
قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة.. الأسباب والتأثيرات
لم يتوقف تأثير غزو روسيا لأوكرانيا عند حدوث أزمة إنسانية وإثارة اضطرابات في الأسواق المالية العالمية، بل إنه يهدّد الآن العديد من الاقتصاديات على مستوى العالم. وتُعدُّ مصر، كغيرها من الدول، إحدى الدول التي تضررت بشدّة من الحرب الأوروبية.
وتحاول الحكومة المصرية تجنب الأسوأ بعد تأثرها بارتفاع فاتورة واردات النفط وتراجع عائدات السياحة، وسط تضاؤل حيازاتها من النقد الأجنبي مع تزايد التهديدات بانسحاب رؤوس الأموال الأجنبية بعد قرار رفع الفائدة الأمريكية. وفي ظل معدلات التضخم التي ناهزت بالفعل 8.8% فإن الصراع يُصعِّب الأمور.
هذا إلى جانب عوامل موسمية ستؤدي إلى مزيد من الضغوط التضخمية ومنها موسم شهر رمضان، وتأثير ارتفاع أسعار الأسمدة على المحاصيل الزراعية الجديدة، وتأثير التقلبات المناخية على المحاصيل الزراعية، علاوة على تأثير الزيادة المرتقبة في أسعار المحروقات محليًا نتيجة زيادة النفط عالميًا.
لذا تبذل السلطات كل ما في وسعها لاحتواء الأزمة، وجاء من بين تلك الجهود؛ رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة لأجل ليلة واحدة في البنوك عند 10.25% على الإقراض لأجل، وعند 9.25% على الإيداع، ورفع الائتمان والخصم 100 نقطة أساس إلى 9.75%. شأنها شأن العديد من الدول والاقتصاديات المحيطة فقد رفعت البنوك المركزية في 4 دول خليجية، شملت السعودية والإمارات والكويت والبحرين، أسعار الفائدة، تماشياً مع قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة بنسبة 0.25% فقط لاحتواء التضخم
وتأثرًا بذلك، ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ليتخطى نحو (17.12 جنيها لكل دولار) مقابل (15.6 جنيها لكل دولار). ويأتي ذلك في إطار العرض والطلب في السوق، مع الحد من ظاهرة السوق السوداء وتوفير العملة الأجنبية في السوق بالطرق الرسمية.
أولًا: تطور أسعار الفائدة كأداه للتحوط ضد الأزمات:
شهدت أسعار الفائدة في مصر ثباتًا نسبيًا منذ نوفمبر 2020 حيث خفض البنك المركزي أسعار الفائدة 50 نقطة أساس من إجمالي 400 نقطة قام بخفضها خلال عام 2020. فقد ثبّت البنك المركزي المصري أسعار الفائدة لأجل ليلة واحدة بين البنوك عند 9.25% على الإقراض لأجل، وعند 8.25% على الإيداع، وهما في المستوى الأدنى منذ يوليو 2014. علمًا بأنه قد سبق في عام 2019 أن خفّض أسعار الفائدة بنحو 450 نقطة أساس.
ويعد قرار رفع أسعار الفائدة كأحد الأدوات التحوطية ضد خروج استثمارات الأجانب من أدوات الدين، خاصة بعد قرار الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة، ويمثل كذلك وسيلة من المركزي للتغلب على الموجات التضخمية؛ وذلك عن طريق ترشيد الاستهلاك؛ لتخفيف الضغط على المعروض السلعي، وتحجيم الأسعار. وفي المقابل يمثل رفع سعر الفائدة تباطؤًا في النمو نتيجة ارتفاع تكلفة الإقراض والإنتاج، وبالطبع سيترتب عليه ارتفاعات جديدة في الأسعار.
ثانيا: آثار رفع أسعار الفائدة وتأثير إصدار شهادات استثمار وطنية
- فيما يخص التأثيرات على عجز الموازنة، جدير بالإشارة أن زيادة أسعار الفائدة في مصر ستؤثر على زيادة عجز الموازنة نتيجة ارتفاع عبء الدين المحلي، والذي تجاوز نسبة 100% من الناتج المحلي، وجدير بالإشارة أن فوائد الديون التي تدفعها مصر تستحوذ للعام السادس على التوالي على القدر الأكبر من المصروفات بالموازنة العامة للدولة، حيث قدَّرت وزارة المالية المصرية في مشروع الموازنة الذي قدمته للبرلمان قيمة المصروفات خلال العام المالي المقبل 2021/ 2022 بنحو 1.8 تريليون جنيه، ينتظر أن تستأثر مدفوعات الفوائد بـ 31.5% منها بقيمة 579.6 مليار جنيه، من بينها 59 مليار جنيه فوائد الديون الخارجية. وقد توقَّعت الحكومة المصرية في وقت سابق، خفض العجز الكلِّي بموازنة السنة المالية 2021-2022 إلى 6.7% من 7.4% قبل عام، وزيادة النمو الاقتصادي إلى 6.3-6.5% مقابل 3.3%.
- التأثير على مدخرات الأفراد، يحمل قرار رفع أسعار الفائدة جانبًا إيجابيًا بشكل نسبي على أصحاب الودائع المصرفية لدى البنوك العاملة في الأسواق، فقرار رفع أسعار الفائدة يعني أيضا أن المودع يحصل على عوائد أعلى. لذا لجأت البنوك المصرية الوطنية كالبنك الأهلي وبنك مصر إلى إصدار شهادات استثمار ذات عائد مرتفع يبلغ (18%) كوسيلة ضد ارتفاع معدلات التضخم. وفي مثل هذه الحالات، يشهد القطاع المصرفي تدفقًا متسارعًا في ودائع العملاء، للاستفادة من نسب الفوائد الصاعدة، في المقابل تتراجع وفرة السيولة داخل الأسواق.
- التأثيرات المتوقعة على صافي الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى السوق المصري، تشير التحليلات إلى أن رفع أسعار الفائدة يقود إلى تحسن تدفقات الاستثمارات الاجنبية، كونها سوف تؤثر على استقرار معدلات التضخم الحالية، ويُتوقع أن يواصل المستثمرون الأجانب ضخ استثمارات مالية في أذون الخزانة والسندات خلال الفترة القادمة.
- رفع تكلفة الاقتراض الحكومي، أن يكون رفع سعر الفائدة مؤثرًا بصورة سلبية على الاقتراض الداخلي للحكومة لسد عجز الموازنة الأمر الذي سيؤدى إلى زيادة أعباء الدين الداخلي نتيجة ارتفاع تكلفة الاقتراض الحكومي من البنوك المحلية، وكذلك تحجيم التوسعات الصناعية والاستثمارية والشركات نتيجة رفع سعر الفائدة على الاقتراض.
باحثة ببرنامج السياسات العامة