسلام السياسي قد توافدوا على بغداد قبل أحداث 11 سبتمبر 2011 بما في ذلك أيمن الظواهري في أبريل 1999، قبل أن يقرر صدام قطع الاتصالات مع الإخوان وشبكة أسامة بن لادن عقب احداث 11 سبتمبر.

ولكن الإعلان الإخواني المحلي والدولي لدعم اجتياح صدام حسين، قد أدى إلى غضب دول الخليج العربي ذات الاتصال الوثيق بالإسلام السياسي بوجه عام وتنظيم الإخوان على وجه التحديد، وأدت العلاقة بين الإخوان وصدام إلى أزمة تاريخية بين الإخوان والخليج العربي تطل برأسها في العلاقات بين الطرفين حتى اليوم.

وعلى ضوء تلك المشكلة الكبرى عام 1990، إضافة إلى انتهاء الحرب السوفيتية الأفغانية عام 1989، وانتهاء الحرب الباردة رسميًا عام 1991، فإن فكرة عمل التنظيم الدولي بشكل علني أصبحت عبء على النظام الدولي بوجه عام وعلى المعسكر الغربي على وجه التحديد.

ومع تأسيس منظومة لندنستان، تقرر أن يعود التنظيم الدولي للإخوان إلى كواليس المسرح الدولي، وأن يذوب رجالاته في العاصمة البريطانية لندن، وإعادة الدفع بتنظيمات الإخوان باعتبارها فصائل وطنية في بلادها وليست ضمن تنظيم دولي له علاقات واضحة وصريحة بالإرهاب الدولي وشبكات الجريمة المنظمة.

وخلال اضطرابات ما عرف بـ”الربيع العربي”، نشط التنظيم الدولي للإخوان في إدارة ملف تمكين الإسلاميين من الحرب والحكم في بلاد تلك الاضطرابات، وتنسيق العمل بين تنظيم الإخوان وأحزابه السياسية من جهة، والخلايا الجهادية والتكفيرية الإرهابية من جهة أخرى، إلى جانب بعض حكومات العالم الإسلامي التي كان لها مصلحة في إسقاط بعض الأنظمة العربية في مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس والبحرين، وصولًا إلى شبكات المرتزقة في سوريا واليمن وليبيا إضافة إلى الجماعات الإسلامية التي ظهرت في الحرب السورية وعلى رأس جبهة النصرة وتنظيم داعش، إضافة إلى تنسيق انتقال الإرهابيين من أفغانستان إلى منطقة الربيع العربي، وما بين سوريا وليبيا، ولاحقًا توظيف مقاتلو “إرهاب الربيع العربي” في نزاعات أخرى حول العالم بحسب تكليفات النظام الدولي، واخرها الحرب الأوكرانية 2022.

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى