
الإخوان والسودان.. خطوات نحو العودة ومساعٍ لعرقلة المرحلة الانتقالية السودانية
تُمثل خطوة تدشين ائتلاف إخواني جديد في السودان والذي تم الإعلان عنه في التاسع عشر من أبريل الجاري، خطوة حرجة في مسار المرحلة الانتقالية السودانية، ومحاولة لإعادة التواجد والمشاركة في الترتيبات المستقبلية المتعلقة بالعملية السياسية، فقد دشنت عدد 8 تنظيمات إخوانية سودانية تيارًا جديدًا يُعرف باسم “التيار الإسلامي العريض” لكي يكون مظلة جامعة للإسلام السياسي السوداني.
ولعل تلك الخطوة لم تكن وليدة اللحظة الراهنة إذ سبقتها محاولات ثلاثة في الماضي يسعى من خلال جماعة الإخوان لفرض تواجدهم والمزاحمة في المشهد السياسي واقتناص الفرص لإعادة بسط السيطرة على المشهد، مستغلة حالة الاضطرابات والأزمات الداخلية.
“التيار الإسلامي العريض” دوافع متعددة
إن تطورات المشهد السوداني الراهن وحالة السيولة السياسية والأمنية الداخلية في أعقاب التصدعات التي مرٌت بها الخرطوم في أعقاب الحراك الشعبي عام 2019، هيأت المناخ أمام بروز التيار الإسلامي في نمط مستجد، ويتجلى ذلك في الإعلان عن “التيار الإسلامي العريض” الذي يضم عناصر فاعلة من المؤتمر الوطني المنحل في عام 2019 والذي يُمثل الذراع السياسي للإخوان، علاوة على مجموعة أخرى من الأحزاب المتشددة منها حزب دولة القانون والتنمية وهو أحد الأحزاب المتشددة التي تتقارب فكريًا من تنظيم داعش الإرهابي، والحركة الإسلامية، وحركة الإصلاح الآن، ومنبر السلام العادل.
وتضمن الميثاق التأسيسي للتيار الإسلامي العريض أن أولى أولويات التحالف هو العمل على وحدة الصف الإسلامي الذي يعتبر فريضة شرعية وضرورة واقعية وواجبًا متحتمًا لمواجهة التهديدات المختلفة التي تستهدف الهوية والقيم الإسلامية، كما تضمن الميثاق مساعٍ هذا الائتلاف للاصطفاف والعمل على تنزيل قيم الدين على جميع أوجه الحياة في شؤون المعاش والمعاد في شمول وتكامل، والوصول لحالة من حاكمية التنظيم لا الأفراد وهي الضمانة الحقيقة من الانجراف والاستبداد وتنكب الطريق، واللجوء إلى المراجعات لتقديم تجربة إسلامية مستقبلية تصحح الأخطاء وتخطط للمستقبل وتساعد على التوحد، وترسيخ فقه الاختلاف دون أن يؤدي إلى انشقاق أو شرخ في التنظيم، وذلك وفقًا لما جاء في البيان الصادر في الثامن عشر من أبريل 2022.
ويُمثل هذا التحرك بمثابة محاولة لتنظيم الإخوان في إعادة التواجد والحصول على تقبل الشارع السياسي في صورة جديدة، خاصة في ظل التراجع والاندثار المستمر في أعقاب حراك أبريل 2019 ومن ثٌم تراجع تأثير ذلك الفصيل على مستوى الحياة السياسية والاجتماعية، ومن هنا فإن دافع التشكيل يأتي في إطار العمل على تسويق الخطاب الديني مرة أخرى ولكن في صورة مغايرة للماضي لكي يعزز من الاستمرارية وضمان عدم الإطاحة الجذرية بتلك الفصائل السياسية.
ولعل من بين الدوافع الأخرى للتنظيمات الإسلامية هو تحقيق توازن استراتيجي بين المكونات الإسلامية في السودان وبين الأحزاب الأخرى والمكون العسكري، خاصة في ضوء وضعية التوافق الراهن بين المكون العسكري والعديد من المكونات الحزبية للدفع بمسار المرحلة الانتقالية ووضع خارطة توافقية مستقبلية، وهو ما برز من خلال توقيع عدد من الأحزاب على وثيقة توافقية لإدارة الفترة الانتقالية وذلك في التاسع عشر من أبريل 2022.
وهناك تقارير تتناول طرحًا مستجدًا يتمثل في المصالحة السياسية وعقد صفقة بين المكون العسكري وبين تيار الإخوان وتحديدًا أعضاء حزب المؤتمر الوطني في إطار من المصالحة الشاملة والعمل على تحقيق الاستقرار والتماسك الداخلي، ولعل هذا الأمر جاء بالتزامن مع إطلاق سراح الكثير من أعضاء هذا الحزب المنحل في أعقاب إجراءات 25 أكتوبر 2021، وما تبع ذلك من مغازلة للعسكريين من جانب هؤلاء الأعضاء وكان على رأسهم “إبراهيم غندور” الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني المعزول، والذي وصٌف الإجراءات التي اتخذها الفريق عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر بأنها خطوات تصحيحية لمسار المرحلة الانتقالية، وتستغل جماعة الإخوان هذا التأزم بين المكون العسكري وتحالف الحرية والتغيير للقيام بدور المرجعية السياسية المدنية لمجلس السيادة السوداني.
أدوات وسياقات متباينة
إن وضعية التحالفات والاستقطابات التي تنخرط جماعة الإخوان بها كما هو الحال بالنسبة التيار الإسلامي العريض، هي واحدة من بين الأدوات التي تعتمد عليها تلك الجماعات في إيجاد دورًا في المشهد السياسي، خاصة في ضوء الجهود التي تقوم بها اللجنة الوطنية لتفكيك بنية التنظيم الإسلامي في السودان سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وإعلاميًا.
ولعل تلك الأدوات كان هي المحرك الأساسي للشارع السوداني، فقد لعبت الجماعات الإسلامية ليس فقط على إرباك المشهد عبر التصدعات التي وقعت بين المكون المدني والعسكري، بل كانت محركًا رئيسًا للتظاهرات التي لا تزال تشهدها السودان، وكان لها دور كبير في تفاقم الأوضاع في منطقة شرق السودان والتي جاء على إثرها تطورات في مسار المرحلة الانتقالية.
وبالنظر إلى المشهد العام في السودان نجد أن تلك المبادرة الإخوانية تأتي في إطار سياق متخبط ما بين تعددية التكتلات السياسية والائتلافات المختلفة بأطروحات متباينة حيال المرحلة الانتقالية، على سبيل المثال وليس الحصر، توقيع كل من حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي “الأصل”، ومجموعة الميثاق الوطني والجبهة الثورية وأطراف عملية السلام الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، على وثيقة توافقية من أجل إدارة المرحلة الانتقالية، وذلك لدعم الشراكة بين المكون المدني والعسكري وأطراف العملية السلمية لإدارة المرحلة الانتقالية مع تحديد مهام وصلاحيات وسلطات لكل أجهزة الفترة الانتقالية، كما تضمنت تلك الوثيقة توسيع دائرة المشاركة السياسية لكافة المكونات في الفترة الراهنة باستثناء حزب المؤتمر الوطني، مع العمل على صياغة وثيقة دستورية توافقية جديدة لمطلوبات الفترة الانتقالية وتمديد الفترة الانتقالية لتسعة أشهر إضافية لتنتهي بإجراء انتخابات في مايو 2024.
وفي التقدير؛ هناك مساومة سياسية تتم داخل السودان من أجل الخروج من المأزق السياسي الذي تشهده البلاد، وربما هناك رغبة في إيجاد بديل لتحالف الحرية والتغير، بما يفضي في نهاية المطاف لخلق كتلة مدنية جامعة للأطياف المختلفة سواء الإسلامية أو دونها من أجل دعم المرحلة الانتقالية وصولًا لانتقال سلمي للسلطة عبر الانتخابات.