
ماذا تعني الحرب الروسية الأوكرانية لمنطقة القرن الإفريقي؟
منطقة القرن الإفريقي بعيدة جغرافيًا عن الحرب الروسية الأوكرانية المُشتعلة في شرق أوروبا منذ نهاية فبراير الماضي 2022، ولكن تداعيات الحرب قد طالت المنطقة، وقد اتضح ذلك جليًا في تفاقم مشكلة الأمن الغذائي؛ إذ يعاني القرن الإفريقي قبيل اندلاع الحرب من تدهور الأمن الغذائي جراء التغير المناخي، وندرة الموارد الطبيعية واندلاع الصراعات، وقد جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد الأمر سوءًا في المنطقة خاصة فيما يتعلق بعدم توافر احتياجاتها الغذائية الرئيسة التي تعتمد على الحبوب المستوردة من منطقة الحرب.
وتهدف هذه الورقة إلى تناول الأسباب المُحفزة لمشكلة الأمن الغذائي في منطقة القرن الإفريقي، وكذلك استعراض تبعات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي في المنطقة.
أزمة الغذاء في القرن الإفريقي
تعاني منطقة القرن الإفريقي من تحديات فيما يتعلق بالأمن الغذائي، فهناك العديد من العوامل الداخلية التي تُحفز تدهور الأمن الغذائي في منطقة القرن الإفريقي، ويمكن توضيحها على النحو التالي:
- الظروف الطبيعية:
تغير المناخ: إذ تتعرض المنطقة لظروف مناخية متطرّفة تتمثل في تراجع معدل تساقط الأمطار السنوي لفترة زمنية طويلة، هو ما يُعرف بالجفاف، ويؤدي ذلك إلى تضرر المحاصيل الزراعية في المناطق التي لا تُسقى بواسطة الري، ونفوق الماشية، وكذلك حدوث مجاعة تشمل نقص شديد في الكميات المعروضة من السلع الغذائية، وعدم تمكن عدد كبير من الأشخاص من الحصول على الغذاء الكافي، وهو ما يؤدي إلى سوء تغذية على نطاق واسع، وارتفاع كبير في معدلات الوفيات. ويواجه 13 مليون شخص في القرن الإفريقي خطر مجاعة شديدة، بسب أسوا موجة جفاف مرت على المنطقة، وذلك بحسب برنامج الغذاء العالمي الذي يرصد تفاقم حالة الجفاف نتيجة تراجع معدلات هطول الأمطار في كينيا والصومال وإثيوبيا، وهو ما أدى إلى تلف المحاصيل وتزايد حالات الوفاة من الجوع.
- أزمة الجراد الصحراوي: في عامي 2020 و2021، تعرضت منطقة القرن الإفريقي لهجوم عنيف من أسراب الجراد الصحراوي، وهو ما أدى إلى تدمير المحاصيل الزراعية بوتيرة هائلة، ونقص المعروض من السلع الغذائية، وحدوث تفاقم في سوء التغذية والجوع في بلدان المنطقة.
ب-اندلاع الصراعات الداخلية:
لا يمكن إرجاع تدهور الأمن الغذائي في منطقة القرن الإفريقي إلى الظروف الطبيعية، فعلينا أن نضيف جانبًا آخر مُتمثلًا في الصراعات داخل دول المنطقة، وهو ما يؤدي إلى تصاعد تدهور الأمن الغذائي، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
- إثيوبيا: تسبب كل من الجفاف والحرب التي اندلعت بين جبهة تحرير تيجراي الشعبية والحكومة الفيدرالية الإثيوبية في منطقة تيجراي الشمالية بإثيوبيا في أواخر عام 2020، في اضطرار ملايين الإثيوبيين للنزوح داخليًا في إثيوبيا هربًا من الحرب والجفاف، ويُقدر عددهم بنحو 5.8 مليون شخص، ويعيش أغلبهم في مخيمات تفتقر إلى الخدمات الأساسية، وذلك بسبب قيام الحكومة الإثيوبية بفرض قيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة لأكثر من عام.
- الصومال: تتسم الأوضاع السياسية في الصومال بعدم الاستقرار لتعثر المسار الانتخابي، وتتزايد التهديدات الأمنية لاستغلال الحركات الإرهابية، وعلى رأسها “حركة الشباب الإرهابية”، الأزمة السياسية في الصومال بوصفها فرصة لشن هجمات إرهابية، وهو ما يدفع السكان إلى مغادرة منازلهم. ويُمكن القول إن هشاشة الحكومة الصومالية في التعامل مع الأوضاع الأمنية المضطربة في الصومال، بالإضافة إلى تفاقم موجة الجفاف التي تتعرض لها الصومال، وارتفاع أسعار السلع الغذائية يؤدي إلى تعرض 4.3 مليون شخص للجوع، ونجد أن انعدام الأمن الغذائي مُحفز للتنافس على أراضي الرعي الشحيحة والحصول على المياه.
- كينيا: أدى الجفاف إلى تزايد خطر اندلاع الصراعات بين المجتمعات المحلية؛ إذ تتصارع المجتمعات الزراعية والمجتمعات الرعوية على الموارد الطبيعية التي تتسم بالندرة كالمياه والمراعي. وقد تم إعلان حالة الطوارئ في جنوب شرقي وشمال كينيا في سبتمبر 2021؛ نظرًا لتزايد موجة الجفاف التي أدت إلى مُعاناة 2.8 مليون شخص من الجوع، ونجد أن الثروة الحيوانية في كينيا قد تضررت بفعل الجفاف، فقد مات 1.4 مليون رأس من الماشية.
تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على منطقة القرن الإفريقي
هذا الجزء من التقرير يتناول تأثير العامل الخارجي المُتمثل في اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في تفاقم ندرة الغذاء في منطقة القرن الإفريقي التي يعاني فيها ملايين الأشخاص بالفعل من الجوع الشديد، ويُمكن استعراض تداعيات هذه الحرب على المنطقة على النحو التالي:
أ- التداعيات الاقتصادية: نجم عن الأزمة الروسية الأوكرانية عدد من التداعيات الاقتصادية، ويمكن تناولها على النحو التالي:
- تفاقم أزمة الجوع وتهديد الأمن الغذائي في دول القرن الإفريقي: تعتمد دول المنطقة في تأمين معظم احتياجاتها وغذائها على الاستيراد بنسب عالية، ونجد أن هناك نقصًا متوقعًا لإمدادات الأغذية عالميًا، مع تخزين الدول المصدرة لها تحسبًا لنقصٍ حادّ فيها.
- ارتفاع معدلات التضخم: يتمثل ذلك في زيادات في أسعار المواد الغذائية الأساسية، نتيجة عدم كفاية الكميات المعروضة من السلع الغذائية لاحتياجات المستهلكين.
- اضطراب سلاسل توريد الأغذية: وقد اتضح ذلك في معاناة دول المنطقة من نقص في سلاسل توريد الأغذية وارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الغذائية، خاصة القمح؛ إذ تُمثل روسيا وأوكرانيا حوالي ربع صادرات القمح العالمية، ويتم توريد حوالي 90٪ من القمح المستورد من شرق إفريقيا، وارتفعت أسعار القمح بنسبة 80٪ منذ الغزو. ومن المتوقع حدوث مزيد من الزيادات في الأسعار، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التدهور في الأمن الغذائي في الصومال وإثيوبيا وكينيا.
- التداعيات السياسية:
- تراجع القرن الإفريقي في بؤرة اهتمام الجهات المانحة الدولية: نجد أن الأولوية لدى الجهات الدولية المانحة في التوقيت الحالي توجيه المساعدات الإنسانية لضحايا الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يأتي على حساب المساعدات المُوجهة لمنطقة القرن الإفريقي. ونجد أن برنامج الأغذية العالمي، ووكالات المعونة الأخرى تعاني من تحدي الارتفاع الكبير في الأسعار؛ إذ لم تعد ميزانياتهم تغطي ما كانت تغطيه من قبل من نفقات، وبالتالي لا يستطيعون تقديم مساعدات إنسانية سوى لعدد أقل بكثير من المحتاجين، وهو ما يعني تزايد أعداد الذين يموتون جوعًا في منطقة القرن الإفريقي.
- تزايد فرص اندلاع الصراعات: من المُحتمل أن تشهد دول المنطقة المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي، وذلك في ضوء أن تدهور الأمن الغذائي مُحفز قوي لاندلاع الصراعات التي قد تمتد إلى نشوب حرب أهلية، حيث يتنافس الناس على الحصول على المياه والأراضي الصالحة للزراعة.
ج- التداعيات الاجتماعية: تتسبب تفاقم الأزمة الغذائية في إرغام ملايين العائلات المُقيمة في المناطق الريفية في كينيا والصومال وإثيوبيا على ترك منازلهم، ونجد أن هناك انعكاسات سلبية تحدث عند النزوح للبحث عن سبل العيش؛ إذ إن هناك تهديدات تواجه النساء في القرن الإفريقي عند النزوح من مكان لآخر، تتمثل في تزايد احتمال تعرضهن للخطف والتحرش.
وفي الختام، يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تُحفز استمرار أزمة الغذاء في منطقة القرن الإفريقي، فضلًا عن أن إطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية ستنعكس سلبًا على المنطقة؛ إذ ستؤدي إلى زيادة حدة أزمة الأمن الغذائي وزيادة عدد حالات الوفيات بسبب الجوع.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية