العراق

رسائل تحذيرية: الضربات الصاروخية الإيرانية على مدينة أربيل العراقية

أطلقت هجمات صاروخية من مدينة كرمانشاه الإيرانية بنحو 12 صاروخًا باليستى من طراز فاتح 110 والتي يبلغ مداها حوالي 300 كيلومتر، فجر الأحد 13 مارس الجاري على محافظة أربيل بإقليم كردستان في العراق، لكن لم ينتج عنها أضرار بشرية. وقد أعلن الحرس الثوري الإيراني في بيان له مسؤوليته عن هذا الهجوم، والذي استهدف مركز تجسس إسرائيلي.

وجاء في هذا البيان “بعد الجرائم الأخيرة التي ارتكبها الكيان الصهيوني المزيف، والإعلان السابق عن أن جرائم هذا الكيان لن تمر دون رد، استهدف الليلة الماضية المركز الاستراتيجي للتآمر وشر الصهاينة، بصواريخ تابعة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي”.

يأتي هذا الهجوم في سياق عدد من التطورات الدولية وكذلك الإقليمية التي تهم إيران، لاسيما في ضوء المفاوضات النووية الإيرانية، والحرب الروسية- الأوكرانية، وتطورات البيئة العراقية التي تشكل رقمًا مهمًا بالنسبة لإيران. ويبعث هذا الهجوم بعدد من الرسائل سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، سوف يتم الإشارة إليها فيما يلي:

* يأتي هذا الهجوم في سياق التنافس الإقليمي بين إيران وإسرائيل، لاسيما بعد مرور عدة أيام على غارة إسرائيلية على مصنع إيراني للطائرات بدون طيار قرب دمشق في 7 مارس، أسفرت عن مقتل اثنين من أفراد الحرس الثوري الإيراني هما مرتضى سعيد نجاد، وإحسان كربلاء بور. ومن ثم تبعث إيران برسالة إلى إسرائيل والقوى في الإقليم أن أي تهديد يوجه إلى إيران في ساحات نفوذها الإقليمية سوف يقابل بالتصعيد المباشر. ويختلف هذا الهجوم في إطلاقه بشكل مباشر من قبل إيران، وليس من وكلائها في العراق، ويوضح أيضًا عودة الحرس الثوري الإيراني بقوة إلى الساحات التي تعدها إيران ضمن نفوذها الإقليمي.

* يمثل هذا الهجوم اختبارًا للغرب وروسيا، بعد تعطيل الأخيرة لمجريات المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا، ومطلبها بضرورة وجود ضمانات مكتوبة بألا تضر العقوبات المفروضة على روسيا جراء الحرب الروسية – الأوكرانية بالتبادل التجاري بين إيران وروسيا، والذي يبلغ نحو 4 مليارات دولار. لكن هذا المطلب لم يلق تجاوبًا من جانب الدول الغربية، ولم تتبن إيران موقفًا واضحًا في ذلك.

* هناك محاولة من إيران للضغط على الغرب لتسريع وتيرة المفاوضات، لاسيما في ظل انشغال العالم بالحرب، وكذلك بعد المطلب الذي تم طرحه من روسيا قبل الإعلان عن الوصول إلى صفقة جديدة في المفاوضات التي تجري في فيينا بين إيران ومجموعة “4+1″، والذي تسبب في إرباك الحسابات وتأجيل الإعلان عن نجاح المفاوضات، بل وتراجع نبرة التفاؤل التي بدت جلية في تصريحات مسؤولي الدول المشاركة فيها. وجاء ذلك واضحًا في تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير لوجندر، في 10 مارس الجاري، عندما قالت إن “الآمال تتضاءل في التوصل إلى صفقة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية”.

* تبعث إيران كذلك برسالة مفادها أن العراق لا يزال يمثل ساحة نفوذ بالنسبة لها، وأنها لن تتخلى عن ذلك في حال إجراء أي ترتيبات دولية أو إقليمية جراء الحرب الدائرة، وترغب كذلك في الضغط على الولايات المتحدة، لاسيما أن الهجوم جاء بالقرب من محيط القنصلية الأمريكية في أربيل، وأن احتمالية التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران واردة، لاسيما وقد سبق وأن شنت الولايات المتحدة عملية عسكرية في بغداد نتج عنها مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في 3 يناير 2020.

* يأتي هذا الهجوم في سياق تشكيل الحكومة العراقية والتي تشهد عراقيل من قبل الأطراف المختلفة، وربما رسالة تحذير لخصوم إيران، في ظل نوايا لاستبعاد حلفاء إيران من الحكومة القادمة، وتحديدًا رسالة إلى الأكراد الذين تحالفوا مع الصدر الذي يصر على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، في حين أن الأطراف الموالية لإيران ترغب في حكومة توافقية. بالإضافة إلى أن إيران غير راضية عن العلاقات ما بين الأكراد وإسرائيل، ووجود مقر لجهاز الموساد في كردستان العراق.

* الأمر يتعلق أيضًا بالترتيبات الداخلية في العراق، لاسيما الخلاف حول اختيار رئيس الجمهورية في ظل الخلاف الكردي- الكردي حول منصب الرئاسة، والتطورات الأخيرة الخاصة بإصدار المحكمة الاتحادية العليا في 1 مارس الجاري حكمًا بإمكانية إعادة فتح باب الترشيح مجددًا لمنصب رئيس الجمهورية، لكن بقرار من مجلس النواب، وليس من رئاسة المجلس، أي أنه على مجلس النواب الاجتماع بكامل نوابه من أجل اتخاذ قرار بفتح باب الترشيح، وذلك بالأغلبية البسيطة، وليست أغلبية الثلثين. وهو ما يعنى أنه سيكون بمقدور الحزب الديمقراطي الكردستاني طرح مرشحه لرئاسة الدولة في العراق، ممثلًا في ريبر أحمد، بعد استبعاد هوشيار زيبارى، وبذلك تكون فرص مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني ممثلًا في الرئيس الحالي برهم صالح المحسوب على إيران قد تراجعت.

في الأخير، تصاعدت ردود الفعل الغاضبة على المستوى الداخلي والخارجي جراء هذه الهجمات الصاروخية التي تنتهك سيادة العراق، وتسببت في خسائر مادية، وأضرار بمنشآت مدنية ومساكن للمواطنين، وأثارت الخوف بين سكان تلك المناطق، طبقًا لما جاء في بيانات المؤسسات الرسمية العراقية، حيث تضررت مقر منظمة الأخبار المحلية كردستان 24، ومزرعة يملكها الرئيس التنفيذي لمجموعة كار النفطية العراقية الكردية الشيخ باز رؤوف عبد الكريم.

وقد أدان مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الحائز على الأغلبية في الانتخابات العراقية أكتوبر 2021، هذه الهجمات الصاروخية من خلال حسابه عبر توتير قائلًا “أربيل تحت مرمى نيران الخسران والخذلان وتحت طائلة التجويع. وكأن الكرد ليسوا عراقيين بل هم رئة العراق وجزؤه الذي لا يتجزأ، ولن تركع أربيل إلا للاعتدال والاستقلال والسيادة، لك يا أربيل ويا أيها الكرد منى سلامًا ومحبة. وصبرًا حتى تحقيق: حكومة أغلبية وطنية”.

أيضًا على المستوى الدولي؛ أدانت مصر هذا الهجوم، وأعربت عن استنكارها البالغ لهذه الأعمال الخسيسة، وأكدت على وقوفها التام بجانب العراق الشقيق، ودعمها لما يتخذه من إجراءات لحماية أمنه واستقراره. وكذلك الولايات المتحدة التي عدّت الضربات انتهاكًا صارخًا لسيادة العراق.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى