الاقتصاد المصري

رفع سعر الفائدة في مصر….الدوافع وحدود التأثير

لم يكن قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة غير متوقع؛ فمع استمرار الاضطرابات الناتجة عن جائحة فيروس كورونا وتطور الصراع الروسي الأوكراني انعكس ذلك على الاقتصاد العالمي والمحلي في كافة الدول المتقدمة والناشئة، فزادت حدة الضغوط التضخمية العالمية وارتفعت الأسعار العالمية للسلع الأساسية. ومع اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي قرار برفع أسعار الفائدة، انعكس ذلك على أوضاع الأسواق المالية في الاقتصادات المختلفة؛ فجاء قرار رفع أسعار الفائدة في خمس دول خليجية في اليوم التالي لقرار الفيدرالي الأمريكي ثم تبعهم اليوم البنك المركزي المصري حيث قرر خلال اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية رفع سعري عائد الإيداع والاقراض لليلة وواحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي وسعر الائتمان والخصم بواقع ١٠٠ نقطة أساس.

دوافع قرار رفع أسعار الفائدة

ترتبط قرارات تغير أسعار الفائدة بشكل مباشر بحالة سوق النقود في الدولة، وهي السوق المتعلقة بحجم العرض والطلب على العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وكذلك ترتبط تغيرات أسعار الفائدة باتجاهات المستوى العام للأسعار. وقد انعكست تداعيات الصراع الروسي الأوكراني على الاقتصاد المصري من خلال عدة قنوات وألقت بظلالها على سوق النقود ومعدلات التضخم في مصر.

وتتمثل قنوات التأثير في ارتفاع أسعار عدد من السلع الرئيسة المنتجة في أحد أو كلا الدولتين ويتم استيرادها محليًا، الأمر الذي ينعكس على ارتفاع فاتورة الواردات المصرية، بما يعني زيادة الطلب على العملة الأجنبية. وتزداد حدة التأثير في ظل أهمية السلع المستوردة والتي منها عدد كبير من الغلال كمحصول القمح، والزيوت والمعادن ومواد الطاقة. 

وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم وتعتمد بشكل رئيس على أسواق روسيا وأوكرانيا لتوفيره؛ إذ توفّر روسيا وحدها حوالي 50% من واردات مصر من القمح في 2021، في حين جاءت نسبة ما توفره أوكرانيا بنحو وفق أحدث بيانات، وتتحمل ميزانية الدولة بنحو 50 مليار جنيه سنويًا كدعم لهذه السلعة فحسب. ومن جهة أخرى، ينعكس ارتفاع أسعار المعادن والطاقة على كافة السلع نتيجة دخول كلا السلعتين كمدخلات إنتاج لكافة المنتجات، الأمر الذي ينعكس على ارتفاع فاتورة الواردات المصرية، وارتفاع تكاليف إنتاج السلع المحلية ومن ثم أسعار السلع النهائية.

وهناك قناة أخرى تتمثل في تراجع أعداد السائحين الوافدين من دولتي روسيا وأوكرانيا اللتين كانتا يمثلان حصة كبيرة من السياحة الوافدة لمصر. وتعد إيرادات السياحة مصدرًا رئيسًا للعملة الأجنبية المتدفقة داخل الدولة. ومن جهة ثالثة، فقد تأثر الاقتصاد المصري بقرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وقرارات البنوك المركزية الأخرى في السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر، والتي اتخذت قرارًا برفع أسعار الفائدة، الأمر الذي أسهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، والتي يطلق عليها الأموال الساخنة، إلى تلك الدول وتدفقها خارج الدولة بحثًا عن الربح الأكبر.

وقد انعكست تلك التداعيات على أوضاع سوق النقود بالاقتصاد المصري؛ فمن جهة انخفضت تدفقات النقد الأجنبي للداخل، ومن جهة أخرى ارتفعت تدفقات النقد الأجنبي خارج الدولة لتؤدي إلى ضغوط متزايدة على قيمة العملة المحلية وتنذر بمزيد من الارتفاع في المستوى العام للأسعار. وبالفعل فقد انعكست أوضاع سوق النقود على معدلات التضخم في الاقتصاد المصري، فبلغ معدل التضخم العام ٨.٨٪ في فبراير ٢٠٢٢، بالمقارنة بمعدل ٤.٤٪ في فبراير ٢٠٢١. في حين يقدر معدل التضخم المستهدف من قبل البنك المركزي المصري ٧٪+/- ٢٪.

ومع استمرار عدم توازن سوق النقود يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على العملة المحلية وظهور سوق سوداء لصرف العملات بأسعار مرتفعة. ولتجنب تلك الانعكاسات السلبية جاء قرار البنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة بواقع 100 نقطة أساس (1%) على عائدي الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي وسعر الائتمان والخصم. 

ويمثل سعر الفائدة المحدد من البنك المركزي مؤشرًا لأسعار الفائدة المحددة من قبل البنوك في عمليات الإيداع والاقتراض بين البنوك التجارية والمواطنين. وبالفعل فقد تم الإشارة من قبل عدد من المؤسسات المالية الدولية وبنوك الاستثمار المحلية إلى توقع تخفيض قيمة الجنية المصري، ورفع أسعار الفائدة منذ قيام البنك الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة.

جهود الدولة لتخفيف العبء على المواطن

مع ارتفاع أعباء التبعات الاقتصادية للأحداث العالمية، اتخذت الدولة عددًا من القرارات لضمان توفير السلع الأساسية للمواطنين وتحقيق استقرار الأسواق؛ فجاء قرار وضع تسعيرة محددة لرغيف الخبز لمدة 3 أشهر، وتم توفير المنتجات الأساسية بأسعار مدعمة من خلال إطلاق المرحلة الثانية والعشرين من مبادرة “كلنا واحد” والتي تقوم على التنسيق مع السلاسل التجارية وإقامة شوادر وسيارات متنقلة لطرح السلع بأسعار مدعمة تصل إلى 60%، فضلًا عن توفير مليون كرتونة من السلع الغذائية من خلال مبادرة حياة كريمة. 

وتم تخصيص نحو 170 مليار جنيه في ميزانية السنة المالية الحالية كاحتياطات لمواجهة تداعيات الأزمات الطارئة، وبلغ دعم السلع التموينية في مصر نحو 89.5 مليار جنيه للسنة المالية الحالية 2021-2022؛ منها 36.5 مليار جنيه كدعم للخبز، و53 مليار جنيه كدعم للسلع التموينية، يستفيد منه نحو 72 مليون شخص من دعم الخبز، و64 مليونًا من دعم السلع التموينية.

وكذلك تم العمل على تخفيض فاتورة الواردات في ظل زيادة الأسعار العالمية للحفاظ على رصيد الاحتياطي الأجنبي من جهة وتوفير السلع الأساسية من جهة أخرى؛ فسعت الدولة إلى الحصول على أكبر كمية من القمح من الفلاحين، فرفعت نسبة شراء القمح المحلي بنحو 53% بإجمالي (5 – 5.5) مليون طن من الفلاحين مقابل 3.6 مليون طن اشترتهم العام الماضي، ورفعت سعر توريد “إردب” القمح المحلي 14% إلى 820 جنيهاً في 2022. 

وقد تبع القرار الصادر من البنك المركزي بشأن رفع أسعار الفائدة إعلان البنوك الحكومية، وهي بنك مصر والبنك الأهلي، طرح شهادات ادخار بفائدة 18%، الأمر الذي يوفر قناة استثمارية بعائد مرتفع للحفاظ على القيمة الحقيقية لمدخرات الأفراد من جهة، ويؤدي إلى جذب السيولة وتحفيز الادخار لتجنب ارتفاع معدلات التضخم من جهة أخرى، فضلًا عن جذب رؤوس الأموال الأجنبية والتي تسعى وراء أسعار الفائدة المرتفعة فيرتفع الطلب على العملة المحلية وترتفع قيمتها مرة أخرى.

وعلى الرغم من جهود الدولة للحفاظ على استقرار المستوى العام للأسعار، إلا إنه من المتوقع أن تشهد الأسعار ارتفاعًا نسبيًا خلال الفترة المقبلة. ولتجنب استمرار ارتفاع الأسعار ينبغي تجنب التوجه إلى زيادة الطلب -دون الحاجة- على العملات الأجنبية، وكذلك تجنب شراء كميات كبيرة من السلع مع عدم الحاجة إليها، إذ يؤدي ذلك إلى تأثيرات سلبية مضاعفة على استقرار سوق السلع وسوق العملات.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أهمية برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الدولة المصرية وكان من شأنه تقوية وصلابة وضع الاقتصاد المصري وتعزيز قدرته على تحمل الصدمات الخارجية، فجاء قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 ليرسخ أهمية مرونة سعر الصرف في امتصاص الصدمات الخارجية ويخفف من حدة تقلبات سعر الصرف. ومن جهة أخرى، فقد أسهم برنامج الإصلاح الاقتصادي في توفير حزم تحفيز استثنائية لكافة الفئات والقطاعات الأكثر تضررًا من التبعات الاقتصادية للأحداث العالمية لتوفير الدعم اللازم وتخفيف العبء على المواطنين.

أسماء رفعت

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى