
“حقل الدٌرَة”: رياح الحرب الأوكرانية تثير صراع النفط والسياسة بين الخليج وإيران
أصدرت السعودية والكويت بيانًا جددتا فيه الدعوة لإيران للتفاوض حول ترسيم الحدود الشرقية للمناطق المتنازع عليها في الخليج بين الدول الثلاث، في تأكيد على أن كلا البلدين من حقهما العمل على استغلال الثروات الطبيعية في تلك المنطقة، حيث ينصب الاهتمام السعودي – الكويتي على تطوير حقل الدرة للغاز الطبيعي والذي يمتلك مخزونًا استراتيجيًا يتوقع أن يصل إلى مليار قدم مكعبة يوميًا، إضافة إلى 84 ألف برميل من المكثفات.
فيما يتوقع أن كميات الغاز الإجمالية التي يمكن استخراجها من الحقل تصل إلى 220 مليار متر مكعب، مما جعله محل خلافات تتجدد بين بين الدول الثلاثة “السعودية – الكويت- إيران” حيث رفضت طهران الاتفاق الذي تم توقيعه بين الكويت والسعودية مؤخرًا لتطوير الحقل، ولكنها أيدت الدخول في مفاوضات مع الكويت لترسيم حدود الجرف القاري ثم بدء مفاوضات ثلاثية بعد ذلك.
وبالعودة إلى الاتفاق الذي تم توقيعه بين السعودية والكويت لتطوير واستغلال حقل الدرة، فستعمل على تطويره من الكويت شركة عمليات الخفجي المشتركة، وهي مشروع مشترك بين شركه أرامكو لأعمال الخليج والشركة الكويتية لنفط الخليج. وقد ردت الخارجية الإيرانية فورًا عبر تغريدات لها على موقع تويتر مؤكدة أن حقل آرش (وفق التسمية الايرانية) هو حقل مشترك بين دول إيران والكويت والسعودية، وشددت على أن “هناك أجزاء منه في نطاق مياه متنازع عليها بين إيران والكويت”.
وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، في تصريح له “وفقا للأعراف الدولية، فإن أي خطوة للاستثمار والتطوير في هذا الحقل يجب أن تكون بالتنسيق والتعاون بين الدول الثلاث”. بل أن وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، أعلن في تغريدة على تويتر، أن بلاده ستستكمل دراسات شاملة في حقل آراش، تمهيدًا لبدء تركيب منصات حفر والقيام بدراسات زلزالية. وقال “إن التصرف من طرف واحد (يقصد السعودية والكويت) بشأن الحقل لن يمنعنا من تطبيق خطتنا”.
وكانت الكويت عبرت على لسان وزير خارجيتها، أحمد الصباح، عن رفضها التصريحات الإيرانية بخصوص حقل الدرة، وقال الصباح “إيران ليست طرفًا في حقل الدرة فهو حقل كويتي سعودي خالص”، وذلك وفقًا للقانون الدولي وقواعد ترسيم الحدود البحرية. صحيح أن الكويت تعترف أن بعض مخزون الغاز لديها يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها مع إيران، إلا أن حقل الدرة لا يدخل في ذلك النطاق.
ورغم أن هذه الأزمة ليست جديدة، إلا أن المختلف في عودتها إلى السطح مرة أخرى هو التوقيت الذي يشهد من الأساس توترات بين إيران ودول الخليج مجتمعة لأسباب متعددة يمكن توضيحها كالتالي:
– الخلافات الحادة بين السعودية والإمارات من جهة وإيران من الجهة الأخرى بعد تصاعد هجمات الحوثي سواء على الإمارات بعد استهداف منطقة مصفح الصناعية عقب نجاح التحالف في تحرير بعض المناطق في اليمن منها البيضاء وشبوة، وكذلك تكرار الهجمات على المنشآت النفطية في السعودية دون أن تتخذ الولايات المتحدة “الحليف الأمني الاستراتيجي” للخليج أي إجراء رادع لجماعة الحوثي المدعومة من إيران.
– اقتراب الخروج باتفاق نووي من فيينا يثير لدى دول الخليج مزيجًا من المخاوف المتنامية من إيران والشكوك في توجهات الولايات المتحدة ناحية استمرارية التحالف الأمني العريق بينها وبين دول الخليج؛ فمن زاوية ترى العواصم الخليجية أن توقيع اتفاق مع إيران يعني تخفيف العقوبات عليها وبالتالي ستمتلك سيولة مالية أضخم تمول بها ميليشياتها وعلى رأسها ميليشيا الحوثي.
ومن جانب آخر فإن حالة اللهاث الأمريكي وراء الخروج بصفقة مع إيران توحي بأمرين: الأول أنها لا تكترث لتخوفات حلفائها وأنها تضرب بعرض الحائط ما تقوم به ميليشيا الحوثي من استهداف للمصالح والمدنيين في الإمارات والسعودية، أما الأمر الآخر فهو أن واشنطن لا تمانع تقديم التنازلات حتى وإن وصلت إلى رفع الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب، أو على أحسن تقدير رفع الحرس والإبقاء على فيلق القدس في قوائم الإرهاب، وهذا النوع من التنازلات مقلق لأي حليف لأنه يوحي بأن الوصول لاتفاق مع إيران ليس له سقف في تقديم التنازلات الغربية.
– تمكُّن إيران من امتلاك سلاح نووي -وقد اقتربت من ذلك- يشكل خطرًا متزايدًا على دول الخليج، لأن أيًا من العواصم الخليجية لا تمتلك سلاحًا نوويًا ولا حتى في طريقها للحصول عليه، مما يجعل توازن القوى القائم على الردع غير قائم في الحالة الخليجية- الإيرانية.
– ومن هنا، فإن تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران والذي جرى بشأنه عدد من جلسات الحوار بات مستحيلًا؛ ليس فقط بسبب الخلافات المباشرة بين البلدين، ولكن هناك صراع دائر بالوكالة في لبنان الذي تسيطر إيران على مفاصله من خلال حزب الله.
خلية حزب الله في الكويت
– بجانب أن الحرب الروسية-الأوكرانية وما نجم عنها من هزات في أسواق الطاقة العالمية شجعت المملكة العربية السعودية بوصفها أحد الفواعل الأساسيين في منظمة أوبك على اللعب بورقة الطاقة كوسيلة للضغط حين رفضت رفع إنتاجها عن المقرر في اتفاقها مع المنظمة لتعويض النقص في المعروض نتيجة الحظر المفروض على مصادر الطاقة الروسية، وعمدت السعودية إلى تعميق تحالفها مع الصين، بل أن بعض الأنباء تداولت أن الرياض قررت بيع الصين النفط باليوان الصيني في انقلاب على نظام الدولرة. ولا شك أن تمكن الرياض من وضع يدها على إنتاج ضخم كحجم إنتاج حقل الدرة في هذا التوقيت يعطيها المزيد من المزايا النسبية في التحكم في سوق الطاقة ومواجهة تخاذل الحليف الأمريكي.
– إعلان السعودية والكويت عن البدء في استغلال المخزون الاستراتيجي لحقل الدرة يفتح جبهة جديدة لإيران، خصوصًا أنه مع ارتفاع أسعار الطاقة منذ اندلاع الحرب والبحث عن مخزونات بديلة فُتحت شهية إيران لاستغلال إنتاج الحقل، لأنه في حال إذا تم التوصل لاتفاق نووي فإن طهران سيسمح لها بتصدير النفط والغاز لتعويض المفقود في سوق الطاقة، ويفسر ذلك رغبة طهران في البدء في استغلال المخزون الاستراتيجي للحقل لتعظيم مكاسبها فيما بعد.
– وعلى الجانب الآخر، تسعى إيران إلى الضغط على الكويت والسعودية بورقة حقل الدرة والمفاوضات الدائرة حوله وترويج الأنباء الكاذبة حول تمكنها من السيطرة على الحقل عسكريًا لإحراج تلك الأنظمة أمام شعوبها، وبما يؤدي ذلك إلى تليين موقفها مع الحليف الأمريكي بشأن التوصل إلى اتفاق في فيينا.
– مع الأخذ بالحسبان هنا أن إيران تحتل من الأساس ثلاث جزر إماراتية وهي طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، ورغم أن هذه الجزر ليست كبيرة من حيث المساحة إلا أنها تمثل أهمية استراتيجية لأنها تشرف على مضيق هرمز الذي يمر عبره حوالي 40% من إنتاج النفط العالمي. وإضافة إلى ذلك فإن جزيرة أبو موسى تتمتع بمخزون من المعادن لفت أنظار طهران لاحتلالها قبل إعلان الإمارات استقلالها عن بريطانيا بيومين فقط، فضلًا عن أن الجزر الثلاث تتميز بسواحل عميقة مما يجعل منها مراسي مهمة، وتتخذ طهران موقفًا عدائيًا من النظام الحاكم في المملكة البحرينية، وتستغل العوامل المذهبية، ومن ثم فإن إحراج الأنظمة الحاكمة في دول الخليج هدف أساسي للسياسة الإيرانية. ويمكن اختتام كل ما تقدم بأن إيران ومنذ اندلاع الثورة الإسلامية في 1979 وهي تسعى إلى تصديرها لمحيطها الإقليمي، ولذلك فإن نواياها السياسية تشكل خطرًا حقيقيًا على استقرار أنظمة الحكم في الخليج.
ومن هنا يمكن الإشارة إلى أن وصول السعودية والكويت أولًا إلى المخزون يعني التوسع في الاعتماد على الطاقة والاستثمار فيها، خصوصًا أن هذا الحقل ونظرًا لكونه مكتشفًا منذ ستينيات القرن الماضي سيدخل حيز الإنتاج مباشرة، فهو لا يحتاج لمدة ستة أشهر كما هو الحال في الحقول المكتشفة حديثَا. وإضافة إلى المكاسب الاقتصادية التي ستحققها الرياض والكويت من حقل الدرة، فإن الأمر مرتبط أيضًا بالتناحر السياسي الذي تتعدد أسبابه بين إيران والسعودية وتقل مع الكويت في عددها ولكن ليس في تأثيرها- خصوصًا بعد الخلية الإرهابية التي كشف عنها الجهاز الأمني في الكويت والتي تتبع لحزب الله الممول من إيران خلال العام الماضي.
باحث أول بالمرصد المصري