مقالات رأي

الاختيار: تسلم الأيادي

إن ينسى الإخوان أو يتناسون فلن ينسوا ما فعلته بهم أغنية “تسلم الأيادي” التي كانت تزلزل أعصابهم، واليوم يعود لهم الزلزال من جديد، إذ يداهمهم في عقر دارهم ويقتحم أحلامهم ليحولها إلى كوابيس. الزلزال الجديد بدأ منذ ثلاثة أعوام برائعة المنسي “الاختيار1″، وضرب معهم موعدًا كل رمضان ليطل عليهم من جديد في الاختيار2 “رجال الظل”، وها هو يفي بوعده ويعود إليهم في نسخته الثالثة “القرار” وهي الأقسى عليهم. 

قسوة النسخة الثالثة من الاختيار بدت على الجماعة منذ الحلقة الأولى. حالة من الهياج الفضائي على وسائل التواصل الاجتماعي أصابت الإخوان وأبواقهم. فالنسخة الثالثة من الاختيار تنعش ذاكرة المصريين وتضع بين أيديهم بالصوت والصورة أكاذيب الإخوان ومحاولاتهم لاختطاف مصر وعدائهم الشديد لمؤسسات الدولة، والأهم ما تكشفه الحلقات تباعًا من مستوى التفكير والقدرات العقلية لمن ظن من الإخوان أنه أصبح المتحكم في مصير الوطن. ولأن تعرية الإخوان هي أكثر من يوجع بل ويفزع الإخوان، فقد اصدرت الجماعة الأوامر لأعضائها وأنصارها بأن يقتصر ردهم وتعليقاتهم على الاختيار3 في الدفاع عن شخص واحد هو مندوبهم في قصر الاتحادية محمد مرسي، ومن ناحية أخرى الهجوم على شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي. 

وفي الحالتين فلا الدفاع عن رئيسهم ولا الهجوم على الرئيسي السيسي استند إلى أية معلومات أو وقائع، فقط أطلقوا العنان لألسنتهم لتلوك عبارات ركيكة “طق حنك” في محاولة لمغازلة مشاعر أعضاء الجماعة وأتباعها. وليس من الصعب على من يتابع منشورات الإخوان أن يلاحظ أن أحدًا منهم لم يتعرض لإنكار واقعة معينة أو حتى التشكيك فيها. فقط انهالوا على الفكرة وعلى الممثلين. وأطلقوا بعضا من المتعاطفين معهم ممن لهم علاقة بالدراما عساهم يستطيعون النيل من العمل ومن القائمين عليه في محاولة بائسة لحرف الأنظار عن المغزى الحقيقي من الاختيار بنسخه الثلاثة. 

تفاصيل “الاختيار3” ووقائعه مؤلمة بكل تأكيد للإخوان ولمن ما زال يتعاطف معهم، ولكن فكرة الاختيار في حد ذاتها تؤلمهم أكثر. لقد قامت الجماعة على فكرة السمع والطاعة، ولولاها لماتت الجماعة في مهدها. فضيلة الاختيار تهز عرش الجماعة. لم يختر أحد الانضمام للجماعة، وكل من مارس حقه في الاختيار ترك الجماعة. لاحظ أن أعضاء الجماعة يتربون في الجماعة منذ صغرهم حيث لا قدرة لهم ولا مؤهلات تسعفهم على الاختيار. الجماعة تغري النشء وتستقطبهم لتغرس فيهم أن السمع والطاعة من مؤهلات المسلم التي يجب أن يتحلى بها. وهكذا يكبر الطفل على ألا شيء صحيح غير الجماعة وما تريد. ويصل الأمر بأحدهم ليقول “اللهم ما أمتني على الجماعة”.

 فكرة الاختيار تماما كما فكرة الانتماء للقوات المسلحة والولاء للوطن هما أكثر ما يؤلم الإخوان. فالسمع والطاعة والولاء للجماعة هما العمودين الحاملين لمشروع الإخوان. ومن هنا فإن فكرة الصدام بين الجماعة والاختيار والقوات المسلحة هي حقيقة واقعة لم تستطع الجماعة إنكارها أو حتى مداراتها. 

“الاختيار3” يلخص ما حدث في ظل حكم الجماعة مقدما دليلا إضافيا بالصوت والصورة لعموم المصريين على صواب اختيارهم في 30 يونيو 2013، ولكنه من ناحية أخرى يستهدف المتعاطفين مع الإخوان الذين انخدعوا أكثر من مرة في توجهات الإخوان، يستهدفهم بإتاحة الفرصة لهم لتقييم اختيارهم السابق بالسير في ركاب الإخوان ويقدم لهم على الأقل من خلال ما يعرض من تسريبات حقيقية لقيادات الجماعة في نهاية كل حلقة من حلقات المسلسل الفرصة للوقوف على حقيقة تلك الجماعة وما كانت تضمره لمصر ولهم كأشخاص أو جماعات أو تيارات بدا لهم في لحظة أنه يمكنهم ولو بعصر الليمون أن يكونوا صفا واحدا مع تلك الجماعة. ومرة أخرى فإن هذا من أكثر ما يؤلم الإخوان. فالجماعة كانت تحتمي بتلك الجماعات أو التيارات وتستغلهم وقودا في معركتها ضد الدولة ومؤسساتها، فإذا بالاختيار يعري الجماعة أمام هؤلاء السذج الذين طالما استخدمتهم قبل وأثناء وبعد ما حدث منذ يناير 2011 وحتى يونيو 2013 وما تلاها.    

أخيرًا، فإن “الاختيار3” يؤلم الجماعة وسيظل يؤلمها لأنه يمثل جدار عازل فولاذي يمنع تمرير الأكاذيب الإخوانية، ويشكل قبة حديدية تحمي ليس فقط المجتمع المصري بل والمجتمعات العربية بأسرها من خطاب الإخوان القائم على المظلومية وتقمص دور الضحية بينهم هو الجاني الرئيس في كل ما آلت إليه أوضاع في تلك المجتمعات وما تكابده من تداعيات قائمة اليوم. 

الاختيار3 يمثل سلاحًا من العيار الثقيل في معركة تنمية وتأمين وعي المصريين، إذ لم تتوقف محاولات الإخوان ومن لف لفهم على العبث بوعي المصريين وتشويه لفتح ثغرة في جدار الرفض المصري لمشروع الجماعة الذي استهدف احتلال مصر وقيادتها عنوة إلى حيث لا يريد شعبها. الاستقبال الشعبي لمسلسل الاختيار ورد الفعل الإخواني على المسلسل وعلى الاستقبال الشعبي له لهو دليل جديد على ما وصلت إليه شعبية الجماعة، والأهم أنه إجابة واضحة وشافية وكافية على السؤال الذي تطرحه الجماعة منذ 30 يونيو؛ لماذا يكرهنا المصريون؟ باختصار يكره المصريون الجماعة لأنها أبدا ما أحبت المصريين ولا أحبت جيشها كما يحبه المصريون، لأنها أبدا ما اعتبرت نفسها جزء من هذا الشعب بل تعالت عليه باسم الدين أو بالأحرى باسم تعاليم مؤسسها ومرشدها الأول. لذا سيظل الإخوان يكرهون الاختيار وفيلم الممر ومسلسل الجماعة وثورة يونيو وأغنية تسلم الأيادي. تحية لكل صناع الاختيار.. “تسلم الأيادي”. 

نقلًا عن صحيفة الأهرام

+ posts

رئيس وحدة دراسات الرأي العام

د.صبحي عسيلة

رئيس وحدة دراسات الرأي العام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى