أسواق وقضايا الطاقة

تمكين المرأة في قطاع الطاقة.. قضية واجبة

في الوقت الذي تتحمل فيه المرأة العبء الأكبر في عدم الحصول على الطاقة أو إيجاد الحلول المبتكرة في الإنارة أو الطهي أو التدفئة في البلدان التي تعاني من نقص في الحصول على الكهرباء والطاقة، لا يزال قطاع الطاقة من أقل القطاعات تنوعًا بين الجنسين في سوق العمل. فمن المتعارف عليه أن وظائف البحث والتنقيب والأعمال الفنية في قطاعات محددة مثل البترول والغاز الطبيعي ومحطات الكهرباء تكون للرجال من دون النساء بوصفها أعمال تحتاج لقدرات بدنية معينة.

ويقتصر عمل المرأة في هذه القطاعات على الأعمال المكتبية والإشرافية، وربما في أكثر الدول تقدمًا يمكنها أن تصل إلى الوظائف الإدارية العليا والتنفيذية. ولكن مع التغير الذي يحدث يوميًا في المجتمع الدولي ومحددات الاقتصاد العالمي من حيث أسواق الطاقة، والتحول نحو الطاقات النظيفة والحلول المبتكرة والتكنولوجية في الحصول على الطاقة وتخزينها، سنجد للمرأة دورًا أكثر تأثيرًا وفاعلية.

النساء في وظائف قطاع الطاقة

تعد مشاركة المرأة في قطاع الطاقة أقل من مشاركة الاقتصاد الأوسع، وتختلف بشكل كبير عبر قطاعات الطاقة الفرعية. وعلى الرغم من أنها تشكل 48٪ من القوى العاملة العالمية، إلا أن النساء لا تمثلن سوى 22٪ من القوى العاملة في قطاع النفط والغاز، و32٪ في مصادر الطاقة المتجددة. و45% من هذه النسب وظائف ذات طبيعة إدارية، إذ تشغل النساء 13.9٪ فقط من الإدارة العليا في قطاعات الطاقة والمرافق، وهو أقل بنسبة صغيرة من الوظائف في الصناعات غير المتعلقة بالطاقة والتي تمثل فيها المرأة 15.5%.

من بين مجالات عمل الطاقة، تم تمثيل النساء في المناصب الإدارية العليا بشكل أفضل في قطاع المرافق بنسبة 17.1٪، مع المرافق الكهربائية ومحطات الطاقة المستقلة عند الحد الأدنى بنسبة 16.5٪، يليها قطاع الغاز الطبيعي بنسبة 18٪. وتقع المرافق متعددة الخطوط في الطرف الأعلى للتوزيع بنسبة 20.3٪، بينما الوظائف في القطاعات الأخرى للطاقة تقف عند معدل منخفض جدًا يصل 12.1%، ويمثل الشكل التالي تمثيل النساء في المناصب الإدارية العليا حسب الوكالة الدولية للطاقة.

التحديات التي تواجه النساء في قطاع الطاقة

على الرغم من أن المرأة تشكل 48٪ من قوة العمل العالمية، إلا أن النساء تمثلن 22٪ فقط من قطاع الطاقة التقليدي، وبالنسبة لمستويات الإدارة تكون الأرقام أقل من ذلك. الحواجز التي تواجهها المرأة في قطاع الطاقة مماثلة لتلك التي تواجهها في أماكن أخرى من الاقتصاد. ومع ذلك، فإن تحديات قطاع الطاقة أكثر إلحاحًا لأن القطاع يمر بعملية تحول؛ إذ ستتطلب تحولات الطاقة النظيفة حلولًا مبتكرة ونماذج أعمال يتم تبنيها ومشاركة أكبر من الجنسين أصحاب الابتكارات والعمل الفعال، والعمل على تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في قطاع الطاقة.

على الصعيد العالمي، تواجه النساء تحديات تتعلق بنقص التدريب والفرص الكافية، والسياسات غير الملائمة لجذب النساء أو الاحتفاظ بهن، وعدم المرونة في مكان العمل، وعدم المساواة في الأجور، ودعم رائدات الأعمال، ومن بينها أسباب أخرى تتعلق باتجاه أن سياسات وبرامج الطاقة “المحايدة تجاه النوع الاجتماعي” ليست في الواقع محايدة تجاه النوع الاجتماعي ولكنها بدلًا من ذلك تعزز التحيزات بين الجنسين وتترك النساء وراءهن. 

تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “Gender perspective”

يرجع التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة انخفاض مشاركة المرأة في قطاع الطاقة إلى النظرة النمطية الاجتماعية والثقافية وتأثيرها على مراحل التعليم المبكر، إذ يقلّ تشجيع الشابات مقارنةً بالشبان على الانخراط أو المشاركة في الأنشطة التي من شأنها بناء وتوسيع خياراتهن في متابعة مِهن العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، هذا بالإضافة إلى القيود والتحديات التي تواجهها المرأة إذا انضمّت إلى القطاع، الأمر الذي يخلق في وقت لاحق تحديات في الارتقاء إلى المناصب القيادية، ويتمثّل أحد التحديات في القدرة على العمل والشغل في قطاع يسيطر عليه الذكور. 

علاوةً على ذلك، فإنّ ظروف العمل هي مواجهة أخرى سيتعيّن على المرأة مجابهتها بسبب تفكيرنا المجتمعي التكيّفي مع دور “المرأة التقليدي” كمقدّمة رعاية، إلى جانب عدم وجود قدوات نسائية ومرشدات في هذا القطاع. ومع ذلك، لماذا توجد مثل هذه القيود على المرأة في قطاع الطاقة إذا ثبت أنّ التنوّع الجنساني في القوى العاملة يمكن أن يولّد الابتكار ويفتح مسارات جديدة لتطوير التكنولوجيا، ممّا يؤثّر بشكلٍ إيجابي على أداء الأعمال والاستثمار؟ ومع تزايد خلق فرص العمل في قطاع الطاقة المتجدّدة، يجب علينا تشجيع الشابات على سلوك الطريق نحو وظائف الطاقة والقطاعات الجديدة، خاصة مع تأثيرهن المباشر مؤخرًا في الابتكار وايجاد حلول بديلة.

إنّ عدم التوازن بين الجنسين في مكان العمل هو نتيجة المسارات التعليمية وإجراءات التوظيف التي ما زالت حتى اليوم موجّهة نحو الذكور. وكما ذُكر سابقًا أن العمالة في صناعة الطاقة التقليدية يهيمن عليها الذكور. ولكن هناك احتمالات أن تكون مشاركة المرأة في الطاقة المتجدّدة أكبر من احتمالات مشاركتها في صناعة الطاقة التقليدية. 

بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن 27% من الوظائف المبتدئة في قطاع النفط والغاز التي تتطلّب شهادة جامعية تديرها نساء، إضافةً إلى 25% من وظائف المستوى المتوسط، و17% هي حصتهنّ الوحيدة في الوظائف العليا والتنفيذية على حدّ سواء. وبالتالي، لا تتاح للمرأة سوى فرصة واحدة من أصل مئة لأن تكون رئيسة تنفيذية في هذا القطاع، وبالمثل، تبيّن أن 22% فقط من النساء يشغلن مناصب إدارية عليا في قطاع الكهرباء والمياه والغاز.

وجاء في تقرير “المراجعة السنوية-الطاقة المتجددة والوظائف” للعام 2021 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ومنظمة العمل الدولية، أن قطاع الطاقة المتجددة وفّر وظائف ل 12 مليون شخص العام الماضي مقارنة مع 11.5 مليون شخص العام 2019. ووفقا للتقرير هناك دراسة أُعدت حول منطقة الشرق الأوسط، خلصت إلى أن قطاع الخلايا الشمسية المركزة استطاع توظيف أكثر من 2000 شخص وطاقة الرياح قرابة 2000 شخص أيضًا، بينما وفر قطاع الطاقة الحرارية نحو 1000 وظيفة. 

وتقدر الدراسة نفسها أنه إلى جانب الطاقة المتجددة، يوفر قطاع كفاءة الطاقة (الإضاءة والمباني) أكثر من 6 آلاف وظيفة العام 2020، ليصبح إجمالي الوظائف في القطاع نحو 11.300 ألف وظيفة، بينما تشغل النساء 5% فقط من إجمالي الوظائف.

نساء أفريقيا وفرص عمل خضراء 

من المتوقع أن يؤدي الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر إلى خلق العديد من فرص العمل الجديدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك القارة الأفريقية. وتشير الدراسات إلى أن التحول الاقتصادي سيتيح للمرأة الوصول إلى وظائف ذات رواتب أعلى وأكثر استقرارًا، بشرط تبنّي الدول سياسات وبرامج تمكينية قوية.

ويشير التقرير الذي حمل عنوان “الوظائف الخضراء للنساء في أفريقيا” الصادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن النساء في وضع جيد للاستفادة من وظائف المستوى الأولي التي ستُنشَأ، ولكن ليست الوظائف ذات الأجور الأعلى في قطاعات الطاقة المتجددة أو البنية التحتية أو النقل، على الرغم من الدور الحاسم الذي تلعبه النساء الأفريقيات في الاقتصاد وإدارة تغيّر المناخ في مجتمعاتهن. 

ويوصي التقرير بضرورة توفير المهارات اللازمة وتمكين بالنساء، وإزالة التحيزات بين الجنسين من التشريعات الوطنية، أو الاستفادة من الفرص التي توفرها الأدوات الاقتصادية الخضراء الجديدة، مثل ائتمانات الكربون، لإعطاء قيمة اقتصادية أكبر للنساء العاملات.

المرأة في الوظائف المصرية 

الفجوة بين الجنسين في مصر تتقلص ولكن ليس بالسرعة الكافية، إذ تتحرك مصر بشكل عام في الاتجاه الصحيح نحو التكافؤ بين الجنسين، لكن التقدم لا يزال بطيئا، وفي بعض المجالات أصبحت النساء أقل تمكينًا، وفقا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، تقدمت مصر خمسة مراكز في إصدار 2021 من التقرير السنوي الذي يقيس الفجوة بين الجنسين بعد أن احتلت المرتبة 129 من بين 156 دولة، لكن هناك عوامل مثل تراجع مشاركة المرأة في الاقتصاد وزيادة عدم المساواة الصحية، والتي توضح أنه لا يزال أمامنا الكثير لسد الفجوة بين الجنسين.

وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والصادر عام 2020, والذي استعرض فيه أوضاع المرأة المصرية في كافة المجالات، بلغت مساهمة المرأة في قوة العمل 15,6% من إجمالي قوة العمل (15 سنة فأكثر) مقابل67,3% للرجال، وبلغ معدل البطالة للإناث 21,7% مقابل 4,8% للذكور. 

وقد سُجل تفاوت بين أجور الإناث والذكور في كل من القطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، فكان متوسط أجر الذكور 940 جنيهًا مقابل 776 جنيهًا للإناث، وبلغ متوسط أجر الذكور في القطاع الخاص 911 جنيهًا في 2020، مقابل 745 جنيهًا للإناث.

ويشير الجدول التالي إلى بعض مؤشرات مشاركة المرأة المصرية

يعد تمكين المرأة في الاقتصاد وسد الفجوات بين الجنسين في سوق العمل أمرًا أساسيًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وعندما يعمل المزيد من النساء، تنمو الاقتصادات؛ إذ يعزز التمكين الاقتصادي للمرأة الإنتاجية، ويزيد من التنويع الاقتصادي والمساواة في الدخل، بالإضافة إلى نتائج التنمية الإيجابية الأخرى. وإعطاء فرص أكبر للنساء في وظائف العلوم والتكنولوجيا والوظائف الفنية في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والنقل وغيرها يمكنه أن يسهم في دعم الابتكار والتنمية الاقتصادية بشكل أوسع.

المصادر

  1. https://www.irena.org/-/media/Files/IRENA/Agency/Publication/2019/Jan/IRENA_Gender_perspective_2019.pdf
+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى