
صافر وبارقة أمل ولكن!
قالوا ما في الدار من صافر، أي خاوية ليس فيها أحد، وهذه هي حال صافر، خزان نفطي عائم، ليس فيه أحد، ولكن على عكس ما قيل في اللغة عن كلمة صافر، صافر اليمني محط أنظار العالم ومركز اهتمام الأمم المتحدة وجميع دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا وهولندا والكويت وغيرهم، وعلى عكس ما قيل في اللغة من أن صافر هو طائر يعلق رجليه بالغصن وجسمه مدلى إلى الأسفل كي لا ينام فيُمسَك، فإن صافر اليمني قد مَسَكَ العالم من رقبته.
ما هو صافر؟
خزان صافر هو سفينة عائمة لتخزين النفط وتفريغه، ترسو في الشاطئ الغربي لليمن على بعد ثمانية كيلومترات (٤٬۸ أميال بحرية) إلى الشمال الغربي من شبه جزيرة رأس عيسى على الشاطئ الغربي لليمن، وهو يرسو هناك بشكل دائم منذ أكثر من ثلاثين عامًا دون أن يخضع لأي إصلاحات في الحوض الجاف أو في حوض بناء السفن.
وكان الخزان في بداية الأمر عبارة عن ناقلة نفط ذات بدن منفرد تحمل اسم إيسو جابان، وتم تصنيعها في عام ١۹٧٦، ثم في عام ١۹۸٦ تحولت لتصبح خزانًا عائمًا، وكان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح قد أعلن في نهاية ١۹۸٤ اكتشاف حقلي نفط في منطقة مأرب، وأنه سيتم التصدير خلال عامين، وكانت شركة هنت أويل الأمريكية التي تتّخذ من دالاس في تكساس، مقرًا لها، هي التي اكتشفت النفط في المنطقة، حيث أعلنت الاكتشاف الأول في صيف ١۹۸٤. وتعود الملكية القانونية للخزان العائم إلى شركة النفط الوطنية اليمنية، أو ما يطلق عليها صافر لعمليات الإنتاج والاستكشاف، وقبل تصاعد النزاع في عام ٢٠١٥، كان الخزان يستخدم لتخزين النفط المنتج من الحقول المجاورة لمأرب وتصديره، وسيطرت جماعة الحوثيون على المياه التي يرسو فيها صافر العائم منذ عام ٢٠١٥.
السبب التاريخي لتسمية الخزان صافر
ارتبط اسم الخزان النفطي العائم صافر بمنطقة صافر وهي عبارة عن جبل بالشرق من مدينة مأرب وعلى بعد ۸٥ كيلو متر والتي كان يستخرج منها الملح الصافري حتى أطلق عليها جبل الملح وليكون بعدها منطقة اكتشاف النفط الأولى باليمن، وظلت منطقة صافر محل اهتمام الجميع وبالتحديد منذ أن وضع الباحث البلجيكي جوكنس ملاحظاته وتوصياته في منتصف عام ١٩٥٠ بضرورة التركيز على مشرق اليمن. وفى بداية عام ١۹٧٨ تم إنشاء المؤسسة العامة للنفط والثروات المعدنية والتي أوكل إليها القيام بأعمال البحث والتنقيب، وفي عام ١۹۸٤ تم اكتشاف النفط في أول بئر بكميات تجارية على عمق حوالي ٣٤٠٠ متر وبالقرب من صافر.
وتتابعت عمليات البحث والتنقيب والحفر، وزادت معدلات الإنتاج والاحتياطيات في حوض مأرب أو صافر (مأرب الجوف) ووصل الإنتاج اليومي إلى معدلات تاريخية من مجمع الحقول المتعددة في صافر إلى ما يقارب ٢٢٠ ألف برميل من النفط الخام عالي الجودة، وكان يصدر من صافر عبر خطوط أنابيب تمتد من حقول الإنتاج حتى ساحل البحر الأحمر شمال مدينة الحديدة.
ومع بدايات عمليات التنقيب تم بناء ناقلة صافر في اليابان في عام ١۹٧٦ من قبل شركة هيتاشي زوسين Hitach Zosen تحت اسم إسو اليابان Esso Japan بوصفها ناقلة نفط ولتدخل الخدمة رسميًا مع بداية الاكتشافات النفطية في اليمن عام ١۹۸٦ بواسطة شركة النفط اليمنية بهدف نقل النفط من حقول الإنتاج وتخزينه عبر أنبوب لضخ النفط بطول ٤٣۹ كيلومتر وبمعدلات ضخ للمخزون من ١٥ إلى ٦٠ ألف برميل في الساعة ولذلك تحولت إلى خزان نفطي عائم ولتكون أكبر خزان عائم في العالم من هذا النوع ذات وزن ساكن يصل إلى ٤٠۹ طن متري وبسعة تصل إلى حوالي ٣ مليون برميل.
وبشكل عام سبب تسمية صافر بذلك الاسم، يعود إلى اسم الشركة المالكة شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج، وهي مملوكة لشركة النفط والغاز اليمنية الحكومية، وصافر هي أكبر شركة منتجة للغاز في اليمن تاريخيًا، وثاني أكبر شركة منتجة للنفط، وقد يكون سبب التسمية هو اسم الحقل في المربع ١۸ من المنطقة.
الأهمية الاقتصادية لصافر
يعود السبب الرئيس إلى الحاجة إلى خزان صافر العائم إلى ضحالة الشواطئ اليمنية في البحر الأحمر التي لا يمكن لناقلات النفط المجيء إليها، فكان الحل ببناء منصة عائمة من باخرة ضخمة وتركيزها وسط البحر في المياه العميقة ووصلها بالميناء بأنبوب نفط، أما النفط فيأتي عبر أنبوب مأرب رأس عيسى، الذي يجلب النفط إلى المنطقة.
ومنذ بداية الحرب الأهلية اليمنية، سيطر الحوثيون على ناقلة صافر التي تحتوي على نحو 1.14 مليون برميل من النفط تقريبًا. وفي السنوات الأخيرة تدهورت حالتها الهيكلية بشكل كبير وملحوظ مما أدى إلى تسرب المياه في أواخر عام ٢٠٢٠ إلى غرفة محرك الناقلة. وبناءً على أحدث التقارير، هناك مخاوف كبيرة من أن الناقلة المتهالكة قد تنفجر وتتسبب بدمار هائل، وانسكاب نفطي كبير في البحر الأحمر.
ما مشكلات صافر؟ وما السر وراء هذا الاهتمام العالمي الكبير؟
بعد اندلاع الحرب في اليمن، سيطرت ميليشيا الحوثي على خزان صافر عام ٢٠١٥، ومنذ ذلك الحين عرقل الحوثيون مرات عدة اتفاقات تتيح للفريق الفني لمنظمة الأمم المتحدة تقييم وصيانة الناقلة النفطية صافر، وذلك لأنهم يريدون استغلال هذا الملف كورقة ضغط وابتزاز عالمي في عمليات التفاوض على إنهاء الحرب في اليمن، في حين وافقت الحكومة اليمنية على تفريغ الناقلة وتحويل عائدات شحنة النفط المقدرة بمبلغ تراوح بين ٥٠ و۸٠ مليون دولار لمصلحة مرتبات الموظفين وذلك قبل موجة الأسعار المرتفعة والتي تشهدها صناعة النفط العالمية في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية.
يحتوي صافر على ٣٤ خزانًا وبقدرة استيعابية ضخمة قد تصل إلى ٣ ملايين برميل، وهو ذو جوف واحد وكل حاملات النفط الحديثة تم تصميمها بجوفين، بمعنى أن هناك فراغًا بين جدار السفينة وجدار الخزانات داخل السفينة مما يعمل على منع تسرب النفط عند ارتطام السفينة بشيء ما، وسيعمل وجود صافر في المياه المالحة لسنوات تعدت الخمس سنوات من دون أي صيانة على تآكل حديده بسرعة، مما قد يسبب انسيابًا نفطيًا كبيرًا نتائجه كارثية على المنطقة بالكامل.
وهناك العديد من المشاكل المزمع حدوثها أحلاهما مر، إما انسياب النفط، أو انفجار هائل وشيك، أو كليهما، وهذا يعني حدوث كارثة بيئية في المنطقة ستلحق بالبحر الأحمر وكائناته وشعابه المرجانية لعقود طويلة، وكارثة عالمية لأنه قد يؤدي إلى تباطؤ حركة السفن لقرب مكان الخزان من باب المندب، وكارثة اقتصادية للدول المجاورة، حيث يؤدى إلى وقف أو إبطاء حركة موانئها، وكارثة إنسانية إذا أثر في محطات التحلية للمياه في المنطقة.
وبصفة عامة، فإن عملية الانفجار من السهل حدوثها نتيجة أكسدة المواد المتطايرة من النفط، ومن المعلوم أن النفط ذاته غير نشط كيماويًا، ولكن إمكانية تطاير بعض المواد من السطح وتأكسدها من الممكن أن يؤدى إلى تولد حرارة ومواد سريعة الاشتعال، فأي احتكاك معدني بسبب حركة الأمواج أو الرياح، أو حدوث ارتطام أي جسم به، أو حتى البرق، يمكن أن تسبب الانفجار والاشتعال. الانفجار والحريق سيؤديان إلى تسرب نفطي في كل الحالات، وستكون الأضرار كارثية، إلا أن الحريق سيسبب مشكلات أخرى، لأن كمية النفط ضخمة نسبيًا، وسُحب الدخان الكثيف مضرة بيئيًا وصحيًا.
وقد يقول البعض إن حدوث عمليات الأكسدة أمر طبيعي، فهو يحصل في كل ناقلات النفط في العالم، فلماذا التركيز على صافر؟ نعم بكل تأكيد هي عملية متعارف عليها وتحدث في كل مكان، لذلك يتم ضخ غازات غير نشطة لطرد الأوكسجين وتخفيض كميته، مما يمنع حدوث المشكلة، ولكن الخطورة تكمن في أن تلك العمليات لم يقم بها أحد منذ عام ٢٠١٥، فمن المتوقع أن تكون الحرارة عالية، مع وجود كميات ضخمة من المواد سريعة الاشتعال.
ومن هنا، أصبح التدخل الأممي أمرا في غاية الأهمية، مما يتطلب تدخل الخبراء والفنيين لضخ كميات مناسبة من الغازات غير النشطة كيماويًا والعمل على طرد الأوكسجين، من دون أن تسبب هذه العمليات ذاتها كارثة أثناء عملية محاولة الإنقاذ، مما يعنى أن عمليات الإنقاذ ذاتها خطرة جدًا، وأي احتكاك معدني أو حتى تشغيل هاتف على متن صافر قد يؤديان إلى إمكانية حدوث الانفجار حتى فكرة نقل صافر إلى مكان بعيد غير واردة، لأن نقله بحد ذاته قد يسبب تسربًا أو انفجارًا.
التهديدات العالمية والإقليمية
- يُشكل تسريب النفط خطرًا بيئيًا على المنطقة العربية بشكل عام بما فيها محطات تحلية المياه.
- وجود أي تسريب من ناقلة صافر ستجعل حياة اليمنيين أكثر صعوبة لا سيما أولئك الذين يعتمدون في معيشتهم على صيد الأسماك.
- إذا حدث تسرب نفطي، مما سيؤدي إلى غلق ميناء الحديدة لأسابيع أو ربما لعدة شهور مما يتسبب بانعدام الاستقرار في سلاسل الامدادات والواردات التجارية والإغاثية وسيترتب عن ذلك معاناة مضافة بتكبدها ملايين اليمنيين.
- تهدد ناقلة صافر الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية للبحر الأحمر بمضيقيه باب المندب والسويس.
- تعطيل ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر والإضرار بالاقتصادات الإقليمية والتي تمثل نسبة ١٠٪ من إجمالي التجارة العالمية.
صافر شاهد على الحوثي وعبثه بحياة اليمنيين والمنطقة
تم وصف الوضع في الأراضي اليمنية بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ إذ يحتاج أكثر من ٢٠ مليون شخص، أي ما يعادل ۸٠ ٪ من عدد السكان تقريبًا، إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، ومن بينهم أكثر من ١١ مليون طفل، وقد يؤدي أي ثقب في هيكل صافر إلى تسرب نفطي أضخم بأربعة أضعاف من ذلك الذي تسببت به سفينة إيكسون فالديز في ألاسكا في عام ١۹۸٩، ومن شأن ذلك أن يحدث كارثة إيكولوجية وأن يفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمنى.
إذ سيمنع ذلك الوصول إلى ميناء الحديدة وميناء الصليف الأساسيين والضروريين لوصول المساعدات الصحية والأغذية وغيرها من الإمدادات. على الجانب الآخر، يواصل الحوثيون تهديد البيئة وسبل معيشة الناس كوسيلة لتحقيق ما يريدون، فمن مصلحة الجميع، خاصة الشعب اليمني الذي يتحمل المعاناة، العمل على جعل هذه الناقلة آمنة على الفور، لكن ميليشيا الحوثي لا تزال ترفض النداءات الدولية، حيث قبلت الأمر وتدخل الخبراء لصيانة صافر، لكنها تراوغ في هذه المسألة، لتحقيق أهداف خفية، وقذفت بملف خزان النفط العائم خلف ظهرها وتركته طي النسيان عن عمد، متجاهلة كافة النداءات في هذا الاتجاه، من بينها ما طرحته هولندا مؤخرًا لإيجاد حل للأزمة التي تهدد اليمن والمنطقة.
وفي أسوأ السيناريوهات المحتمل حدوثها، فإن تسرب النفط قد يؤدي إلى الإغلاق العاجل لميناء الحديدة الحيوي والمهم بالنسبة للجانب اليمني، وهو ما يقدر تأثيره بالتسبب في الارتفاع الكبير في أسعار الوقود والغذاء وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى ملايين اليمنيين، وليس بمقدور الشعب اليمني، خاصة في المناطق الشمالية، أن يتحمل تبعات إغلاق ميناء الحديدة.
فاليمن يعتمد على الاستيراد في الحصول على أكثر من ۹٠٪ من المواد الغذائية الأساسية وباقي السلع الأخرى، وتدخل معظم تلك الواردات إلى البلاد من خلال ميناء الحديدة، ولهذا سيكون الضرر كبيرًا نظرًا لاعتماد غالبية اليمنيين على السلع المستوردة في تلبية احتياجاتهم الأساسية، وكما من المتوقع أن يكون لإغلاق ميناء الحديدة أثر قوي للغاية خاصة في وقت يتجدد فيه تفشي المجاعة والأوبئة بين صفوف الشعب اليمني، وهو ما تؤكده تقييمات الأمن الغذائي الصادرة مؤخرًا.
وإجمالًا، ما تم تقديره لتكلفة تسرب النفط من خزان صافر العائم إلى مصائد الأسماك في اليمن بمليار ونصف مليون دولار أمريكي على مدار خمسة وعشرين عامًا. ومن المرجح أن تتضرر الدول الأخرى الواقعة على شواطئ البحر الأحمر بما فيها المملكة العربية السعودية وإريتريا وجيبوتي، وقد يضر التسرب أيضًا بحركة التجارة البحرية في البحر الأحمر، وهو واحد من أكثر المسارات البحرية نشاطًا في العالم إذ يمثل حوالي ١٠٪ من التجارة العالمية.
ما الذي تغير منذ عام ٢٠١۹؟
لقد أصبح الوضع أكثر إلحاحًا مما كان عليه في عام ٢٠١۹، ففي السابع والعشرين من مايو ٢٠٢٠، تسربت مياه البحر إلى غرفة المحركات في الخَّزان، لتهدد استقراره في مياه البحر الأحمر مع احتمالية غرقه بالكامل وإحداث تسرب هائل للنفط. وبالرغم من محدودية التسرب نسبيًا، إلا أن عمل غواصي شركة صافر لاحتوائه استغرق أكثر من ٣٠ ساعة تحت البحر على مدار خمسة أيام، وهي مهمة خطرة وصعبة للغاية.
ولا يمكن التنبؤ بمعرفة المدة التي سيصمد فيها الحل المؤقت الذي تم اللجوء إليه وقتها، وقد لا يمكن احتواء الحادثة القادمة، ويذكرنا الانفجار المأساوي الذي حدث بميناء بيروت حديثًا بتكلفة التقاعس عن اتخاذ الفعل المناسب، بجانب أن المجتمع الدولي أصبح أكثر وضوحًا الآن من أي وقت مضى فيما يتعلق بتوقعاته بإحراز التقدم في هذا الملف الحرج والمهم، وهو الأمر الذي أشار إليه المجتمع الدولي عدة مرات بما يتضمن اجتماعًا خاصًا لمجلس الأمن خصص تحديدًا لمناقشة موضوع صافر العائم يوليو ٢٠٢٠.
الكل يستغيث
على دول أوبك أن تتدخل بقوة لإنهاء كارثة صافر، وهذا يتطلب أيضًا مشاركة الجميع، وكذا على شركات النفط العالمية أن تتدخل وترسل خبراءها لإنهاء هذا الأمر، بأسرع وقت ممكن، وعلى الجميع أن يدركوا جيدًا أن الوقت لإلقاء اللوم وتصفية الحسابات السياسية قد فات، يجب أن يخرج صافر خارج المعادلات والحسابات السياسية، لأن الثمن سيدفعه الجميع وانفجار صافر وتسرب النفط في مياه البحر الأحمر سيكون حجة وعصا لكل أعداء وسماسرة النفط في العالم لتأكيد مواقفهم المعادية للنفط.
وعلى الحوثيين خاصة أن يدركوا جيدًا أن الموضوع لم يعد موضوع ورقة ضغط وابتزاز مالي، وليس ٤٠ مليون دولار قيمة مبيعات النفط الموجود في بطن صافر، وإنما أكبر من ذلك، لأن الانفجار سيرتبط باسم اليمن وشعبها للأبد، فضلًا عن أن شركات النفط العالمية ستتحاشى الاستثمار في اليمن، فبغض النظر عمن يحكم اليمن وشعبه في العقود المقبلة، سيخسر البلد مليارات الدولارات بسبب ضياع استثمارات أجنبية وعوائد نفطية وفرص لبناء وإعادة تعمير أراضيها.
مواقف محلية ودولية حتى الاتفاق الأخير
- موقف الأمم المتحدة
أطلقت الأمم المتحدة على ناقلة صافر مسمى القنبلة الموقوتة في عام ٢٠١٩، وأول دعوة أممية جدية حول ناقلة صافر جاءت في يوليو ٢٠٢٠، حيث دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى منح الوصول غير المشروط للخبراء التقنيين التابعين للأمم المتحدة على الفور، لتقييم حالة الناقلة وإجراء أي إصلاحات أولية محتملة، دون تأخير، لمنع تزايد المخاطر أو الانفجار أو التسرب.
- موقف المبعوث الأممي
أبلغ المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن السابق، مارتن جريفيث، في إحاطته لمجلس الأمن الدولي في نوفمبر ٢٠٢٠ بأن الأمم المتحدة لم تحصل بعد على موافقة الحوثيون لمهمة التقييم للوصول إلى سفينة السفينة العائمة، وقال إن النقاشات تسير بوتيرة أبطأ مما تتطلبه مسألة بهذا الحجم وبهذا القدر من الإلحاح.
- موقف السفير البريطاني
دعا السفير البريطاني في اليمن مايكل آرون في يونيو ٢٠٢٠ الحوثيين إلى السماح لموظفي الأمم المتحدة بصيانة ناقلة نفط في البحر الأحمر محذرًا من خطورة تسرب النفط من خزان صافر في ساحل رأس عيسى بمحافظة الحديدة، التي من شأنها أن تدمر البحر الأحمر وساحله.
- موقف بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن
حذرت بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن، من خطورة الوضع الذي وصل إليه الخزان العائم في البحر الأحمر، قبالة سواحل محافظة الحديدة، وذلك في بيان أصدرته في ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٠، بالاتفاق مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، والتوجه إلى الحوثيون بضرورة التعاون الكامل مع الأمم المتحدة، والسماح لفريق الخبراء بالوصول إلى السفينة دون قيود أو شروط مسبقة أو تأخير.
- موقف الحوثيين
يريد الحوثيون بيع النفط على متن ناقلة صافر، التي تقدر قيميتها بأكثر من ۸٠ مليون دولار، وتم منع فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة من الوصول إلى الخزان العائم صافر من قبل أنصار الله عدة مرات، آخرها في أغسطس٢٠٢٠.
- مقترح الأمم المتحدة واتفاق مارس ٢٠٢٢
أعلنت الأمم المتحدة عن مقترح قد يكسر الجمود القائم منذ أشهر في ملف الخزان العائم صافر، ويقضي المقترح الأممي بنقل حمولة الخزان من النفط الخام إلى سفينة أخرى، وهو ما توافقت عليه الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية والمضي قدمًا فيه بحسب بيان الأمم المتحدة، وسط حالات عدم تفاؤل لوفائها بأي تعهدات أو وعود أو اتفاقيات، فعلى سبيل المثال، ونحن نتحدث عن الأمم المتحدة والمقترح الجديد.
وأصدرت الميليشيات بيانًا تحمّل فيه الأمم المتحدة ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع المسؤولية الكاملة عن أي تسرب أو انفجار لخزان صافر، والمسؤولية عما أسمته تبديد الأموال المخصصة لتنفيذ اتفاق سابق كان قد تم التفاهم حوله في نوفمبر ٢٠٢٠ ورفضته الميليشيات، وبالرغم من أن عمليات نقل النفط من الخزان العائم صافر إلى ناقلة أخرى لم يقدم حلًا نهائيًا وقاطعًا، إلا أنه يخفف التهديد القائم للانفجار أو التسريب أو الحريق، ويقطع كل الذرائع أمام الحوثيين ويجعلهم في مواجهة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي لن يقبل بالتأكيد إهدار المزيد من الوقت والمال واستمرار التهديد للبيئة البحرية ولأحد أهم ممرات الاقتصاد العالمي.
الموقف المصري
حذرت مصر من التهديدات الخطيرة الناجمة عن تهالك حالة الخزان النفطي العائم صافر قبالة سواحل اليمن، وقال السفير محمد إدريس مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة خلال الجلسة الخاصة التى عقدها مجلس الأمن حول هذه القضية، إن الحوثيين لا يسمحون لخبراء الأمم المتحدة القيام بأعمال الصيانة اللازمة للحيلولة دون غرق أو انفجار الخزان بشكل قد ينتج عنه أكبر حادثة تسرب نفطي على مستوى العالم وآثار بيئية واقتصادية كارثية على اليمن وعدد من الدول المطلة على البحر الأحمر، وحذر إدريس من المخاطر الجمة المترتبة على تدهور حالة الخزان وتأثيرها على البيئة البحرية فى البحر الأحمر والملاحة الدولية فى مضيق باب المندب الذى يعد البوابة الجنوبية لقناة السويس.
وأشار إلى الخطاب المشترك الذي وجهته الدولة المصرية وخمس دول أخرى (المملكة العربية السعودية وجيبوتي واليمن والسودان والأردن) لمجلس الأمن في مارس ٢٠٢٠ في هذا الشأن حول خطورة الوضع، مطالبًا كل الأطراف المعنية بسرعة التعامل مع هذه المخاطر وصيانة الخزان دون مزيد من التأجيل أو الشروط، على أن يتم ذلك بالتوازي مع جهود الحل السياسي للأزمة في اليمن، وأشار إلى استعداد مصر للإسهام في تقديم الدعم الفني اللازم للقيام بأعمال الصيانة المطلوبة للخزان.
- طارق الخولي يتقدم بطلب إحاطة بشأن صافر
تقدم النائب طارق الخولي عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين بطلب إحاطة بشأن الناقلة النفطية صافر واحتمالية وقوع أكبر كارثة انسكاب نفطي في التاريخ.
وختامًا، سوف يأتي يوم من الأيام على العالم يدرك فيه أنه أخطا في حق نفسه، لا في حق البشرية والمنطقة بمفردها، عندما لم يضغط على من يملك الأمر بما يكفي للقبول بالمبادرة، وللأخذ بها حلًا للمأساة اليمنية التي يدفع ثمنها الشعب اليمنى ليلًا ونهارًا، سوف يدرك العالم كله هذا ذات يوم، ولو شاء لأدركه منذ ست سنوات، وهو يرى ناقلة نفط عملاقة محتجزة أمام ميناء الحديدة في مياه البحر الأحمر بلا أمل قريب في إطلاق سراحها، ومن دون أمل قريب في السماح لخبراء الأمم المتحدة في القيام بمهامهم ومباشرة أعمال الصيانة الضرورية لها، سوف يدرك العالم هذا ذات يوم، لأن وقوع أي تسرب متوقع في صافر يعنى حدوث تلوث مياه البحر الواصل جنوبًا إلى المحيط الهندي، وشمالًا إلى البحر الأبيض المتوسط بما يؤدى إلى توزيع التلوث في البيئة العالمية بالكامل.
وسوف يدرك العالم هذا ذات يوم أن السفينة التي جنحت في مياه قناة السويس إيفرجيفن كانت قادمة من الصين جنوبًا إلى هولندا شمالًا، وحين جنحت في مكانها فإن العالم قد احتبست أنفاسه وكاد أن يموت من الاختناق لتوقف مصالحه في ممر قناة السويس، سوف يدرك العالم هذا كله ذات يوم، لأن صافر مر في طريقه بباب المندب جنوبًا، حيث يمارس الحوثي عبثه وجنونه وتخريبه وتعطيل المرور في هذا الباب الواصل بين البحر والمحيط إنما يقود إلى النتيجة نفسها التي أدى إليها جنوح السفينة في مكانها في قناة السويس.خلاصة القول، إذا تحول صافر إلى رماد حريق، فالكارثة ستقع على الجميع، حتى شركات النفط العالمية المتصارعة على الثروة البترولية الضخمة مع ميليشيا الحوثي. أما اليمن، فقد خسر فى البداية، وسيخسر في النهاية.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة