
زيارة صينية مفاجئة للهند: السياق والأهداف والنتائج
في الرابع والعشرين من مارس، توجه وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” في زيارة مفاجئة للهند هي الأولى لمسؤول رفيع المستوى منذ بدء المناوشات الحدودية بين البلدين في عام 2020، ورغم أنه كان هناك اقتراحًا صينيًا بزيارة الهند خلال جولة “وانغ” بين باكستان ونيبال في تلك الفترة، لم يكن هناك تعليق رسمي سواء من الصين أو الهند.
سياق الزيارة
تأتي الزيارة –التي التقى فيها بوزير الشؤون الخارجية الهندي “إس . جايشانكار”- بعد أن أرسل رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” تعازيه للشعب الصيني بعد تحطم الرحلة إم يو 5735 في جنوب الصين في 22 مارس وفقد جميع ركابها البالغ عددهم 132 راكبًا وطاقمها، بالإضافة إلى وصول عدد التطبيقات الصينية التي منعتها الهند إلى 231 تطبيقًا لأنها تشكل تهديدًا لأمن الهند، كما أن هناك:
اجتماع منظمة التعاون الإسلامي: تأتي زيارة “وانغ” لنيودلهي بعد يوم واحد من تصريحاته بشأن جامو وكشمير في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد، التي أثارت غضب نيودلهي، إذ أعلن “وانغ” مشاركة بكين لموقف المنظمة تجاه إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، حيث تتبنى المنظمة منطقًا أن مصير المنطقة ذات الأغلبية المسلمة يقرره سكانها، وهو ما اعتبرته الهند نهجًا استفزازيًا، وجاء ردها بأن الأمور المتعلقة بإقليم جامو وكشمير هي شؤون داخلية هندية بالكامل. لكن ذلك لم يمنع الطرفين خلال الزيارة من إجراء محادثات استمرت حوالي ثلاث ساعات.
الحرب الأوكرانية الروسية: من الخلفية، قد تكون تطورات الأزمة الأوكرانية أحد دوافع تلك الزيارة ومناقشة وجهة نظر كلتا الدولتين حول تطورات الأحداث في أوكرانيا، حيث تجد الهند والصين نفسيهما على خلاف مع نظام العقوبات الغربية الذي يهدد بعزل روسيا وتقسيم المعاملات المالية العالمية إلى جزء يدار بالدولار وجزء بغير الدولار. كما أن هناك تقاربًا في موقف كلتا الدولتين تجاه الحرب، حيث امتنع الطرفان عن التصويت على مشروع قرار للأمم المتحدة يدعو “بوتين” إلى سحب القوات من أوكرانيا.
من جانب آخر، كانت الحرب الأوكرانية الروسية فرصة لبدء الحوار مع الهند، إذ راقبت الصين بعناية تصرفات نيودلهي بشأن الأزمة، كما أن وجود الهند في قمة “بريكس” القادمة –بحضور “بوتين”- سيعني دعمها لروسيا في ظل الإدانات العلمية لحربها في أوكرانيا، وسيعكس بشكل كبير اعتمادها على روسيا في المعدات العسكرية. وهو ما جعل الهند على خلاف مع الديمقراطيات الكبرى خاصةً أعضاء الحوار الأمني الرباعي، فقد أشار الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى أن موقف الهند يعد هشّا مقارنةً ببقية دول المجموعة، ومارست كلا من أستراليا واليابان ضغوطًا على الهند بشأن تلك القضية في اللقاءات التي جمعتهم مؤخرًا.
المفاوضات الحدودية: مثّلت المناوشات الحدودية نقطة تحول بين البلدين، فقد دفعت الهند للرد بإجراءات اقتصادية، بما في ذلك تعطيل بعض الواردات واستمرار الحظر على التطبيقات المملوكة للصين مثل تيك توك، وهو ما جعل من أبرز نقاط اللقاء مناقشة العلاقات الثنائية التي تعطلت بسبب المواجهة على حدود لاداخ، بجانب دفع عملية فك الارتباط على خط السيطرة الفعلي. لكن تمت الإشارة إلى أن وتيرة العمل تسير بوتيرة أبطأ مما هو مرغوب، فقد أجريت 15 جولة من المحادثات الحدودية كان آخرها في 11 مارس 2022، وثماني جولات من اجتماعات آلية العمل الخاصة للتشاور والتنسيق بشأن الهند والصين، لكنها لم تحرز سوى تقدم تدريجي عبر الموافقة على سحب القوات من ثلاث نقاط احتكاك، لكن لا يزال الجنود والمعدات العسكرية منتشرين في مواقع أخرى.
جدير بالذكر أنه قد تم التوصل لاتفاق من خمس نقاط لحل الخلاف الحدودي في سبتمبر 2020 في موسكو على هامش اجتماع لمنظمة شنغهاي للتعاون. تضمنت الاتفاقية تدابير مثل فك الاشتباك السريع للقوات، وتجنب الإجراءات التي يمكن أن تصعد التوتر، والالتزام بجميع الاتفاقات والبروتوكولات الخاصة بإدارة الحدود وخطوات استعادة السلام على طول خط السيطرة الفعلي.
رغم ذلك، لم تخرج زيارة “وانغ” بأية اقتراحات بخصوص آلية أو صياغة جديدة لكسر الجمود في تلك المحادثات، بل تم التأكيد على أن الهند يجب أن تضع الخلافات حول قضية الحدود في المكان المناسب في العلاقات الثنائية، وإحياء المحادثات الثنائية حول جميع القضايا، وتطوير رؤية طويلة الأجل بين البلدين والتعاون في الأطر متعددة الأطراف مثل قمة “بريكس” في الصين وقمتي منظمة شنغهاي ومجموعة العشرين العام المقبل في الهند.
أهداف الزيارة
عودة العلاقات: ترغب الصين من تلك الزيارة إرسال إشارة للهند مفادها أن بكين تريد إحياء العلاقات الثنائية لما قبل عام 2020، بجانب دعوتها لزيارة الصين، واقتراح سلسلة زيارات لمسؤولين صينيين رفيعي المستوى، وإجراء محادثات بشأن منتدى التعاون والاستثمار بين الهند والصين. كما حملت الزيارة دعوات لحوار الحضارة بين الهند والصين، ومنتدى الأفلام الهندية والصينية لتعزيز العلاقات بين البلدين، كما تمت إثارة قضية الطلاب الهنود الذين يدرسون في الصين والذين يواجهون مشاكل في العودة بسبب قيود جائحة كورونا.
بالإضافة إلى ما ذكره “وانغ” بأن بكين ترحب بتنمية الهند وتدعم قيامها بدور أكثر أهمية في الشؤون الدولية لأن الصين لا تسعى أن تكون آسيا أحادية القطب، لذا يجب على الجانبين إرسال رسائل إيجابية لدعم التعددية وتحسين الحوكمة العالمية. كما سبق أن أشار – هامش الدورة الخامسة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني الثالث عشر- إلى أن أكبر دولتين في آسيا يجب أن تساعد كلا الأخرى في تحقيق الأهداف، بدلا من استنزاف طاقات بعضهما البعض، واعتبر أن هناك بعض القوى –في إشارة غير مباشرة للولايات المتحدة- تحاول إثارة الصراع بين البلدين.
لكن الهند لا تزال ترى أن تلك الزيارة لن تجعل العلاقات طبيعية ما دامت القوات متواجدة على الحدود، إذ أشار وزير الشؤون الخارجية الهندي إلى أن الحدود يجب أن تكون منزوعة السلاح تمامًا لاستئناف العلاقات الطبيعية مع بكين، بالإضافة إلى أنها ستأخذ وقتها لتحديد شروط علاقة جديدة مع الصين.
التمهيد لقمة “بريكس”: استُخدمت قمة مجموعة “بريكس” 2017 أيضًا لحل المواجهة الحدودية، ويمكن أن تعني الزيارة أن بكين تريد تسوية القضية الحدودية قبل تلك القمة في الصين المزمع انعقادها خلال هذا العام ومن المقرر أن يحضرها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”. وقد يكون على هامش القمة لقاء خاص مع رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، بما يعني دفع نيودلهي إلى جبهة موحدة مع الصين وروسيا.
إظهار قوة الصين الإقليمية: تعبر الجولة التي قام بها وزير الخارجية الصيني عن مساعٍ لإظهار دور الصين الهام في التوسط بين الأطراف الإقليمية، بجانب التواجد في القضايا الإقليمية المهمة مثل التنسيق حول الوضع في أفغانستان مع دول الجوار. كما أن استنزاف الحرب الأوكرانية للقوة العسكرية والاقتصادية لكل من روسيا والغرب قد وفر فرصةً استراتيجية للصين لتأكيد مكانتها والمنافسة على النفوذ الدبلوماسي.
نتائج الزيارة
تنسيق هندي مع أستراليا واليابان: يعد من أهم نتائج الزيارة الصينية، هو توجه كل من أستراليا واليابان للتنسيق مع الهند، فقد أقيمت قمة افتراضية بين رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” ونظيره الأسترالي “سكوت موريسون” لمناقشة طبيعة الموقف الهند تجاه العلاقات مع الصين، وأكد “مودي” على أن السلام والهدوء في المنطقة شرط أساسي لتطبيع العلاقات بين الهند والصين. ولم تختلف نقاط النقاش تلك عما دار في القمة الهندية اليابانية الرابعة عشرة.
تحذير أمريكي للهند: في ظل التوقعات بحضور الهند لقمة “بريكس”، وبعد زيارة وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” لنيودلهي سعيًا لإقناعها بعدم الرضوخ للضغط الغربي لإدانة موسكو في الحرب، واجهت الهند تحذيرًا أمريكيًا للتخلي عن علاقتها الدفاعية والنفطية مع روسيا، خاصةً بعد سعي كل من الهند وروسيا لوضع آلية دفع بالروبل والروبية لتسهيل المبادلات التجارية. وأشار “داليب سينغ” كبير مخططي العقوبات في واشنطن إلى أن الهند لا يمكنها الاعتماد على روسيا طويلًا خاصةً في حالة وقوع اشتباك آخر بين الهند والصين، وقال إن الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة الهند على تنويع مصادرها من الطاقة والدفاع.
مظاهرات في التبت: أثارت الزيارة احتجاجات من قبل التبتيين، بينما حث نواب حكومة التبت في المنفى الهند على تشجيع بكين على استئناف الحوار مع الدالاي لاما.
مما سبق تتضح مساعي الصين لاستغلال الفرص التي تفرضها التطورات الجارية على الساحة الدولية جراء الحرب الأوكرانية الروسية، حيث الجولات الإقليمية وتشجيع الأطراف المختلفة على تحسين علاقتهم مع بكين. وإن زيارتها للهند قد تكون خطوةً إما لتحييد القوى الكبرى في التحالفات المضادة لها في محيطها الحيوي، أو محاولة لجذب نيودلهي في صفها للحفاظ على التعاون بينهما في الأطر متعددة الأطراف.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية