
تداعيات وتوصيات: تغير المناخ والعنف ضد المرأة
يمثل تغير المناخ إشكالية عالمية ذات آثار متصاعدة تسهم في تفاقم الكوارث الطبيعية، بما في ذلك العواصف والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات، وتتحمل النساء في كثير من الأحيان عبئًا غير متناسب لإعالة أسرهن خلال تلك الأزمات البيئية، فضلًا عن كونهن أكثر عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي؛ فتغير المناخ أدى إلى تضخيم وتسريع عدم المساواة بين الجنسين، وضاعف الحرمان والتهميش والتمييز ضد النساء والفتيات في المجتمعات المتضررة بيئيًا، لذا من المهم فهم العلاقة بين المعايير والممارسات الدولية والأعراف الاجتماعية بتنامي العنف ضد المرأة من منظور وبُعد بيئي، وكذلك تداعيات قضايا تغيير المناخ على مستقبل هذه التحديات وكيفية مواجهتها.
تغير المناخ والمساوة بين الجنسين
يؤكد النموذج البيئي على أن تطوير استراتيجيات للحد من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي يجب أن تشمل فهم التفاعل بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تؤدي إلى تعاظم تلك المخاطر، وتسهم في احتمالية ارتكاب الرجال للعنف.
ويمثل معيار عدم المساواة بين الجنسين أحد أهم هذه العوامل، ويضم مؤشرات تتعلق بمستويات الأمية، وحجم التمكين الاقتصادي للمرأة، ومقدار الاعتماد على الموارد الطبيعية وخاصة الاستدامة الزراعية ونصيب النساء منها، ودرجة الائتمان والتأمين للتعافي من الكوارث، وتوزيع الأدوار والمسؤوليات الأسرية، ونسبة مشاركة المرأة في صنع القرارات وخاصة تلك التي تتعلق بقضايا تغير المناخ، فالنساء في البلدان النامية على وجه التحديد يعانين بشكل خاص من تداعيات تغير المناخ، لأنهن يعتمدن بشكل كبير على الموارد الطبيعية المحلية، وهناك عدد من العوامل التي تفسر التفاوت بين تعرض النساء والرجال لمخاطر تغير المناخ منها:
- أولًا: الاختلافات بين الجنسين في مستويات الدخل بفضل الأطر القانونية المقيدة لعمل المرأة، إذ توجد فجوة عالمية بين الجنسين في الدخل والإنتاجية، وقد أظهرت نتائج دراسة مسحية بعنوان “المرأة والأعمال والقانون: إزالة الحواجز التي تحول دون الإدماج الاقتصادي” صادرة عن البنك الدولي عام 2012، أن 103 دولة من أصل 141 دولة محل الدراسة قد أعاقت أطرها وإجراءاتها القانونية على أساس الجنس إتاحة الفرص الاقتصادية أمام النساء.
- ثانيًا: الاختلافات في مستويات التعليم ونسب الأمية، إذ يبلغ عدد الأميين من النساء حول العالم أكثر من 700 مليون، ويمثل هذا الرقم ثلثي نسبة الأميين البالغين في العالم بحسب إحصائيات “الأطلس العالمي للمساواة بين الجنسين في التعليم” الصادر عن معهد الإحصاء التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO) عام 2012. أما عن نسب تسرب الفتيات من التعليم، فتؤكد آخر الإحصائيات الصادرة عن منظمة “اليونيسف” أن هناك ما يقرب من 130 مليون فتاة خارج المدرسة حول العالم.
- ثالثًا: مقدار الاعتماد على الموارد الطبيعية ونصيب النساء من امتلاك الأراضي، في هذا الصدد بالرغم من أن النساء يشكلن 43% من إجمالي القوى العاملة الزراعية، إلا أنهن يمتلكن ما بين 10% إلى 20% فقط من الأراضي الزراعية بحسب ما ورد بتقرير المساواة بين الجنسين والتنمية الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) عام 2011.
- رابعًا: فجوة التمكين السياسي بين الجنسين؛ فالنساء يفتقدن التمثيل المنصف في مراكز وقوى عمليات صنع واتخاذ القرار، مما يحد من قدرتهن على المشاركة بشكل هادف وفعال في القرارات المتعلقة بالتكيف والتخفيف من تداعيات تغيير المناخ عليهن، وعلى الصعيد العالمي تبلغ نسبة النساء من أعضاء مجلس الوزراء نحو 17% فقط، ونسبتهن من أعضاء البرلمان تبلغ نحو 19% فقط.
- خامسًا: الأعراف الاجتماعية والثقافية: حيث تقيد بعض الأعراف والتقاليد الاجتماعية اكتساب النساء المهارات اللازمة لمواجهة وإدارة المخاطر البيئية، وقد برهنت دراسة صادرة عن البنك الدولي عام 2010 بعنوان “الأبعاد الاجتماعية لتغير المناخ” على أن فقدان النساء لمهارات السباحة كانت سببًا رئيسًا في الحيلولة دون نجاتهن من كوارث الفيضانات في معظم الدول الأفريقية.
تغير المناخ والعنف ضد المرأة:
تتعرض النساء والفتيات خلال الكوارث الطبيعية لأشكال مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي سواء داخل الأسرة أو خارجها، فإن تغير المناخ يجعلهن في وضع أكثر هشاشة، وقد أكد تقرير منظمة كير لعام 2020 أن جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات تزداد أثناء الكوارث والصراعات، وأن الظروف المناخية المتطرفة تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة بين الجنسين.
وثمة أدلة من جميع أنحاء العالم تثبت أن تغير المناخ يساهم في زيادة العنف ضد المرأة، فقد نمت بسبب الكوارث في جنوب آسيا وخاصة في نيبال حوادث الاتجار بالفتيات والنساء وأشكال متباينة من العنف الجنسي والجنساني، وفقًا لما جاء في دراسة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، والمركز الدولي للتنمية المتكاملة للجبال (ICIMOD)، ومركز أبحاث المناخ والبيئة الدولية (CICERO) عام 2011. وكذلك في أعقاب زلزال نيبال 2015، ارتفعت معدلات حوادث الاغتصاب، والعنف المنزلي ضد النساء.
وفي دارفور، أكدت ملاحظات الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن في 23 فبراير 2021 بشكل بياني تداعيات المخاطر المتعلقة بالمناخ من انخفاض هطول الأمطار، وفترات الجفاف المتكررة، وندرة الموارد الطبيعية، وآثار ذلك على تعرض الفتيات والنساء للعنف الجنسي أثناء اضطرارهن إلى المشي لمسافات طويلة للحصول على مياه للشرب.
الأعاصير، كانت سببًا آخر لزيادة العنف ضد النساء، فإبان إعصار كاترينا في الولايات المتحدة عام 2005، ارتفعت نسب العنف الجنسي والجنساني ضد النساء بشكل كبير، وفي ميانمار تسبب إعصار نرجس عام 2008 في زيادة استهلاك الرجال للكحول، وكان ذلك سببًا مباشرًا في زيادة العنف المنزلي بنسبة 30% مقارنة بمعدلاته فيما قبل الإعصار.
وعلى الرغم من توافر البيانات التي تربط بين العنف المبني على النوع الاجتماعي وتغير المناخ، بيد أن تدابير الحد من هذه التداعيات قد تأخرت، ولم يتم مناقشة العنف القائم على النوع الاجتماعي وتغير المناخ حتى عام 2019، فقد جاء ذلك ضمن توصيات مؤتمر تغير المناخ (COP 25)، ويمكن استعراض طرح قضايا المساواة وتغير المناخ خلال مؤتمرات (COPs) على النحو التالي:
- تم تناول قضايا المساواة بين الجنسين وعلاقتها بتغيير المناخ لأول مرة في مؤتمرات تغير المناخ عام 2001 ضمن (COP 7): حيث تضمن القرار 36 للمؤتمر تحسين مشاركة المرأة في تمثيل الأحزاب في الهيئات المنشأة بموجب اتفاقية عرفت ببروتوكول كيوتو.
- اعترف (COP 16) عام 2010 بالتأثير الضار لتغير المناخ على حقوق الإنسان، كذلك اعترف بالحاجة إلى المساواة بين الجنسين والمشاركة الفعالة للمرأة في اتخاذ الإجراءات فيما يتعلق بجميع جوانب تغير المناخ، مع ضرورة مراعاة المنظور الجنساني أثناء اتخاذ أي خطط عمل أو استراتيجيات متعلقة بالبيئة، علاوة على التأكيد على أن النساء يمثلن الفئة الأضعف خاصة في الدول النامية.
- في عام 2012، سعى (COP 18) إلى توفير المشاركة المتوازنة بين الجنسين في مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتمثيل العادل للأطراف في مختلف هيئات تغير المناخ، وقد أقر بتمكين المرأة في سياق العمليات التنظيمية لتغير المناخ العالمي.
- وفي (COP 20) لعام 2014 تم إطلاق “برنامج عمل ليما بشأن النوع الاجتماعي (LWPG)”، وبالرغم من أن قرار انشاء البرنامج شدد على اعتماد سياسات مناخية مراعية للمنظور الجنساني، وناقش اتفاقيات تسعى إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، لكنه لم يحدد ماهية تلك السياسات، وكيفية تطبيقها.
- تضمنت اتفاقية باريس عام 2015 (COP 21) اعترافًا رسميًا بتغير المناخ بوصفه أحد الاهتمامات المشتركة المهددة لمستقبل البشرية، لذا طالبت بشكل قاطع النظر في المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة أثناء اتخاذ أي إجراء متعلق بالمناخ، ودعت إلى اتخاذ إجراءات مراعية للمنظور الجنساني بحيث بدأت اجتماعات مؤتمر تغير المناخ اللاحقة في التركيز بشكل أكبر على النهج القائم على النوع الاجتماعي.
- نتيجة لذلك، أكد (COP 22) عام 2016 على أهمية الترابط بين سياسات المناخ المراعية للمنظور الجنساني، والمشاركة المتوازنة للمرأة، وطالب بإنشاء هيئة فرعية خاصة لتنفيذ خطة العمل الجنسانية والقرارات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين.
- ثم أدخل (COP 23) عام 2017 “خطة عمل النوع الاجتماعي” لمعالجة متطلبات سياسة المناخ المراعية للمنظور الجنساني.
- وخلال (COP 24) عام 2018، تم تقديم تقرير لورشة عمل حول “الآثار المتباينة لتغير المناخ وسياسة وإجراءات المناخ المراعية للمنظور الجنساني، وكذلك السياسات والخطط والتقدم المحرز في تعزيز التوازن بين الجنسين.” وأكدت الأطراف المشاركة التزامها بمراجعة وتعزيز خطة العمل العالمية وبرنامج عمل “ليما” حول النوع الاجتماعي.
- أعلن (COP 25) عام 2019 تقريرًا مفصلًا عن “برنامج عمل ليما المُحسَّن بشأن النوع الاجتماعي وخطة العمل المتعلقة بالنوع الاجتماعي”، وأكد على الحاجة إلى تعميم مراعاة المنظور الجنساني، وأهمية برنامج عمل “ليما” بشأن النوع الاجتماعي والممارسات الزراعية الحسنة، وأقر بأن المناخ يؤثر على النساء بشكل مختلف بسبب عوامل متعددة الأبعاد أهمها عدم المساواة، وأوصى بضرورة تنفيذ سياسات تدعم بناء القدرات وإدارة المعرفة وتبادل الخبرات مع الجهات الفاعلة ذات الصلة بما يقلل الفجوة بين الجنسين.
- في (COP 26) عام 2020، تم لأول مرة دمج مفاهيم التخفيف من العنف المبني على النوع الاجتماعي في خطط العمل العالمية من منظور بيئي، فقد تم إعلان استثمار ما لا يقل عن 14 مليون دولار من صندوق المساواة بين الجنسين في البرمجة المناخية المراعية للمنظور الجنساني، واستثمار أكثر من 20 مليون دولار في مبادرات لزيادة الفرص الاقتصادية للمرأة في قطاع الطاقة النظيفة، وتعزيز العمل بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال معالجة الحواجز التي تعترض حقوق المرأة في الأرض، ودعم المزارعات وخاصة في شرق إفريقيا للتكيف مع تأثيرات المناخ.
مجمل القول: إن زيادة نسبة النساء كقائدات في العمل المناخي ستسهم في التكيف بشكل فعال مع تغير المناخ، لاسيما مع تعدد أدوار المرأة، والتي تضعها في قلب التنمية، لذا فإن تطبيق السياسات التي تراعي المنظور الجنساني في كافة النواحي، ومعالجة الأعراف الاجتماعية التي تدعم المساواة بين الجنسين بشكل منهجي، ستسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المنشودة 2030.
باحثة ببرنامج السياسات العامة