
تصاعد التهديد.. دلالات هجمات تنظيم “داعش” في إسرائيل
شهدت إسرائيل في أقل من أسبوع ثلاث هجمات أسفرت عن مقتل 11 شخصًا، وإصابة آخرين. وقع الهجوم الأول في 22 مارس الجاري، عندما قتل شخص متعاطف أيدولوجيًا مع تنظيم “داعش” أربعة إسرائيليين في هجوم نفذه عن طريق الطعن والدهس في مدينة بئر السبع الجنوبية. في حين وقع الهجوم الثاني في مدينة الخضيرة، جنوبي حيفا، عندما قام شخصان مسلحان بإطلاق النار على المارة، ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة عدد من عناصر الشرطة. وللمرة الأولى منذ عام 2017، يعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن هذا الهجوم. بينما وقع الهجوم الثالث في ضواحي مدينة تل أبيب عندما قتل مسلح خمسة أشخاص وأصاب نحو سته آخرين.
وفي ضوء الهجمات السابقة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” عن سلسلة من القرارات للحيلولة دون حدوث المزيد من هجمات تنظيم “داعش” في إسرائيل، تضمنت الملاحقة القانونية للأشخاص المتورطين في تنفيذ العمليات الإرهابية، وتوسيع سياسة حمل السلاح من قبل جنود الجيش في الخدمة النظامية والاحتياطية، بالإضافة إلى مراقبة الخطاب المتداول على شبكات التواصل الاجتماعي، والكشف عن الجهات المحرضة وعن الإرهابيين المحتملين واتخاذ التدابير اللازمة بحقهم، فضلًا عن مواصلة حملة مصادرة الأسلحة في الأماكن ذات الصلة وتوسيعها من قبل شرطة إسرائيل. ويضاف إلى ما سبق، توجيه السلطات الإسرائيلية بتجنيد 15 ألف عنصر للشرطة وحرس الحدود لمواجهة خطر عمليات إضافية محتملة خلال شهر رمضان.
ورغم أن موقف حماس المؤيد للهجمات مفهوم في سياق الدفاع عن القضية الفلسطينية، إلا أن ترحيب الأذرع الموالية لإيران، وتحديدًا حزب الله اللبناني الذي وصف العملية بالاستشهادية، مهنئًا مُنفذيها كان لافتًا؛ نظرًا لانخراط عناصر من حزب الله في الساحتين السورية والعراقية بزعم محاربة “داعش”، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء نظرة إيران ووكلائها إلى إسرائيل على أنها العدو المركزي في المنطقة. وفي ضوء ما سبق، نُحاول الوقوف في هذا المقال على أبرز دلالات هجمات “داعش” الأخيرة في إسرائيل.
دلالات عديدة
تنطوي هجمات داعش الأخيرة في إسرائيل على جملة من الدلالات المهمة، يمكن الوقوف على أبرزها فيما يلي:
• الرد على مشهد إعادة الاصطفاف الإقليمي: ينطوي توقيت هجمات داعش الأخيرة في إسرائيل على دلالة مهمة يمكن استنباطها في سياق الوضع الحالي، سواء فيما يتعلق بمجريات المشهد العربي الراهن، أو بالتنظيم ذاته. حيث وقعت الهجمات بالتزامن مع التحركات الدبلوماسية الأخيرة في الإقليم، والتي جسدتها القمة الثنائية في شرم الشيخ والرباعية في العقبة والسداسية في النقب، وهي الترتيبات التي تنظر إليها أنظمة الحكم الثيوقراطية والجماعات الجهادية بوصفها محاولة لدفع القضية الفلسطينية إلى أسف سُلم الأولويات العربية، وبالتالي يأخذ تنظيم “داعش” من تلك التحركات ذريعة لاستهداف إسرائيل بحجة الدفاع عن القضية الفلسطينية، وضمان تصدرها للمشهد الإقليمي.
وهو بذلك يحاول توظيف هذا المشهد لاستخدامه كأداة للدعاية يحاول من خلالها رفع صورته العامة والروح المعنوية لمقاتليه وأنصاره؛ لتعويض الهزائم المعنوية التي مُني بها مُؤخرًا بعد مقتل زعيم التنظيم السابق “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي”، مطلع العام الجاري، إلى جانب كسب تعاطف العناصر الراديكالية المتطرفة داخل بعض المجتمعات العربية، وربما اجتذابهم إلى صفوف التنظيم.
ذلك فضلًا عن تحفير خلاياه النائمة داخل إسرائيل لتنفيذ المزيد من الهجمات اقتداءً بمنفذ الهجوم الأول، واسترشادًا بالتعليمات العامة التي ينشرها “داعش” عبر الإنترنت. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الهجمات ذات الطابع المنفرد تعد أحد الاستراتيجيات التي يُعول عليها تنظيم “داعش” في فترات “عدم التمكين” لتوسيع نفوذه في ساحات جديدة، بعد خسارته في معاقله التقليدية بسوريا والعراق.
• الانتقام لمقتل “القرشي”: تأتي هجمات تنظيم “داعش” الأخيرة في إسرائيل في إطار سعية إلى استعادة قوته والانتقام لمقتل زعيمة السابق “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” في فبراير الماضي، فقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن تل أبيب أدت دورًا في إنجاح العملية الأمريكية بشمال غربي سوريا، التي أسفرت عن تصفية “القرشي”. وذلك من خلال مساعدة الولايات المتحدة في تعقبه، عبر تقديم بيانات استخباراتية، والاستفادة من مصادر خاصة بها داخل سوريا أسهمت في إنشاء نافذة استخباراتية أتاحت لواشنطن تنفيذ العملية.
وأوردت المصادر ذاتها أن واشنطن أبلغت إسرائيل مسبقًا بخططها المتعلقة بالعملية، مرجحة أن ذلك جاء بسبب إشراف القرشي على الملف الإسرائيلي في “داعش” قبل توليه زعامة التنظيم في نهاية أكتوبر 2019. وأفادت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في مطلع العام الجاري أن الجيش الإسرائيلي هاجم أهدافًا لـ “داعش” في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مما أسفر عن مقتل المئات من عناصر التنظيم النشطة وإصابة الآلاف وتدمير الكثير من البنية التحتية للتنظيم.
• الهجوم الأول من نوعه: تاريخيًا لازمت دعوات استهداف إسرائيل والدفاع عن القدس أدبيات تنظيم “داعش”. ففي أول خطاب متلفز له في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003،”قال أبو مصعب الزرقاوي”، الأب الروحي ل “داعش”، “نقاتل في العراق وعيوننا على بيت المقدس”، وفى عام 2015 تكررت هذه الدعوات في خطابات التنظيم في غير موضع؛ ومن ذلك ما ورد على لسان زعيم التنظيم الأسبق “أبي بكر البغدادي” حيث توعد بتحويل فلسطين إلى مقبرة لليهود، قائلًا “يظنون أننا نسينا فلسطين، وما نسيناها…قريبا ستسمعون صوت دبيب مقاتلينا حول فلسطين.. سنلتقي قريبا في فلسطين”. وفى مطلع عام 2020 أعلن التنظيم على لسان متحدثه السابق “أبي حمزة القرشي” عزمه بدء مرحلة جديدة من الجهاد ضد إسرائيل، تستهدف قتال اليهود واسترداد ما سلبوه من المسلمين.
وعلى الرغم من ملازمة إسرائيل لخطاب “داعش” على مدار سنوات عديدة، إلا أنها نادرًا ما تُرجمت إلى مهام فعلية، في حين يعد هجوم الخضيرة أول استهداف من نوعه يتبناه التنظيم منفردًا، دون تضارب البيانات حول الجهات المُتبنّية للهجوم. وذلك عكس ما حدث في عام 2017، عندما أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل شرطية إسرائيلية في القدس، وهو الهجوم الذي تبنته حماس أيضًا وادعت كذب “داعش” في تبينه للهجوم.
• ثغرات أمنية وفشل استخباراتي: وصف مسؤولون أمنيون إسرائيليون الهجمات الأخيرة لـ “داعش” في إسرائيل بـ “الفشل الاستخباراتي” الكبير من المؤسسات الأمنية في البلاد، الأمر الذي يعزز من الحاجة إلي وضع استراتيجية جديدة للحيلولة دون تنامي هذه الهجمات. ويعزز من هذا الطرح أن المعلومات المتوفرة عن “محمد أبو القيعان” منفذ هجوم بئر السبع، كشفت عن اعتقاله سابقًا لدي السلطات الإسرائيلية بعد محاولته الوصول إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم “داعش” في عام 2016، وأُطلق سراحه عام 2019 بعد إعلان ندمه وتعهده بالتخلي عن أفكار التنظيم، إلاّ أنه نجح في التسلل من مراقبة جهاز الأمن العام (الشاباك) ونّفذ الهجوم حاملًا أفكار “داعش” دون أن ينتمي إلية تنظيميًا، الأمر الذي يشي بأن المعلومات حول نوايا داعش داخل إسرائيل تبدو مفقودة.
وينطبق الأمر كذلك على أبناء العم “أيمن وإبراهيم غبارية” منفذي هجوم الخضيرة، حيث أُدين “إبراهيم ” في عام 2016 لمحاولته الانضمام إلى تنظيم “داعش” في الوقت الذي بلغ فيه نشاط التنظيم ذروته بعد سيطرته على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق. وبعد قضائه فترة في السجن أُطلق سراحه، بينما ظلت أيديولوجية “داعش” مشتعلة بداخلة. وأفادت تقارير إسرائيلية أن العشرات من عرب إسرائيل الذين حاولوا الانضمام إلى التنظيم يتجولون الآن بحرية بعد أن قضوا أحكامًا طفيفة في السجن.
ثمة مظهر آخر من مظاهر الثغرات الأمنية التي كشفت عنها التقارير الإسرائيلية، وتتمثل في ظاهرة الانتشار المكثف للأسلحة غير القانونية في شوارع إسرائيل، فوفقًا لموقع “GunPolicy” هناك نحو 267000 قطعة سلاح غير قانونية في عام 2017 وما يقرب من ضعف هذا العدد بحلول عام 2020. ووفقًا لتقديرات الكنيست، تم تداول حوالي 400000 قطعة سلاح غير قانونية في جميع أنحاء البلاد. وقد تجسدت خطورة هذا الأمر في هجوم الخضيرة، حيث وصل المهاجمون إلى مكان الحادث ومعهم 1100 رصاصة، وما لا يقل عن ثلاث مسدسات وستة سكاكين.
ختامًا، يذهب العديد من التحليلات إلى أن هجمات “داعش” الأخيرة في إسرائيل تُنذر بسلسلة جديدة من العمليات المماثلة التي قد تنفذها بعض الخلايا النائمة التابعة للتنظيم، بالتزامن مع حلول شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، واقتراب الذكري الأولي لحرب غزة التي وقعت في مايو العام الماضي.
باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع