مصرعلوم وتكنولوجيا

رقمنة التقاضي.. تحقيق العدالة وتسريع الفصل في القضايا

في إطار قيام الدولة المصرية بتطبيق استراتيجية التنمية المستدامة 2030، وأيضًا ضمن الأهداف المنصوص عليها في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في سبتمبر الماضي؛ يجري العمل على تعديل المنظومة القضائية إلى منظومة رقمية تقدم العديد من الخدمات للجمهور بشكل أسرع، سواء من خلال رقمنة إجراءات ومخرجات التقاضي والحبس عن طريق أنظمة إلكترونية “أون لاين”، إلى جانب تقديم خدمات الشهر العقاري والطب الشرعي إلكترونيًا، وإنشاء مكاتب رقمية خاصة بمحاكم الأسرة.

في ديسمبر الماضي، بدأت وزارة العدل الإعداد لخطة الرقمنة، وذلك بالتعاون بين شركتي “لينك ديفيلوبمنت” و”مايكروسوفت” للعمل على رقمنة المحاكم الاقتصادية لتحقيق العدالة وتشجيع الاستثمار، ويساعد هذا المشروع في تمكين المحامين من إيداع صحيفة الدعوى عن بعد، وسداد رسومها ومصاريفها باستخدام بطاقات الائتمان أو أي وسيلة دفع أخرى، وتوقيع الصحيفة بالتوقيع الإلكتروني، وذلك بعد التسجيل المسبق في السجل الإلكتروني للمحاكم الاقتصادية.

واعتمدت بنود التعاون علي تنفيذ بوابة إلكترونية سهلة الاستخدام، بحيث يمكن للمواطنين والمحامين وأطراف النزاع في القضايا الاقتصادية تسجيل بياناتهم، ورفع القضايا ومتابعة سيرها، والاطلاع على قرارات القضاة في جميع مراحل التقاضي، ودفع الرسوم؛ كل ذلك إلكترونيا.

وقد طورت الشركة العالمية منصة العدالة الرقمية اعتمادًا على إمكانيات تقنية D365؛ وهي منصة قامت برقمنة كافة العمليات والخدمات القضائية وتكاملها، حيث يمكن رفع القضايا القانونية ثم إدارتها بشكل إلكتروني، يشمل: إسناد وتوزيع القضايا، وتحديد مواعيدها، وتحويلها، واستئنافها، وغلقها، وغيرها.

وفي أكتوبر 2020، دشنت وزارة العدل مشروعًا لنظر جلسات تجديد الحبس عن بعد، عن طريق “الفيديوكونفرانس”، مع الإعلان عن تطبيق هذا المشروع في جميع المحافظات تباعًا بعد البدء به في عدد محدود من المحاكم في القاهرة والإسكندرية وبعض السجون العمومية والمركزية، مع العمل على التوسع لتطبيقه في القضايا الجنائية. علاوة على ذلك، إقامة الدعاوى المدنية عن بعد في ست محاكم ابتدائية على مستوى الجمهورية، بحيث تتم إجراءات رفع الدعوى ودفع الرسوم وتحديد الجلسات والإخطار بالمواعيد إلكترونيًا.

رقمنه قضايا الأسرة

تم إنشاء ما يقرب من 20 مكتبًا رقميًا لتقديم خدمات نيابات الأسرة إلكترونيًا على مستوى الجمهورية، وذلك تيسيرًا على المواطنين من استخراج وثائق الحالة الشخصية بأنواعها الخمسة مثل: الزواج، الطلاق، والمراجعة، بالإضافة إلى استخراج الصور الرسمية للأحكام وصيغها التنفيذية وإعلانات الوراثة. 

وعلى مدار العام الماضي، قامت وزارة العدل متمثلة في النيابة العامة ببذل العديد من الجهود لتفعيل سياسة تحويل أعمالها رقميًا، وبخاصة خدماتها المقدمة إلى المواطنين للتسهيل عليهم، من خلال إنشاء مكاتب رقمية لتقديم خدمات نيابات الأسرة إلكترونيا على مستوى الجمهورية. وبالفعل تم افتتاح 8 مكاتب رقمية في محافظات القاهرة، والإسكندرية، والغربية، والأقصر، وجارٍ إنشاء 12 مكتبًا بمحافظات قنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا، وبني سويف، والفيوم، ودمياط، والشرقية، بالإضافة إلى ميكنة نحو 150 نيابة أسرة على مستوى الجمهورية متاح فيها ذات الخدمات المقدمة بالمكاتب.

ذلك بالإضافة إلى مشروع الأرشيف الإلكتروني الذي يعمل على حفظ ملفات القضايا الورقية إلكترونيًا؛ بما يضمن حفظ الوثائق من التلف، والحد من الفساد الإداري، ويتمثل ذلك في القيام بعمل مسح ضوئي للمستندات وحفظها إلكترونيًا، مع إتاحة آلية البحث الرقمي عن القضية، وتمكنت الوزارة من حفظ 150 ألف قضية، بواقع 10 ملايين ورقة.

الحبس الاحتياطي عن بعد

أما مشروع تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد فيتمثل في توفير شبكات مغلقة بين المحاكم والسجون، بحيث تتصل قاعات المحاكم التي تنظر تجديد حبس المتهمين المحبوسين احتياطيًا بقاعات مخصصة بالسجون العمومية والمركزية التي يوجد فيها المتهمون المحبوسون احتياطيًا، بحيث يمكن للقاضي والمحامين مشاهدة وسماع المتهم والعكس عبر “الفيديوكونفرانس”، وأسهم هذا المشروع في توفير الجهد والوقت ونفقات انتقالات المتهمين، والحد من انتشار الأوبئة، بالإضافة إلى الحد من المخاطر الأمنية أثناء نقل المتهمين.

القضايا الجنائية عن بعد

تم بدء تطبيق منظمة التحول الرقمي على القضايا الجنائية في يناير من هذا العام، وقد جرت التجربة في إحدى الدوائر الجنائية المنعقدة بمجمع محاكم القاهرة الجديدة، حيث نظرت “رول” الجلسات كاملًا لمدة أسبوع، وتضمن ١٥ قضية جديدة، بالإضافة إلى القضايا السابقة من المؤجلات بالدائرة. ويجري العمل على تعميمها على باقي الدوائر القضائية، حيث كانت جميع أوراق القضايا المنظورة أمام تلك الدائرة مدرجة على النظام الجديد، مع تجهيز كافة مستندات القضية المنظورة حتى تكون متاحة للهيئة القضائية أو المحامين، كذلك يتم تحديد رابط إلكتروني خاص بكل دائرة لبث وقائع الجلسات مباشرة ولإتاحة متابعة القضايا للمتقاضين وذويهم عن بعد عبر موقع خاص بالمحكمة.

ومن ثم فإن رقمنة الإجراءات الجنائية لها أهمية كبيرة في تحقيق العدالة الناجزة، وكذلك تلافى العيوب في الصورة التقليدية التي كنا نسير عليها؛ فمن خلال استخدام تلك التقنيات الحديثة سيتم حفظ ونقل الأدلة الجنائية وسرعة الفصل والمحاكمة. 

وعلاوة على ذلك، فإن الرقمنة في القضايا الجنائية ستساعد في توفير الوقت ومسايرة التطور التكنولوجي، من خلال خفض النفقات سواء في استعمال الأوراق في مراحل الدعوى الجنائية أو حتى مرحلة تنفيذ الجزاء، كذلك يمكن بسهولة التعامل مع ما تم رقمتنه من عمليات الاسترجاع والبحث وسرعة الوصول والإتاحة للأدلة والمستندات الجنائية في أي وقت وفى أي مكان. وأخيرًا، فإن التحول الرقمي يهدف إلى إنفاذ القانون، وتنفيذ الاستراتيجيات، والعمل على تعظيم الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تمكين وزارة العدل من تحقيق العدالة ومكافحة الفساد.

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى