دول المغرب العربيأوروبا

تقارب متسارع: المغرب وإسبانيا ومسار جديد من العلاقات

مثّل اجتماع ملك المغرب “محمد السادس” مع رئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز” في السابع من أبريل 2022 نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات الثنائية، ويُمهد لمرحلة جديدة على أساس من الاحترام المتبادل وتعظيم الاستفادة المشتركة من التفاعل البناء بما يحقق مصالح الدولتين، ولعل تلك الخطوة جاءت في أعقاب نحو عام من المقاطعة الدبلوماسية بين البلدين في أبريل 2021.

ولعل إعلان إسبانيا تأييدها لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب حيال ملف الصحراء الغربية بمثابة إعلان حسن النوايا وتمهيد لبناء مرحلة جديدة ينخرط فيها البلدان في تعاون استراتيجي على كافة المستويات.

تصحيح المسار وتشابك المصالح

إن حالة التفاهم والتنسيق السياسي الراهن بين إسبانيا والمغرب تأتي في أعقاب قطيعة دبلوماسية لقرابة العام على خلفية استضافة إسبانيا للأمين العام لجبهة البوليساريو “إبراهيم غالي” لدواعٍ إنسانية وتلقي العلاج والرعاية الصحية اللازمة على خلفية إصابته بفيروس كورونا، في الثاني والعشرين من أبريل 2021، وكان ذلك نقطة تحول في خضم العلاقات الإسبانية المغربية، وخلق مشهدًا مضطربًا بين الجانبين، الأمر الذي أدى إلى استدعاء المغرب للسفير الإسباني وطلب تفسير من جانب إسبانيا حول تلك الواقعة.

ونتيجة للتحركات البرلمانية الإسبانية نحو دفع العلاقات مع الجارة الجنوبية لمسار تعاوني بديلًا لتكتيك الآذان الصماء وكسر حالة الجمود في العلاقات الثنائية، جاءت التحركات الإسبانية حيال التعاطي الإيجابي مع الرباط في الفترة الأخيرة، خاصة في ضوء تفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية وتبعاتها المختلفة التي تتجسد بأضرارٍ على الأمن القومي الأوروبي بمفهومه التقليدي، وعلى صعيد أمن الطاقة والغذاء، مما يوجد حالة من أوراق التوازن والتصالح مع المغرب، والعمل على دفع العلاقات الاقتصادية، وكذلك لتأمين مسار ملائم لتعويض الغاز الروسي.

وانطلاقًا من إعطاء “مدريد” الضوء الأخضر لأمين عام جبهة البوليساريو للدخول إلى أراضيها، برزت على السطح جملة من الملفات العالقة والخلافات المتجذرة بين الجانبين، وعلى رأسها نزاع الصحراء، وكذلك وضعية كل مدينتي “سبتة ومليلة”، إلى جانب ملف الهجرة الذي بات يُمثل ضغطًا على الجانب الإسباني. وتلك التشابكت برزت وبقوة في الخطابات الرسمية، مما يُعزز بصورة كبيرة من الانزلاق إلى حافة الاضطرابات الممتدة، والعودة إلى حالة الجزر مرة أخرى.

ولعل تصويب مسار العلاقات بين الجانبين والتي كللتها زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب في الثامن من أبريل الجاري، ترسخ لمرحلة جديدة وفارقة في العلاقات الثنائية بين البلدين وترسم خارطة طريق للعلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية، وبما يُعيد الهدوء مرة أخرى بين البلدين، خاصة وأن البلدين يجمعهما جملة من المصالح المتبادلة.

فالمتأمل لطبيعة التفاعلات البينية بين كل من المغرب وإسبانيا من جهة وبين إسبانيا وجبهة البوليساريو من جهة أخرى، يجد أن هناك تشابكًا في المصالح المتبادلة التي تجمع بين كل من “مدريد” و”الرباط” وكذلك مع جبهة البوليساريو. 

فمن ناحية “الرباط”، تربط إسبانيا معها علاقات جيدة تضمنتها الاستراتيجية الإسبانية للعمل الخارجي (2021 -2024) الصادرة عن وزارة الخارجية مطلع عام 2021 والتي وضعت المغرب شريكًا لإسبانيا وأولوية في السياسة الخارجية لمدريد وهو ما يتطلب معه انتهاج سياسات الحوار والتعاون بين الجانبين وتوسيعها لتشمل مجالات جديدة.

ولعل تلك الخصوصية راجعة إلى أسباب جيوسياسية، فلا شك أن الموقع الجغرافي يُشكل نقطة حرجة في خضم تلك العلاقات التي تدفع إسبانيا إلى إقامة علاقات متوازنة مع المغرب الذي يُمثل النطاق الجغرافي اللصيق بالحدود الجنوبية لإسبانيا، وهي أول دولة أفريقية تقع على حدود “مدريد” وتربطها علاقات تجارية ممتدة، وهو ما يفسره الزيارات الاستباقية لملك إسبانيا إلى الرباط، إضافة إلى الثناء المستمر على العلاقات الثنائية، وقد جاء ذلك خلال كلمة وزيرة الخارجية الإسبانية “أرانتشا لايا” خلال “منتدى الاقتصاد الجديد” الذي انعقد في السادس والعشرين من يناير 2021 والتي وصٌفت العلاقات بــ” المتينة والناضجة”.

واتصالًا بالسابق؛ فإن ملف الهجرة أحد ملفات التشابك بين الدولتين، وتجمعهما اتفاقية مشتركة للحيلولة دون الانزلاق إلى تفاقم الأزمة، وما يتصل بذلك الملف من فرار العناصر الإرهابية والإجرامية إلى الداخل الأوروبي، حيث يُعد المغرب شريكًا دوليًا في مكافحة الإرهاب.

مكاسب مزدوجة

لقد جاء مسار التفاعل الدبلوماسي مرة أخرى بين إسبانيا والمغرب عقب أزمة دبلوماسية شارفت على العام، لتحقق جملة من المكاسب للرباط ومدريد ويمكن توضيحها في الآتي:

  • اقتناص اعتراف إسباني بمغربية الصحراء: واحدة من بين النتائج الملموسة وكانت سببًا في ذات الوقت في إعادة التفاعل الإيجابي بين إسبانيا والمغرب، هو ملف قضية الصحراء الغربية، حيث أضحت إسبانيا تنحاز بشكل واضح وصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي يتبناها المغرب في التعاطي مع ملف الصحراء الغربية، وهو ما يُمثل اعترافًا بالسيادة المغربية على الصحراء، ويُفضي إلى إحداث تفوق استراتيجي مغربي على جبهة البوليساريو والداعمة لها “الجزائر”، واعتبار المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع، وهو ما يزيد من اختلال ميزان القوة لصالح الرباط.
  • تعزيز التجارة البينية واحتواء ملف المهاجرين: لقد كان الإعلان المغربي الإسباني حول إعادة الربط البحري للمسافرين بين البلدين، وفتح المجال أمام عودة المغاربة المقيمين بالخارج تحت مظلة عملية “مرحبًا”، واستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بصورة منتظمة والتعاون المشترك نحو المراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري.
  • تأمين مصادر الطاقة المغربية: أحد المتطلبات العاجلة والضرورية للمغرب العمل على تحقيق مكاسب اقتصادية وطاقوية من الدول ذات الأهمية الجيوسياسية، وتأتي إسبانيا لتمثل طرفًا رئيسًا في معادلة الطاقة مع المغرب، التي تعاني بصورة كبيرة من تراجع تأمين موارد الطاقة (الغاز) بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر، وفي ضوء التقارب الإسباني المغربي وفي ظل توقيع اتفاقية في الثالث من فبراير 2022 بين مدريد والرباط تستهدف ضخ الغاز المسال عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي، ومن ثٌم سيكون بمقدور المغرب الحصول على الغاز الطبيعي المسال من الأسواق الدولية، وإيصاله لمصنع لإعادة التحويل في شبه الجزيرة الإسبانية، واستخدام خط أنابيب الغاز المغاربي (جي إم إي) لنقله للرباط، وسيترتب على ذلك فقدان الجزائر لأحد أوراق الضغط على المغرب في إطار من صراعها طويل الأمد.
  • مقاصة السيادة: إن إبداء المرونة الإسبانية حول الرؤية المغربية لملف الصحراء الغربية يرتبط بصورة رئيسة برغبة إسبانيا في تخلي الرباط عن مطالبها حول ملف “سبتة ومليلية” شمال المملكة والتي تقع تحت سيادة إسبانيا، وهو الهدف الاستراتيجي الذي تسعى مدريد إلى تحقيقه في إطار تبديل المواقف السياسية حول قضايا الحدود. وعلى الرغم من عدم حصول مدريد بصورة صريحة على ضمانات كافية وحقيقية من جانب المغرب حول هذا الملف، إلا أنها ستعمل على تسويته بصورة جذرية في إطار من التفاهمات المتبادلة.

 وفي التقدير؛ تُعد المصالحة الإسبانية المغربية ورقة مزدوجة يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالحه الخاصة من ورائها؛ فإسبانيا تستخدمها للضغط على الجزائر في إطار تصويب تفاعل الأخيرة مع الدول الأوروبية فيما يتعلق بملف الطاق، خاصة في ضوء تأزم الموقف داخل أوروبا من تأمين مواردها من الغاز الطبيعي، بينما على الزاوية الأخرى يستهدف المغرب توسيع شبكة تفاعلاته الخارجية، خاصة في محيطه الإقليمي الشمالي (أوروبا)، وبما يساعد في تغير استراتيجي لملف الصحراء الغربية. وإذا كان الموقف الإسباني الراهن لن يؤثر في المرحلة الحالية على معادلة الصراع في الصحراء الغربية، بيد أنه على المستوى طويل الأجل سوف يقلص هذا التوافق فرص استقلال الصحراء الغربية في ضوء التحولات الأخرى للكثير من القوى الفاعلة دوليًا.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى