
بدء موسم حصاد السنابل الذهبية.. نحو مخزون استراتيجي مؤمَّن
في رسالة مطمئنة، أعطى الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم الخميس الإذن ببدء موسم حصاد القمح هذا العام، والذي بسببه أمّنت مصر مخزونها الاستراتيجي، وحمت نفسها من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي أثرت بالسلب على جميع اقتصادات العالم، وانطلاقًا من “توشكى” أرض الأحلام، والمشروع الأكبر من نوعه في قطاع الاستصلاح الزراعي، تؤتى اليوم ثمار هذا المشروع الذي تضاعفت الجهود من أجله، ومن أجل تحقيق الأمن الغذائي لشعب مصر.
الذهب الأصفر من “توشكى” الخير
قام الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم بجولة تفقدية بمنطقة “توشكى” بجنوب الوادي بمحافظة أسوان، ليشهد بدء موسم حصاد القمح بالأراضي الزراعية بمساحة 217.700 فدان من القمح، وبإنتاج 550 ألف طن سنويًا، من خلال المشروع الذي دبت فيه الحياة مرة أخرى بعد فترة من التدهور بفضل المجهودات الجبارة التي قامت بها الدولة المصرية من أجل توفير سبل الدعم لأهم المشروعات القومية.
وهو المشروع الذي بدأ العمل عليه عام 2020 بتكلفة تقريبية بلغت 6.4 مليار جنيه؛ ليعد أحد أهم المشروعات الزراعية لتوفير ملايين المنتجات الزراعية المختلفة للدولة، والذي يسعى إلى تعزيز أهداف التنمية الزراعية عبر إضافة رقع زراعية جديدة لمصر تسهم في زيادة الصادرات الزراعية، بجانب إقامة مجتمعات زراعية وصناعية متكاملة تقوم على استغلال المواد الزراعية الأولية، ثم تمتد لتشمل الصناعات القائمة على الخامات المحلية، والتعدين، وإنتاج الطاقة، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة لتقليل الكثافة السكانية في الوادي والدلتا.
وتمت زراعة 3.65 مليون فدان في موسم 2021/2022، ومن المتوقع أن تكون الإنتاجية 10 مليون طن، وتشير التقديرات لموسم الحصاد لهذا العام إلى أن معدلات الحصاد خلال شهور أبريل ومايو ويونيو ستكون حوالي 17% في شهر أبريل الحالي و75% خلال مايو والمتبقي سيكون في شهر يونيو، وتستهدف جهات التسويق تسليم حوالي من 5.5 إلى 6 مليون طن لصالح وزارة التموين والتجارة الداخلية.
وشهد الرئيس افتتاح عدد من صوامع التخزين الجديدة عبر “الفيديو كونفرانس” في عدد من المحافظات بإجمالي سعة 420 ألف طن، ومنها مجمع الصالحية الجديدة للصوامع في الشرقية بسعة 90 ألف طن، وصومعة قمح عرب العريقات في القليوبية بسعة 90 ألف طن، وصومعة قمح بنى سلامة في الجيزة بسعة 60 ألف طن، وصومعة أبى صوير بالإسماعيلية بسعة 30 ألف طن، وأخيرًا مجمعات الحمام والخارجة وصان الحجر بسعة 150 ألف طن.
جهود الدولة لإنشاء مجتمعات زراعية متكاملة لها مردود وعوائد اقتصادية كبيرة
عملت الدولة المصرية طوال الوقت على دعم الأمن الغذائي، بل وربطته بأنه مسألة “أمن قومي” لا يمكن المساس بها أو التفكير في الاقتراب منها والتأثير عليها، ولهذا قامت بتوفير كافة السبل من أجل احتواء المجتمعات الزراعية وتطويقها بكل ما تحتاجه من آلات ومعدات حديثة وأسمدة، والآلاف من فرص العمل، من أجل هدف واحد، هو إمكانية أن تحقق مصر لنفسها اكتفاءً ذاتيًا، بل وتصدر الفائض عن حاجتها لجميع دول العالم، فضلًا عن بناء نهضة تنموية شاملة، مع الحفاظ على الجودة في المقام الأول.
وعن أهم المشروعات في مجال الاستصلاح الزراعي، نجد أن لدينا مشروع ” توشكى”، ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء، ومشروع الدلتا الجديدة، ومشروع الريف المصري الجديد (1.5 مليون فدان)، ومشروع غرب المنيا، وأخيرًا مشروعات التوسع الأفقي بالوادي الجديد.
وعن مشروع توشكى، نجحت الدولة في إعادة الحياة له عن طريق حل جميع المشاكل التي كانت تحول دون تحقيق أهدافه وتعوقها، وكذلك قامت بتوفير جميع المقومات اللازمة لتكليل ذلك النجاح، وهو الأمر الذي تطلب القيام بحجم أعمال هائل في كافة جوانب ومكونات المشروع للنهوض به سواء على الجانب الإنشائي والبنية الاساسية، أو الفني، أو ما يتعلق بتوفير مياه الري ومصادر الطاقة، وكذلك إنشاء المحاور لربط المشروع بشبكة الطرق القومية، وتوفير الموارد المالية لكل تلك العناصر.
وقد وضعت الدولة المصرية رؤية واضحة ضمن رؤية مصر 2030، واحتوت على أهداف استراتيجية لتدعيم ملف الأمن الغذائي، وتحقيق التنمية المستدامة تمثلت في:
- الحفاظ على الموارد الاقتصادية الزراعية المتاحة وصيانتها وتحسينها وتنميتها.
- تحقيق قدر كبير من الأمن الغذائي وتقليل فجوة الاستيراد.
- إقامة مجتمعات زراعية جديدة متكاملة.
- تدعيم القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية في الأسواق المحلية والدولية.
- توفير فرص العمل خاصة للشباب والمرأة.
- التكيف مع التغيرات المناخية.
- استحداث أصناف ذات إنتاجية عالية مبكرة النضج وقليلة الاحتياج للماء.
- تطوير الممارسات الزراعية المتبعة، وتطوير الميكنة الزراعية ومشروعات الابتكار الزراعي
- اعتماد الخريطة الصنفية للمحاصيل الاستراتيجية.
وفيما يخص تطوير البنية التحتية، فقد عملت الدولة على أهم المشروعات المخصصة لذلك، والتي على رأسها المشروع القومي للصوامع وزيادة السعات التخزينية، والمشروع القومي لإقامة محطات معالجة مياه الصرف الزراعي.
وبهذه المجهودات، أصبح الموقف الراهن يتمثل في وجود محاصيل وسلع حققت بالفعل الاكتفاء الذاتي وبها فائض للتصدير، ووجود محاصيل وسلع قاربت على الاكتفاء الذاتي، وأخيرًا وجود القليل من السلع والمحاصيل التي بها فجوة في التغطية.
” توشكى”.. المشروع الأكبر من نوعه في قطاع الاستصلاح الزراعي
يعرف عن مشروع “توشكى الخير” أنه مشروع متكامل مع مشروعات زراعية كبرى أخرى تقوم الدولة المصرية بتنفيذها في وسط وشمال سيناء والدلتا الجديدة وغيرها، وتحتوي على محاور اقتصادية مهمة للجمهورية الجديدة.
ويمثل هذا المشروع مستقبلًا باهرًا لمصر في مجال الاستثمار الزراعي في الخير والنماء، وخاصة بعد إضافة مساحات زراعية جديدة في الفترات الماضية لزيادة الرقعة الزراعية لتصبح أراضي زراعية جاهزة للاستغلال الأمثل، والتي يمكن أن تحقق طموحات الشباب في توفير فرص عمل حقيقية لهم؛ كون أن السبب الأساسي من إقامة المشروع هو الاستصلاح والاستزراع، وخلق مجتمعات عمرانية جديدة، وتخفيف الضغط على الوادي والدلتا.
وعن الأهمية الاقتصادية لـ “توشكى” التي تولي الدولة المصرية اهتمامًا بالغًا بها الفترة الماضية، فيرجع السبب إلى كونها أحد أهم محاور التنمية الاقتصادية، فبهذا المشروع سيتم توفير خُمس الصادرات السلعية، وسيعمل تحت رايته ربع القوى العاملة في مصر، وبهذا سيسهم بنحو 15% من الإنتاج المحلي.
وعن أهميتها الجغرافية وتأثير ذلك على المحاصيل الزراعية، تتميز منطقة توشكى بمناخ دافئ وجاف مما يساعد على سرعة نضج عدد كبير من السلع الزراعية المهمة في أوقات مبكرة عن مثيلاتها في الدول المجاورة، وهو ما يوفر الوقت ويسهم في زيادة الكميات المزروعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر وزيادة الصادرات بها، وخاصة لك المحاصيل التصديرية للأسواق الأوروبية مثل العنب والكنتالوب والفاصوليا الخضراء.
وكذلك زراعة أنواع مختلفة من المحاصيل الغذائية المهمة مثل: الذرة – الشعير – القمح. وتتم الزراعة على مياه الآبار الجوفية المنتشرة على جانبي ترعة الشيخ زايد محاصيل مثل الكركديه – الفول السوداني- القمح – الموالح، كذلك يُزرع به أكثر من مليون نخلة من أجود أنواع النخيل، وتطمح الدولة في زيادة أشجار النخيل بالمشروع إلى نحو 2.5 مليون نخلة. وكل هذا بالإضافة إلى زراعة المحاصيل التي تصلح كعلف للحيوان مما يؤدى إلى توافر اللحوم الحمراء والألبان وتصنيع منتجاتها.
وعن القمح، بطل قصة اليوم، تتميز المنطقة بإمكانية زراعة القمح، حيث تم البدء به في أكتوبر 2020، بزراعة 30 ألف فدان خلال أول 3 أشهر من بداية المرحلة الأولى، إضافة إلى إنهاء تجهيز حوالي 100 ألف فدان قابلة للزراعة، وجارٍ تجهيز 100 ألف فدان أخرى بنهاية العام الجاري.
ومن هنا، تتضح أهمية مشروع توشكى في إطار شمول التنمية الزراعية، وبناء رؤية جديدة قائمة على تحقيق الأمن الغذائي وتقليل واردات مصر من الغذاء، وتحقيق فائض للتصدير وتوفير فرص عمل، في إطار طموحات الجمهورية الجديدة لعام 2025 بشأن الزراعة.
مخزون مصر الاستراتيجي
أثرت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على الكثير من دول العالم التي كانت تعتمد على كلا البلدين في استيراد بعض السلع الأساسية، ولم يفق العالم بعد من تداعيات جائحة كورونا التي ضربت الأخضر واليابس، ودمرت قلب الاقتصاد العالمي على مدار عامين ماضيين، فمن أزمة جائحة حبست المليارات في منازلهم وأثرت على مستوى معيشة الأفراد، إلى أزمة اضطراب سلاسل إمداد الغذاء العالمية.
ومن هنا، ظهرت الحاجة الماسة إلى مضاعفة الجهود المبذولة من أجل تحقيق الأمن الغذائي لشعب مصر؛ إذ إن مصر كانت تعتمد على البلدين المتقاتلتين وتستورد منهما ما يقرب من 90% من احتياجاتها المستوردة من القمح، متصدرة قائمة الدول العربية التي تستورد القمح الأوكراني والروسي، وبالتالي فإن مصر لها نصيب كبير من تأثير الأزمة عليها، ولهذا، كان لا بد من التفكير سريعًا، وبدقة بدون توقع أي نسب للإخفاق، والتنفيذ بآليات صحيحة، وتلافيًا لأي أزمات مماثلة مستقبليًا، ومن أجل هدف واحد.. المواطن.
وبالفعل، أعدت الحكومة المصرية لهذه الأزمة بشكل جيد، وعملت على تأمين مخزون استراتيجي قوي، فقامت بالتفكير في بدائل أخرى، ووضعت خطة لاستيراد القمح شملت 22 دولة ومنشأ معتمدًا، كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا والأرجنتين، ومؤخرًا انضمت الهند إلى الخطة، لتقدر أن المخزون الاستراتيجي من القمح عام 2022 سيكفي لمدة 9 أشهر، وهذا بدون المحصول الذي يتوقع حصاده بدءًا من اليوم.
ويتوقع أن تجمع الدولة من المزارعين كمية من القمح تصل إلى 6 ملايين طن خلال الموسم الزراعي الحالي، وقد وضعت قرارًا يلزم المزارعين بتوريد ما لا يقل عن 12 إردبًا لكل فدان قمح بدرجة نقاوة لا تقل عن 22.5% قيراط، وسط تأكيدات بأنها ستقف بجانب الفلاح الملتزم الذي سيدعم بلده للعبور من الأزمة الحالية، وذلك عن طريق تقديم حوافز للمزارعين، وتوفير الأسمدة المدعمة للمزارعين، وزيادة عدد نقاط تجميع القمح، والحرص على أن تكون قريبة من الأراضي الزراعية بمختلف الحافظات للتسهيل على الفلاحين، فضلًا عن خفض تكلفة النقل والتوريد.
الأمن الغذائي.. أمن قومي
ملف الأمن الغذائي يشكل أولوية قصوى للدولة المصرية، ومشكلة العجز الغذائي لم تعد تقتصر على كونها مشكلة اقتصادية زراعية فحسب، بل امتدت وتعدت ذلك لتصبح قضية سياسية استراتيجية حساسة ترتبط بالأمن القومي والإقليمي، وأصبح الغذاء سلاحًا استراتيجيًا في أيدي الدول المنتجة والمصدرة له، بل وتضغط به على الدول المستوردة لتحقيق أهداف سياسية، دون الوضع في الاعتبار الأهداف الإنسانية، وقد عملت الحكومة المصرية بجد على مسارات متوازية لتحقيق هذا الهدف، واضعة مصلحة المواطن في نصب أعينها وذلك من خلال:
- إتاحة توفير الغذاء من خلال الإنتاج المحلي والتخزين الاستراتيجي وتأمين مصادر الاستيراد.
- الحرص على أن تكون الأسعار مناسبة وفى متناول الجميع.
- أن يكون المنتج آمنًا وصحيًا.
- الحفاظ على استدامة الموارد المتاحة وتنميتها.
ولكون قطاع الزراعة في مصر أحد الركائز الأساسية للاقتصاد القومي، نظرًا لمساهمته في توفير الغذاء للمواطنين وتوفير المواد الخام اللازمة للصناعات الوطنية، بالإضافة إلى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات السلعية والقوى العاملة، وكونه آلية مهمة في توطين التنمية المتوازنة، ففي أرقام، استعرض وزير الزراعة، الدكتور “السيد القصير” ما وصلت إليه الزراعة المصرية:
- 15% نسبة مساهمة الزراعة المصرية في الناتج المحلي الإجمالي.
- 17% من الصادرات السلعية بقيمة 3 مليار دولار.
- 9.7 مليون فدان، هي المساحة الزراعية في مصر.
- 17.5 مليون فدان، عي المساحة المحصولية في مصر.
ومن جانبه، أكد وزير التموين، الدكتور علي المصيلحي أن توفير السلع الغذائية يشمل ضمان احتياطي لا يقل عن 6 أشهر وزيادة منافذ التوزيع، موضحًا أنه يوجد اكتفاء ذاتي من الأرز، أما عن الاحتياطي فيغطي 6 أشهر، وأكد أن احتياطي القمح في مصر يغطي حتى يناير المقبل، ويتم توفير حوالي 270 مليون رغيف خبز يوميًا رغم كل الظروف العالمية.
وختامًا، جاءت رسالة حصاد القمح اليوم في وقت حرج وحساس لتطمئن المصريين، وتجعلهم يشهدون على العرس الذهبي الذي تلوح سنابله في الأفق من أرض الخير في الجنوب، معلنًا أن هذه هي بداية الحلم المصري بإرادة مصرية صلبة، وبعزيمة لا تقهر، وبسواعد الرجال، وأن القادم يحمل الخير والرخاء لمصر وشعبها.
باحثة بالمرصد المصري