
الحماية الاجتماعية: مقومات مصر للعبور من موجة الغلاء العالمية
واقع العالم يؤكد أن غلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم ليس في مصر وحدها، بل أزمة تجتاح جميع دول العالم الآن، بما فيها الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة التي يعاني مواطنوها من ارتفاع أسعار السلع والمنتجات المختلفة؛ نتيجة تداعيات الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، والتي أثرت بالسلب على كل اقتصاديات العالم، وعلى حركة الصادرات والواردات لكافة السلع بين كافة دول العالم المتضرر بالأساس بسبب جائحة كورونا وتداعياتها.
الحماية الاجتماعية لمواجهة التداعيات الاقتصادية
دائمًا ما كان بُعد الحماية الاجتماعية حاضرًا بقوة على أجندة الدولة المصرية؛ فمنذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة باتخاذ إجراءات فورية لتخفيف آثار التداعيات الاقتصادية العالمية، وتوفير وتأمين السلع الغذائية للمواطن المصري؛ فتم تخصيص 130 مليار جنيه لمواجهة تداعيات الأزمة، وزيادة العلاوة الدورية للموظفين بالجهاز الإداري للدولة بدءًا من أبريل المقبل بدلًا من يوليو، بالإضافة لزيادة المعاشات، وتحديد سعر الدولار الجمركي بقيمة 16 جنيها للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج والذي تحدده وزارة المالية لقيمة السلع التي يتم استيرادها من الخارج وقيمة الرسوم الجمركية المفروضة عليها.
ذلك فضلًا عن زيادة حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25%، مع تحمل الخزانة العامة للدولة قيمة الضريبة العقارية المستحقة عن قطاعات الصناعة لمدة 3 سنوات، بجانب منع تصدير المحاصيل الاستراتيجية، وتخصيص حوافز مالية على أسعار توريد القمح.
وقد نجحت الدولة في تكوين مخزون استراتيجي من القمح يكفي 4 أشهر، بالإضافة إلى المحصول المحلي الذي سيبدأ توريده بدءًا من منتصف أبريل المقبل، علاوة على إضافة 450 ألف أسرة جديدة إلى برنامج الحماية الاجتماعية “تكافل وكرامة”، بتكلفة سنوية إضافية تبلغ 2.7 مليار جنيه، وانتشار موسع للشوادر، وإطلاق معارض “أهلًا رمضان” لعرض مختلف السلع الأساسية بأسعار مخفضة، وتعاون الوزارات الخدمية بطرح السلع الغذائية في منافذهم المختلفة بأسعار ما قبل بداية الأزمة.
وإلى جانب الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية على الفور، كان هناك تخطيط استراتيجي للإدارة المصرية على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي ساعد في درء تفاقم الأزمة الحالية، ومنها المشروعات القومية الزراعية، إذ تمت زراعة مئات الآلاف من الأفدنة بالسلع الأساسية لتقليل حجم واردات بعض هذه السلع مثل: مشروع المليون ونصف مليون فدان، ومشروع الـ 100 آلف فدان من الصوب الزراعية، ومشروع شرق العوينات، ومشروع توشكى الخير، ومشروع الدلتا الجديدة، ومشروع تنمية شمال سيناء.
هذا بالإضافة إلى المشروعات القومية للاستزراع السمكي، وإطلاق المشروع القومي للصوامع لإنشاء صوامع جديدة وتطوير الصوامع القديمة، والتي أدت إلى القضاء على هدر كميات كبيرة من القمح المخزن في الشون الترابية، فأصبحت الصوامع قادرة على استيعاب القمح المستورد، بجانب استقبال القمح المحلي الذي سيبدأ في أبريل، فالسعة الاستيعابية للصوامع الآن تستطيع استلام 6 مليون طن قمح، ويتم تخزينها بشكل آمن؛ فبلغ إجمالي عدد الصوامع 75 صومعة في 2021، مقارنة بـ 40 صومعة في 2014، وزادت السعة التخزينية للصوامع بنسبة 183.3%، فبلغت 3.4 مليون طن في 2021 مقارنة بـ 1.2 مليون طن في عام 2014.
وكذلك، قام رجال الشرطة المصرية بحالة من الاستنفار الأمني وتكثيف الحملات المستمرة في ضبط الأسواق ومنع أي محاولات للاحتكار أو إخفاء للسلع، فتم ضبط العديد من قضايا الاتجار غير المشروع في النقد الأجنبي، وضبط معاملات مستندية بالعملات المختلفة، وضبط قضايا حجب السلع والبيع بأسعار أزيد من السعر الرسمي في قضايا عديدة، سواء تموينية أو أسطوانات الغاز أو مواد البناء، بقيم مادية تقدر بمئات الملايين من الجنيهات.
وبالتوازي مع الجانب الأمني لوزارة الداخلية، كان لأجهزة الوزارة دور قوي أيضًا في التنمية من خلال ضخ كميات كبيرة من السلع الغذائية في منافذ وزارة الداخلية كمنفذ أمان، إلى جانب إطلاق وزارة الداخلية للمرحلة 22 من مبادر “كلنا واحد” لتوفير السلع المختلفة بأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق.
ولا يمكن عدم ذكر دور القوات المسلحة التي لم تكن غائبة أبدًا في التنمية، ودائمًا ما نجدها في الصفوف الأولى لمواجهة أزمات الوطن، فوفرت ملايين “الكراتين” الغذائية بتخفيض من 40- 60%، بالإضافة إلى زيادة منافذها الثابتة والمتحركة، ليس فقط في المحافظات والمدن، بل وصولها لكل قرية ونجع داخل الجمهورية.
هذا إضافة إلى الدور المهم للمجتمع المدني، الذي تعده الدولة المصرية شريكًا تنمويًا رئيسًا، فلعبت منظمات المجتمع المدني دورًا بارزًا في الحد من آثار برنامج الإصلاح الاقتصادي على الفئات الفقيرة بعد تحرير سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم في 2016، وكان لها دور مهم كذلك في المساعدات الانسانية أثناء جائحة كورونا؛ إذ تخطت مساهماتها الـ 5 مليارات جنيه.
وحاليًا، أعلن عدد من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية طرحها عددًا كبيرًا من “كراتين” المواد الغذائية، وكان في مقدمتها مؤسسة حياة كريمة التي وفرت مليون “كرتونة” مواد غذائية في قوافل “وصل الخير” التي تجوب الآن جميع أنحاء الجمهورية؛ لمراعاة الأسر الأكثر احتياجًا، والتخفيف من وطأة ارتفاع الأسعار.
وختامًا؛ لا أحد ينكر حدوث ارتفاع في الأسعار وخاصة السلع الغذائية نتيجة موجة التضخم الحادثة خلال الفترة الأخيرة بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا، وكذا لا ننكر جهود الدولة المصرية في توفير الاحتياطيات الاستراتيجية من السلع، ووضع خطط للحفاظ على أرصدة السلع الأساسية الاستراتيجية، فلولا اهتمام الإدارة المصرية بالجانب المجتمعي والتنموي والعمل عليه خلال السنوات الماضية لما تجاوزنا الأزمات المتلاحقة. ولا تكتمل منظومة ضبط الأسعار إلا بتفعيل دور الرقابة الشعبية، والتعامل الإيجابي للمواطنين في الإبلاغ عن محتكري السلع تجار الأزمات، وعدم التكالب على تخزين المواد الغذائية، وشراء منتجات تزيد عن الحاجة، فدائمًا ما صمدت مصر وعبرت من الأزمات المتعاقبة، وستتجاوز هذه الفترة الصعبة بتكاتف الجميع من مؤسسات حكومية وقطاع خاص ومجتمع مدني، بالإضافة إلى الرقابة الشعبية.