
الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة.. تطوير ضروري لمجهودات الأمن المدني
اجتمع السيد الرئيس في الرابع من أبريل الجاري مع عدد من كبار المسؤولين بالدولة؛ وذلك لمتابعة الموقف التنفيذي لإنشاء الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة، والتي يجري إعدادها حاليًا كي تكون مظلة لكافة عناصر الطوارئ والمرافق الحيوية بعموم البلاد، مثل هيئات الإسعاف الطبي، ومؤسسات الرعاية الصحية من المستشفيات العامة والخاصة، وخدمات النجدة المرورية والحماية المدنية، بالإضافة خدمات الطوارئ بقطاعات البترول والكهرباء والنقل النهري والبحري والجوي.
ويعد هذا الاجتماع هو الرابع من نوعه على مدار عامين، حيث سبقه اجتماع في الخامس من يوليو 2020 والذي اطلعت القيادة خلاله على أولى خطوات إنشاء تلك المنظومة، ثم تلاه اجتماعان في الثامن من سبتمبر من ذات العام، والسابع والعشرين من يوليو من العام التالي 2021م، واللذين استعُرض خلالهما كل من مؤشرات النجاح والمعوقات التي تم ملاحظتها أثناء التجربة العملية لتفعيل الشبكة بمحافظة بورسعيد. ولقد أجرت الحكومة المصرية من جانبها العديد من الاجتماعات المماثلة؛ بهدف بلورة أفضل نموذج ممكن لتلك الشبكة الجديدة، وذلك بعد دراسة المعايير المتبعة بعدد من النماذج العالمية المماثلة، وبالإضافة إلى تحديد احتياجات مجال الطوارئ في مختلف المحافظات المصرية.
مجهودات متواصلة لتطوير خدمات الطوارئ
تعد منظومات الطوارئ في مصر على اختلاف قطاعاتها من أكبر المنظومات على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، ويرجع التطور الكبير لتلك المنظومات إلى اهتمام وحرص الحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنين على رفع كفاءتها وتقويتها، وذلك لخدمة أعداد السكان المتنامية في كل انحاء القطر المصري. ولقد انتبهت الدولة المصرية منذ عام 2014 إلى ضرورة بذل مجهودات مضاعفة في عملية تطوير مرافق الطوارئ، في محاولة جادة لتعويض التأخر الذي سببته السنوات القليلة السابقة بداية من 2011، والتي تراجعت خلالها كافة عمليات التطوير بخدمات الطوارئ تبعًا للتوتر الشديد الذي شهدته الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية بالبلاد.
ويعد مرفقا الإسعاف والحماية المدنية من أبرز الأمثلة على ذلك، حيث جرى رفع كفاءة كليهما إلى درجات غير مسبوقة، وهو ما رفع من جودة خدماتهما الحيوية المقدمة للمواطنين. ومثال على ذلك مراكز الإسعاف التي وصل عددها على مستوى الجمهورية إلى 1،516 مركزًا في 2019 بنسبة زيادة قدرها 43% عن عام 2014، وهو ما قفز بعدد الحالات التي تم إسعافها من 823 ألف حالة إلى 1.610 مليون حالة في 2019 – انظر الشكل التالي-.
مرفق الحماية المدنية والذي يمتلك قرابة 1000 نقطة إطفائية على مستوى الجمهورية، شهد هو الآخر قدرًا من التطويرات التي أهلته للتعامل مع المزيد من بلاغات الحرائق، فارتفع إجمالي البلاغات التي تعاملت معها فرق المرفق من 38 ألف حريق في عام 2016 إلى 52 ألف حريق في 2021، بنسبة زيادة كلية فاقت 26% خلال 5 سنوات فقط.
وكذا، أسهم تطوير مرفق الحماية المدنية في تقليص نسب الضحايا والمتوفين من جراء حوادث الحرائق، فعلى الرغم من ارتفاع أعداد البلاغات إلا أن عدد الضحايا البشرية شهد ارتفاعًا متواضعًا، حيث بلغت أعداد الوفيات 252 حالة فقط في 2021، بواقع زيادة بلغت 18.7% عن عام 2016، فيما حققت أعداد الإصابات تناقصًا من 852 حالة في 2016 إلى 824 حالة في عام 2021.
لكن على الرغم من تنفيذ مجهودات التطوير بمرافق الطوارئ المختلفة، إلا أن هناك حالات من القصور التي كان يتم ملاحظتها أثناء التعاطي مع الأزمات، ومنها -مثالًا وليس حصرًا- التأخر في وصول فرق الطوارئ إلى موقع الحادث، وذلك لطول الإجراءات المتبعة في تسجيل بيانات الحادث أو الأزمة القائمة، بالإضافة إلى عدم وجود معايير واضحة تبين الزمن المتوقع والآليات الموضوعة للتعامل مع أي بلاغ، إلى جانب ذلك كانت تظهر حالة من ضعف التنسيق بين مرافق الطوارئ المختلفة أثناء التعامل مع الأزمة، مما يؤخر عملية معالجتها، ليتسبب ذلك بدوره في زيادة الخسائر البشرية والمادية.
أهداف إنشاء الشبكة الوطنية للطوارئ وتكوينها
تقوم الفكرة الرئيسة للشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ على تحقيق أكبر قدر من التعاون الناجع بين مختلف أجهزة الدولة، قبل وأثناء وبعد وقوع الكوارث والأزمات، وذلك لتخفيف أثر هاتين الأخيرتين حال وقوعهما إلى أقل درجة ممكنة، وهو ما يحمي الأرواح ويصون الممتلكات العامة والخاصة.
ويعول على تلك الشبكة خلال الفترة القادمة أن تكون العمود الفقري للدولة المصرية في عمليات تنسيق وإدارة حالات الطوارئ المختلفة، وهو ما سيسهم في تقليل زمن الاستجابة لهذه الحالات الطارئة لأقل الفترات الزمنية، ليتماشى ذلك مع توجه الحكومة المصرية الرامي إلى تطوير كافة مناحي القوة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
ويمثل جانب الاتصالات حجر الزاوية في مشروع الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة، وذلك تبعًا للمهمة الأساسية للشبكة والمتمثلة في تحقيق التواصل السريع بين أجهزة ومرافق الطوارئ التابعة للجهات المختلفة من القطاعات الحكومية والعامة والخاصة، إذ تعتمد الشبكة على نظام اتصالات مستقل تمامًا عن شبكات الاتصالات المحمولة الأربعة الموجودة حاليًا بمصر، ولقد حرصت الجهات المختصة على استخدام أحدث التكنولوجيات والأساليب المتوفرة حاليًا في مجال الاتصالات داخل مصر، لذلك جرى دعم تلك الشبكة بخدمة الجيل الرابع من الاتصالات الهاتفية.
ذلك بالإضافة إلى دعم فرق الطوارئ على الأرض من رجال النجدة والإسعاف والإطفاء وغيرهم، بوسائل الاتصال والتطبيقات المتطورة التي تتيح لهم تلقي المعلومات الكاملة حول الحالة التي يتعاملون معها، ويمكن لأفراد الطوارئ تسجيل كافة المعلومات المطلوب توصيلها إلى مراكز القيادة التي ستنتشر في الفترة القادمة بكافة محافظات الدولة، والتي ستتواصل مع تلك الفرق خلال نظام خاص بتوزيع مهام اللاسلكي Dispatching system.
وسيتم كذلك دعم تلك الشبكة بأنظمة أخرى لعقد الاجتماعات الافتراضية Video conference، ومنظومة آلية لتلقي بلاغات المواطنين وتحديد مواقع اتصالاتهم، بالإضافة إلى نظم إلكترونية طبية متصلة بين سيارات الإسعاف والمستشفيات، وذلك لتقييم الحالة المبدئية للمرضى ومصابي الحوادث، وهو ما يتيح للمستشفيات والمراكز الصحية فترة زمنية للاستعداد للتعامل مع تلك الحالات قبل وصولها، مما يوفر عليها الكثير من الوقت في محاولة استكشاف طبيعة الإصابات، وبالتالي المساهمة في إنقاذ المريض.
وتقوم عمليات إدارة الشبكة الوطنية للطوارئ الآن على تشغيل ما مجموعه 512 موقعًا موزعة على خمس محافظات هي جنوب سيناء والإسماعيلية والسويس وبورسعيد والأقصر، فيما ينتظر أن يرتفع عدد تلك المواقع بتلك المحافظات السالف ذكرها إلى 1242 مركزًا بحلول بداية العام القادم 2023. وتترأس تلك المواقع 5 مراكز للسيطرة الموحدة، ويتضمن كل مركز أقسامًا لتلقي وتوزيع البلاغات، بالإضافة إلى قاعات لعقد اجتماعات الطوارئ، والعديد من الوسائل التكنولوجية التي تتيح لصانع القرار التواصل المباشر مع فرق الطوارئ على الأرض، ويخدم تلك المراكز الخمسة “سنترال” واحد مركزي مؤمن، يتضمن عددًا من الخوادم Servers التي تمتلك كافة البيانات المتداولة بين عناصر الشبكة.
المشروع ينطلق
أعلنت وزارة التنمية المحلية في منتصف يناير الماضي عن اقتراب الحكومة المصرية من إطلاق المشروع القومي للشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة، وذلك في محافظات المرحلة الأولى من المشروع وهي المحافظات الخمس السالف ذكرها، جنوب سيناء، والإسماعيلية، والسويس، وبورسعيد، والأقصر. ولقد أتى هذا التصريح بعد أن أنهت كافة الجهات المختصة كافة الاستعدادات المطلوبة لتنفيذ المشروع، وقامت الأجهزة المحلية بتلك المحافظات بتنفيذ عدد من التجارب العملية لتفعيل منظومة الشبكة في إطارها الإقليمي، وهو ما ستوضحه الأمثلة اللاحقة من محافظتي بورسعيد والإسماعيلية.
في سياق متصل، صرح عدد من مسؤولي الحكومة بأن الانطلاق المرتقب لشبكة الطوارئ في مرحلتها الأولى سيكون بمثابة إشارة البدء لتنفيذ المرحلة الثانية منها، والتي ستشمل عددًا آخر من محافظات الجمهورية مثل شمال سيناء والشرقية والبحر الأحمر، على أن يتوالى ضم باقي محافظات الجمهورية لتلك الشبكة بالتتابع على مدار مراحل مستقبلية أخرى.
محافظة بورسعيد
بدأت الحكومة المصرية في أبريل من عام 2021م تجريب أول نموذج استرشادي لعمل الشبكة الوطنية للطوارئ بمحافظة بورسعيد، حيث ارتأى صانعو القرار ضرورة الاستفادة من التطويرات الكبيرة الجارية في تلك المحافظة، والتي من أبرزها إنشاء أول منظومة للتامين الصحي الشامل على مستوى محافظات البلاد، حيث كانت محافظات بورسعيد أول محطات المنظومة الأخيرة، لذلك فكر المسؤولون في أن تكون بداية الانطلاق التجريبي للشبكة من بورسعيد؛ بهدف إحداث نوع من التكامل بين المنظومتين الجديدتين، وهو ما سيؤدي إلى رفع جودة خدمات الطوارئ والخدمات الصحية المقدمة للمواطنين في تلك المحافظة.
المسؤولون المحليون بالمحافظة قاموا بتنفيذ مجموعة واسعة من سيناريوهات الأزمات المختلفة في طبيعتها والمتزامنة في توقيتاتها؛ وذلك للوقوف على مواطن قوة الشبكة وفرص تطويرها. ولقد أظهرت الشبكة في هذا الإطار قدرًا كبيرًا من النجاح، إذ استطاعت أجهزة الطوارئ التابعة للمحافظة من كل القطاعات التحرك بقدر كبير من التناغم، وهو ما تسبب في نجحا أغلب تلك التجارب. بالإضافة إلى ذلك، نجحت الشبكة في التعامل مع آلاف البلاغات الحقيقية، والتي قدرت في الشهر الأول فقط من إطلاق المنظومة بأكثر من خمسة آلاف بلاغ.
محافظة الإسماعيلية
تزامنت مع التجارب السابقة التي أجرتها محافظة بورسعيد، تجارب أخرى في الإسماعلية المجاورة. ففي منتصف أكتوبر من العام الماضي 2021، قامت أجهزة المحافظة بإدارة مناورة طوارئ بحرية من داخل المركز الإقليمي للشبكة بمبنى ديوان المحافظة، ولقد تضمنت أنشطة تلك المناورة أعمال الإخلاء الطبي البحري ومكافحة الحرائق البحرية والسيطرة على التسربات النفطية بمواقع آبار البترول النفطية بخليج السويس القريب، ولقد روعي في تلك التجارب الاعتماد على الأساليب العلمية في إدارة الأزمات، حيث تم اتباع مبدأ التدرج في التعامل مع الأزمة، بداية من الاعتماد على إمكانات الشركة أو الإدارة المحلية التي يقع في نطاق عملها الحالة الطارئة، ثم التوسع للاعتماد على إمكانات كافة الأجهزة التنفيذية بالمحافظة في حال تصاعد الحالة الطارئة وخروجها عن إمكانات الشركات أو الإدارات المحلية، وأخيرًا الاعتماد على إمكانات كافة أجهزة الدولة في حال تفاقم حالة الأزمة وخروجها عن إمكانات مسؤولي المحافظة.
نجاح مناورة الطوارئ البحرية كان دافعًا إلى استخدام المركز الإقليمي لشبكة الطوارئ بالإسماعلية في إجراء تجربة استرشادية موسعة في يناير من العام الحالي 2022م، والتي حضرها ممثلون من كافة الجهات المختصة وبحضور وزير التنمية المحلية، لتستعرض أعمال المناورة كافة المنظومات المتاحة بالجهات الحكومية المعنية، وكيفية تكاملها مع الشبكة الوطنية لتحقيق أعلى درجات الاستفادة منها، ونفذ المركز كذلك نموذجًا لإدارة مجموعة من حالات الطوارئ المتزامنة بمحافظات القناة الثلاث، بالإضافة إلى جنوب سيناء والأقصر، وتم خلال ذلك النشاط استخدام أنظمة الاتصالات المتطورة المرتبطة بالشبكة والتي أظهرت فاعليتها.
محافظة جنوب سيناء
منذ ثمانية أشهر؛ أي بداية من يوليو 2021م، شرعت محافظة جنوب سيناء في تشييد منظومتها المرتبطة بالشبكة الموحدة للطوارئ والسلامة العامة، ولقد ساعدت التجارب السابقة في محافظات بورسعيد والإسماعلية في تسهيل مهمة تفعيل وتشغيل المنظومة، حيث لم تحتج المحافظة إلى الكثير من تجارب الاختبار، على العكس من ذلك استطاعت المحافظة استخدام الشبكة في إدارة عدد من الأزمات الفعلية التي وقعت مطلع العام الحالي، والتي ارتبطت بهطول كميات من الأمطار التي أحدثت سيولًا متفرقة بمختلف مناطق المحافظة.
وينتظر خلال الأشهر القادمة أن تكون الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة عاملًا أساسيًا في تأمين أحداث مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، والمقرر عقده في شهر نوفمبر القادم بمدينة شرم الشيخ، وهو ما سيرفع من مؤشرات نجاح كافة الاستعدادات التي يجري تنفيذها حاليًا لتحويل المدينة السياحية الشهيرة إلى مدينة خضراء صديقة للبيئة وآمنة تمامًا على ضيوف مصر من كافة دول العالم، خاصة من وقوع أي احتمالات مرتبطة بالأزمات التي تنجم عن ظواهر تغير المناخ كالسيول والحرائق والزلازل وغيرها.
ختامًا نقول، كان من الضروري على الدولة المصرية أن تستمر في نهجها الرامي إلى تطوير ودعم مرافق الطوارئ المصرية؛ وذلك استكمالًا لمشروعات التطوير والتعمير التي تجريها في كافة أنحاء البلاد، إذ تعد تقوية منظومات الطوارئ المدنية أحد عوامل ضمان صيانة وحفظ الأصول الاقتصادية التي تنميها الدولة في الوقت الحالي. وتسهم تقوية تلك المنظومات في رفع جودة الحياة المتوفرة للمواطنين، خاصة فيما يتعلق بخدمات الطوارئ الحيوية كالإسعاف الطبي والحماية المدنية والكهرباء والمياه. ويعد إنشاء الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة هو المتوج لكافة مشروعات الدولة في هذا الصدد، إذ ستمثل تلك الشبكة فور تفعيلها بشكل كامل أداة لتحقيق الاستغلال الأمثل لإمكانات الدولة أثناء وقوع الأزمات، وستكون الجهة العليا المشرفة على التأكد من تحقيق جودة خدمات الطوارئ المقدمة للمواطنين، مما يغلق الباب أمام احتمالات التراخي أو التسيب في تقديمها وقت الحاجة.
باحث ببرنامج السياسات العامة