
آفاق وتحديات صناعة الدواء في أفريقيا
في الأعوام الأخيرة منذ ظهور وباء كوفيد-19، ظهرت الحاجة الملحة للاهتمام بقطاع تصنيع الدواء في أفريقيا. فقد تأثرت أفريقيا بشكل مختلف عن باقي العالم بسبب اضطراب سلاسل التوريد الناتجة عن توقف التصنيع في الدول المصدرة لأفريقيا بسبب الإجراءات الحمائية لـ كوفيد-19. مما ترك آثارًا على قطاع الأدوية والصحة في أفريقيا، بالإضافة إلى الآثار المباشرة لـ كوفيد-19. فأفريقيا تستورد ما بين 79-90% من الأدوية؛ وتختلف النسب من جنوب الصحراء لشمالها. هذا الاعتماد على الواردات يجعل المواطنين عرضة لنقص الأدوية، وهي مشكلة تسببت في أزمة على مستوى القارة أثناء الوباء؛ فالأصناف الأساسية اللازمة بشكل عاجل مثل الأكسجين أو السوائل الوريدية لم تكن متوفرة أثناء الجائحة؛ مما لفت النظر إلى مدى أهمية الاهتمام بقطاع الأدوية في أفريقيا.
سوق الأدوية
منذ عقود، ما يقرب من نصف سكان أفريقيا البالغ عددهم 1.1 مليار نسمة يفتقرون إلى الأدوية الأساسية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. ويسهم عدم الحصول على الأدوية كل عام في وفاة ملايين الأشخاص في أفريقيا، وخاصة من الفقراء والنساء والأطفال. وعلى الصعيد العالمي، أظهر سوق الأدوية نموًا متزايدًا، وخاصة خلال العامين الماضيين؛ لكن هذا النمو لم يكن متساويًا ولا عادلًا فيما يخص توزيع الأدوية والعائدات بين القارات والدول؛ فبعض الأسواق مثل الولايات المتحدة وأوروبا كان نصيبها أكبر من مناطق أخرى.
ومع ذلك، فإن الأسواق الناشئة في الآونة الأخيرة آخذة في الزيادة، بل وتجاوزت أوروبا في نسبة الأدوية والمنتجات الطبية لإجمالي المبيعات. ومن أهم تلك الأسواق الناشئة كانت السوق الأفريقية؛ حيث تعد الجزائر ومصر وجنوب أفريقيا من بين الدول التي حققت أعلى عائدات من الأدوية، فيما جاءت كل من اليابان والصين وكوريا الجنوبية في صدارة قائمة عائدات الأدوية المتحققة في السنوات الأخيرة.
ففي عام 2014، احتلت الجزائر المرتبة الأولى لواردات الأدوية، حيث بلغت الواردات الطبية 2.6 مليار دولار. ومع ذلك، ارتفعت الصادرات الدوائية لجنوب أفريقيا من 380 مليون إلى 16 مليار دولار أمريكي ما بين عامي 2014-2019. وبين يناير ويونيو 2020، بلغ إجمالي واردات أفريقيا من الإمدادات الطبية لكوفيد-19حوالي 2.7 مليار دولار أمريكي. كانت الصين والهند والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا المصادر الرئيسة للإمدادات الطبية لـ كوفيد-19 التي استوردتها أفريقيا – (تمثل 26٪، 16٪،11٪ و 8٪، 6٪ من واردات أفريقيا العالمية من الإمدادات الطبية لـ كوفيد-19، على التوالي ).[1]
أهمية التصنيع المحلي
توطين صناعة الأدوية سيساعد النظم الصحية في أفريقيا على تقليل تعرضها لاضطرابات سلسلة التوريد. علاوة على أن صنع الأدوية محليًا يمكن أن يوفر الأدوية ويخفض التكاليف ويقوي النظم الصحية المحلية ويعزز النظم الصحية في جميع أنحاء أفريقيا. فقد جلبت جائحة فيروس (كوفيد-19) طلبًا غير مسبوق على المنتجات الطبية اللازمة للحد من انتشار الفيروس. وخاصة على الإمدادات الطبية ومستلزمات الحماية الشخصية والقفازات وكواشف المختبرات ودعم أجهزة التنفس والمعقمات الجراحية والمختبرية والمطهرات، بالإضافة إلى مجموعات الاختبار؛ ما يفوق العرض في معظم البلدان، مما يستلزم زيادة الواردات لتلبية الطلب.[2]
لذا، يمكن أن يساعد إنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية محليًا في ضمان الوصول للمرضى، والقدرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية. ويوجد ما يقرب من 375 شركة أدوية في أفريقيا معظمهم في الشمال؛ فيما لا تزيد الشركات جنوب الصحراء على 9 شركات في 46 دولة، شركتين منها قيد التطوير وأربعة تعبئة. بالمقارنة بكل من الصين والهند التي يبلغ عدد سكان كل منهما حوالي 1.4 مليار نسمة، ما يصل إلى 5000 و10500 مصنع للأدوية على التوالي.
وعلاوة على النمو السكاني، فإن الأمراض المتوطنة مثل الأمراض المنقولة بالمياه والملاريا والسل وفيروس نقص المناعة البشرية الإيدز؛ أحد أهم أسباب ضرورة التصنيع الدوائي المحلي. ومن الأسباب التي تجعل التصنيع المحلي من الأهمية بمكان هو كون الأدوية المصدرة لأفريقيا قد عفا عليها الزمن؛ لأن مصنعي الأدوية العالميين وأصحاب براءات الاختراع يفتقرون للحوافز للقيام بعملية التسجيل المرهقة لجميع منتجاتهم والترويج لها في كل بلد أفريقي. نتيجة لذلك، لا يزال العديد من الدول الأفريقية يستخدم عقاقير أقدم مما توصي به قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية (WHO). وفي نفس الوقت يقوم المصنعون بتجارب سريرية لأدوية جديدة في السوق الأفريقية.[3]

وكذلك فإن أحد أهم أسباب الاتجاه إلى التصنيع المحلي فرض العديد من الدول حظرًا أو قيودًا على صادرات الإمدادات الطبية لتلبية الطلب المحلي. ففي أبريل 2020، ذكرت منظمة التجارة العالمية أن حوالي 80 دولة ومنطقة جمركية قد حظرت أو قيدت تصدير إمدادات بسبب كوفيد-19 من أجل منع النقص المحتمل لاستخدامها المحلي. وأدت عمليات الحظر والقيود المفروضة على الصادرات إلى حدوث نقص في أغلب الدول الأفريقية التي تعتمد على الاستيراد. استوردت بوركينا فاسو 5%، واستوردت موريشيوس 4%، ومدغشقر 3%.
حجم الواردات الأفريقية
بين يناير ومارس 2020، بلغت قيمة إجمالي واردات أفريقيا من الإمدادات الطبية حوالي 1.2 مليار دولار، احتلت جنوب أفريقيا المركز الاول حيث استوردت 64% من إجمالي واردات أفريقيا من الأدوية، وكينيا 15%، وبوركينا فاسو ومدغشقر وموريشيوس وتوجو بلغ حجم وارداتها 15% و12% و10% و9% و2% من واردات البلدان الأفريقية من الإمدادات الطبية على التوالي.[4]
في نيجيريا خلال كوفيد-19؛ عانت الدولة الأفريقية من نقص الأدوية الأساسية بعد أن تباطأت واردات المنتجات الدوائية مثل أدوية ضغط الدم والسكر وأدوية الايدز. وفي رواندا، نفد مخزون الصيدليات من أغلب الأصناف حتى الحقن البلاستيكية. أما جنوب أفريقيا؛ فأصبح من المستحيل الحصول على الأدوية النفسية وموانع الحمل. وفي كينيا، اشتكى أطباء الأورام من الصعوبات التي يواجهونها في علاج مرضى السرطان.[5] وتسببت جائحة كوفيد-19 في نقص أدوية فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا والسل بالإضافة إلى علاجات الإنجاب وأدوية الأمهات وحديثي الولادة في جمهورية الكونغو.[6]
معوقات التصنيع المحلي
- ارتفاع تكلفة التصنيع بسبب العقبات اللوجستية، ولكن مع معالجة هذه الاختناقات ستنخفض التكاليف.
- هجرة الكوادر المؤهلة للعمل في القطاع بسبب عدم وجود فرص عمل مجزية مما يستدعي استيراد العمالة.
- انعدام البيئة التنظيمية المستقرة مما يسفر عن انتشار الأدوية المغشوشة في أفريقيا كونها أقل سعرًا؛ فـ 41% من الأدوية المغشوشة تباع في الأسواق الأفريقية.
- تفتت الأسواق ووجود قيود على التصدير ما بين الدول الأفريقية.
الجهود المحلية والدولية
- نتج عن الطلب المتزايد تسليط الضوء على الحاجة لتعزيز القدرة الإنتاجية الصيدلانية المحلية والمنتجات الطبية.
- أطلق الاتحاد الأفريقي منصة Africa Medical Supplies Platform في يونيو 2020 وتم تبنيها “لتوريد المعدات الطبية الحيوية المتعلقة بـ كوفيد-19 لأفريقيا عبر الإنترنت”. وأطلق مبادرة لإنتاج 60% من احتياجات اللقاحات في أفريقيا محليًا بحلول عام 2040.[7]
- التنسيق بين مؤسسات التمويل الدولية والحكومات الأفريقية للإصلاح التنظيمي لقطاع الأدوية والاهتمام بالمعايير التنظيمية، وهو أمر مهم لأفريقيا؛ حيث تستقبل حوالي 42% من الأدوية المغشوشة في العالم. بالإضافة إلى المساهمة في وضع أنظمة صحية أكثر استقرارًا، ودعم قطاع التصنيع المحلي الذي يعالج قضايا الوصول والقدرة على تحمل التكاليف. هذه البيئة التنظيمية المستقرة يمكن أن تجذب الدعم المالي طويل الأجل.
- تعهدت مؤسسة ماستركارد بتقديم 1.3 مليار دولار لدعم التصنيع المحلي وتوزيع لقاحات كوفيد من خلال شراكة.[8]
- إطار عمل IDDA III لدعم أفريقيا لتلبية احتياجاتها الصيدلانية وتحقيق الأهداف المحددة في خطة التصنيع الدوائي لأفريقيا (PMPA).
- من أجل تهيئة بيئة لإنتاج API وتصنيع الأدوية المحلي في أفريقيا، تعمل مؤسسة التمويل الدولية في العديد من البلدان “لتجميع المكونات اللازمة” لصناعة الأدوية، يتضمن ذلك الشراكة مع شركات الأدوية المحلية والدولية للمشاركة في إنشاء المشاريع، وتطوير مشاريع قابلة للتطبيق.
- أنشأ الاتحاد الأوروبي مبادرة لتصنيع اللقاحات والأدوية والتقنيات الصحية محليًا في أفريقيا تبلغ تكلفتها مليار يورو، لمعالجة الحواجز على جانبي العرض والطلب. مع التركيز على تنمية رأس المال البشري، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي وAfrica CDC’s Partnerships for African Vaccine Manufacturing (PAVM). وتم إطلاقها أبريل الماضي بهدف إنشاء خمسة مراكز لأبحاث اللقاحات وتصنيعها في القارة خلال 10-15 عامًا القادمة، وزيادة حصة اللقاحات المنتجة محليًا لاستخدامها في القارة إلى ما يصل إلى 60% في غضون العشرين عامًا القادمة.[9]
استراتيجيات الحل
على الرغم من أن أفريقيا تحتاج إلى تقليل الاعتماد على الأدوية المستوردة، إلا أنه ليس هناك حاجة لكل دولة أفريقية لإنتاج كل الأدوية والمواد الطبية محليًا، لكن بالاعتماد على الجيران الإقليميين. ويتم تحديد ذلك على أساس نقاط قوة كل دولة؛ ومن ثم تبادل تلك المنتجات فيما بين الدول الأفريقية.
ويمكن كذلك تقديم تسهيلات لشركات الأدوية عبر اتفاقيات لإقامة مصانع في الدول الأفريقية؛ لكن وفق قواعد نقل التكنولوجيا. مع وضع قواعد تنظيمية لضبط سوق الاستيراد للحد من الأدوية المغشوشة. فضلًا عن إحياء منطقة التجارة الأفريقية المشتركة وإزالة الحواجز أمام تصنيع الأدوية في أفريقيا. وكذلك دعم البحث العلمي في الجامعات الأفريقية والمبادرات الخاصة لتصنيع المواد الطبية البسيطة وتطوير البنى التحتية.
[1] Juliette Armelle Kouamo: Africa’s COVID-19 medical supplies trade: January-June 2020, tralac (Cap: Trade Law Centre researchers and Associates, 24th. Nov. 2020)
[2] Statista: Revenue of LEO Pharma from 2009 to 2021 (March, 2022)
[3] Michael Conway, Tania Holt, Adam Sabow, and Irene Yuan Sun: Should sub-Saharan Africa make its own drugs?, McKinsey Health Institute (New York, USA: McKinsey & 10 January, 2019)
[4] Statista, Op., Cit.
[5] Alison Buckholtz: Inside Africa’s Push to Make its Own Medicines, IFC (Washington, D.C. : World Bank, June 2021)
[6] جان بابتيست نيكيما، الطبيب الذي يقود فريق الإمداد بالأدوية في منظمة الصحة العالمية الإقليمية،
[7] Leo Holtz: Figure of the week: Africa’s trade in pharmaceuticals, Brookings (Washington, DC: The Brookings Institution, 9 Dec., 2021)
[8] Landry Signé: Africa must produce its own vaccines, Brookings (Washington, DC: The Brookings Institution, Sep., 2021)
[9] Strengthening Africa’s pharmaceutical industry: learning the lessons from COVID-19 :UNIDO
https://www.unido.org/news/strengthening-africas-pharmaceutical-industry-learning-lessons-covid-19