آسيا

تصعيد جديد: أبعاد قرار البرلمان الباكستاني بحجب الثقة عن “عمران خان”

صوت مجلس النواب الباكستاني، بالموافقة على إقالة رئيس الوزراء عمران خان من منصبه، وذلك في جلسة عُقدت يوم 9 أبريل، وشهدت مواجهة حادة بين المعارضة والحزب الحاكم بزعامة خان استمرت قرابة 14 ساعة، وهي الخطوة التي ستحمل في طياتها العديد من المتغيرات على المشهد السياسي الباكستاني، خصوصًا في ضوء التداعيات المحتملة للخطوة.

حيثيات قرار حجب الثقة عن عمران خان

جاء قرار البرلمان الباكستاني بحجب الثقة عن “عمران خان” عقب يومين فقط من إصدار المحكمة العليا في باكستان، قرارًا بإبطال قرار رئيس جلسة البرلمان إلغاء التصويت على اقتراع سحب الثقة من رئيس الوزراء، واعتبار المحكمة قراري الرئيس الباكستاني “عارف علوي”، بحل الحكومة والبرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة بتوصية من رئيس الوزراء، لاغيين، وهو الحكم الذي أعاد المعارضة الباكستانية إلى المشهد مرة أخرى وغير موازين القوى، حيث منح قرار المحكمة، المعارضة الباكستانية فرصة جديدة لاستكمال مساعيها لعزل “خان” من منصبه.

وبدأت المعارضة الباكستانية في التحرك سريعًا من أجل عزل “خان”، حيث استطاعت عقد جلسة جديدة للتصويت على حجب الثقة عن عمران خان، والحصول على 174 صوتًا من أصل 342، ما يعني أنها حصلت على أغلبية الأصوات، وذلك في ضوء حضور عدد قليل من نواب حزب الإنصاف الحاكم بقيادة “خان”.

وكان “رئيس مجلس النواب الباكستاني “أسد قيصر”، قد تقدم باستقالته من منصبه قبيل بدء جلسة التصويت على حجب الثقة عن “خان”، وهي الاستقالة التي بررها باطلاعه على برقية دبلوماسية تضمنت دلائل على مؤامرة خارجية لعزل الحكومة، مشيرًا في تصريحات صحفية إلى أن “أحزاب المعارضة دبرت خطة سحب الثقة من الحكومة بالتآمر مع جهات أجنبية”، وهو قرار قرأته بعض التقديرات على أنه يعكس عدم رضا من “قيصر” على الجلسة، وإجراءات حجب الثقة عن “خان”، فضلًا عن أنه ربما يرغب في تجنب الملاحقات القضائية التي قد تطاله عقب حجب الثقة عن رئيس الوزراء.

خيارات محدودة لـ “عمران خان” 

أصبح “عمران خان” بموجب تصويت البرلمان بحجب الثقة عنه، أول رئيس وزراء باكستاني يتم التصويت على عزله من منصبه، لكن بعض المؤشرات تعكس أن “خان” لن يرضخ بسهولة للقرار، وذلك على النحو التالي:

1- أشار “عمران خان” في تصريحات له قبيل جلسة التصويت على عزله من منصبه، إلى أنه “يشعر بخيبة أمل من قرارات المحكمة العليا الباكستانية، لكنه موافق على القرار”، مؤكدًا أنه “سيناضل لمواجهة التحركات التي تستهدف الإطاحة به”، وأنه “لن يعترف بأي حكومة من المعارضة تحل محله”، وهي الحكومة التي وصفها بـ “الحكومة المستوردة” في إشارة إلى وجود مؤامرات خارجية لعزله من منصبه.

ويبدو أن “خان” سوف يلجأ إلى تصعيد متعدد الاتجاهات لمواجهة قرار عزله، وسوف يستند في هذه التحركات إلى التصعيد الميداني والجماهيري، من أجل الضغط على المعارضة ومواجهة تحركاته، وهو التحرك الذي بدأت بوادره في الظهور، حيث نزل الآلاف من مؤيدي “خان” إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لقرار عزله من منصبه.

2- سوف يحاول “عمران خان” اللجوء إلى القضاء لمواجهة تحركات المعارضة الباكستانية، وسوف يستند في هذا التحرك إلى اعتبارين رئيسين، الأول، هو رواية وجود مؤامرة خارجية لعزله من منصبه.

والاعتبار الثاني، سيتمثل في عدم حضور عدد كبير من النواب لجلسة حجب الثقة، وسوف يحاول خان استغلال هذا المعطى من أجل الطعن في شرعية الجلسة، فضلًا عن أنه سيستأنف بطبيعة الحال على قرار المحكمة العليا بإلغاء قرارات حل البرلمان، وإقالة الحكومة.

3- ربما يتفق “خان” وأعضاء حزبه على تقديم استقالات جماعية من البرلمان الباكستاني، خصوصًا وأن حزب الإنصاف مُمثل بـ 150 نائب في البرلمان الباكستاني، وسيستهدف “خان” من هذه الخطوة إحداث شلل سياسي في البلاد، وعرقلة المعارضة، والدفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة.

4- حاول “عمران خان” كسب الجيش الباكستاني، وهو ما تجسد في اللقاء الذي جمعه بقائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا صباح يوم 9 أبريل، لكن يبدو أن هذا المسعى محكوم بالفشل، في ضوء إعلان الجيش تبنيه موقفًا محايدًا من التطورات، وبروز بعض المؤشرات التي تدفع باتجاه دعم الجيش ضمنيًا للمعارضة، ومن هذه المؤشرات، وجود علاقة جيدة بين كل من حزب الشعب الباكستاني، حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف (أهم حزبين معارضين في باكستان) والمؤسسة العسكرية، فضلًا عن احتمالية وصول الجيش لقناعة مفادها عدم قدرة “عمران خان” على قيادة البلاد في المرحلة المقبلة، خصوصًا مع تفاقم الأزمات التي تعيشها البلاد.

إلى أين يذهب المشهد الباكستاني؟

سوف يدفع قرار البرلمان الباكستاني بحجب الثقة عن عمران خان، باتجاه حدوث العديد من المتغيرات على المشهد السياسي في البلاد، وذلك على النحو التالي:

1- يعني قرار حجب الثقة عن “خان” أنه لم يعد رئيسًا للوزراء، وبالتالي سوف يبدأ البرلمان في عملية اختيار حكومة ورئيس وزراء جدد، وبالفعل أعلن البرلمان الباكستاني أنه سيصوت على اختيار رئيس وزراء جديد للبلاد يوم 11 أبريل، وتشير أغلب التقديرات الباكستانية إلى أن “شهباز شريف” سيكون رئيسًا جديدًا للوزراء، في ضوء اتفاق المعارضة على ترشيحه لهذا المنصب، وفي ضوء تغير موازين القوى داخل البرلمان، لصالح المعارضة الباكستانية، وحال تحقق هذا السيناريو فإن “عمران خان” سيقود المعارضة ضد الحكومة الجديدة.

2- عقب إعلان قرار حجب الثقة عن “عمران خان” شهد الشارع الباكستاني تحركات احتجاجية كبيرة، بين مؤيد ومعارض لهذا القرار، وهو الأمر الذي أدى إلى إعلان السلطات الباكستانية عن “حالة تأهب قصوى” بالبلاد، حيث تم التأكيد على أنه “لن يتم السماح للمسؤولين الحكوميين بالسفر للخارج بدون إذن سفر”، وتم إلغاء إجازة جميع ضباط الشرطة في العاصمة إسلام آباد، وإعلان حالة الطوارئ في مستشفيات العاصمة.

وهي مؤشرات تُنذر بحالة اضطراب سياسي كبيرة قد تشهدها باكستان في الأيام المقبلة، خصوصًا في ظل تمسك أطراف الأزمة الباكستانية بالتصعيد المتبادل.

3- العامل الخارجي حاضر بقوة في المشهد الباكستاني، خصوصًا وأن “خان” يسعى لتوظيف نظرية “المؤامرة الخارجية” لمواجهة التصعيد ضده، وضرب المعارضة الباكستانية، وهو ما جعل بعض التقديرات تذهب إلى أن عزل “خان” من منصبه، سوف يترتب عليه تداعيات في المرحلة المقبلة على مستوى السياسة الخارجية للبلاد، حيث حرص خان في الآونة الأخيرة على التقارب مع المحور الروسي – الصيني – الإيراني، وبالتالي ربما نشهد في المرحلة المقبلة ومع تشكيل حكومة جديدة من قبل المعارضة، إعادة هيكلة للسياسة الخارجية لباكستان، تدفع باتجاه التقارب بشكل أكبر مع المعسكر الغربي.

ختامًا يمكن القول، إن قرار حجب الثقة عن “عمران خان”، سوف يدفع باتجاه حدوث اضطرابات سياسية داخل البلاد، خصوصًا مع تحركات “خان” الحثيثة لمواجهة محاولات إقصائه من المشهد، وهي التحركات التي لو نجحت، سوف تزيد من ضبابية المشهد، لكن بعض المحددات ستكون حاكمة لمسار الأحداث ومآلاتها، وعلى رأس هذه المحددات، مدى النجاح الذي سيحققه “خان” قضائيًا وسياسيًا من أجل مواجهة هذه المتغيرات، وموقف المؤسسة العسكرية والأمنية من أطراف الأزمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى