مصر

التقارب المصري – الطاجيكي واتساع دوائر السياسة الخارجية المصرية

أجرى الرئيس إمام علي رحمان، رئيس جمهورية طاجيكستان، زيارة مهمة وتاريخية إلى مصر، وهي الزيارة التي استمرت ليومين، وشهدت زخمًا كبيرًا على مستوى مخرجاتها والرسائل النوعية التي حملتها، لكن ما أكسب زيارة “رحمان” أهمية وزخمًا كبيرًا هو ما عكسته من اتساع دوائر وأولويات السياسة الخارجية المصرية لتشمل منطقة آسيا الوسطى، وفي المقابل الحرص الطاجيكي على تعزيز العلاقات مع مصر كجزء من مساعي تعزيز العلاقات مع العمق العربي والإسلامي.

ذلك فضلًا عن الاعتبار الأهم وهو المرتبط بالأهمية الكبيرة لطاجيكستان، خصوصًا في ضوء المتغيرات الأخيرة التي طرأت على المشهد في العالم سواءً فيما يتعلق بسيطرة حركة طالبان على أفغانستان وعودتها إلى حكم البلاد –إذ تعد طاجيكستان من دول الجوار المباشر لأفغانستان– أو على مستوى الأزمة الروسية – الأوكرانية وما تشهده من تطورات متسارعة وتداعيات خطيرة.

أبرز مخرجات زيارة الرئيس الطاجيكي إلى مصر

استقبل الرئيس “عبد الفتاح السيسي” في قصر الاتحادية الرئيس الطاجيكي “إمام علي رحمان”، فضلًا عن عقد وتفعيل منتدى الأعمال المصري – الطاجيكي، بحضور رئيس الوزراء “مصطفى مدبولي” وعدد من المسؤولين المصريين والوفد المرافق لـ “رحمان”. وتم الاتفاق على تطوير العلاقات الثنائية وتبادل الخبرات بين الجانبين في مختلف المجالات، في ضوء الروابط والقواسم الثقافية والتاريخية المشتركة بين البلدين، وبما يضمن ويعزز مصالح البلدين.

وعلى هامش ذلك تم توقيع عدد من مذكرات التعاون الثنائية، والتي شملت مجالات الزراعة، والشباب والرياضة، والتعليم العالي، إلى جانب اتفاق صداقة وتعاون بين محافظة جنوب سيناء وإقليم “كاتلون” بطاجيكستان، وكذا مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ومكتبة طاجيكستان القومية.

وفي سياق متصل زار الرئيس الطاجيكي و “ضراب الدين قاسمي” سفير طاجكستان في مصر ووفد مرافق له، جامعة القاهرة لبحث أوجه التعاون بين جامعة القاهرة والجامعات المتقدمة في طاجيكستان في المجالات الأكاديمية والبحثية، وإنشاء درجات علمية مزدوجة ومشتركة، وتبادل أعضاء هيئة التدريس والطلاب. وشهد اللقاء تبادل الأفكار والاستفادة من التجارب المشتركة، وفتح آفاق التعاون الدولي بوصفها إحدى مسارات جامعة القاهرة في الانفتاح على الثقافات العالمية، وتم منح الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة القاهرة للرئيس الطاجيكي، في احتفالية كبرى بحضور الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وعدد من الشخصيات العامة.

واستقبل المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس مجلس الشيوخ، الرئيس الطاجيكي، وخلال اللقاء أعرب “رحمان” عن أمله في أن تستفيد بلاده من التجربة التشريعية المصرية والتي يزيد عمرها على 150 عامًا. وقد تجسدت مخرجات هذا اللقاء في تشكيل جمعية صداقة برلمانية طاجيكية مصرية، في إطار الإيمان بأهمية الدور البرلماني أو ما يُعرف بـ “الدبلوماسية البرلمانية”، في الدفع باتجاه تعزيز العلاقات الثنائية؛ إذ إن الأداة البرلمانية هي أحد الأدوات المهمة في إطار السياسة الخارجية للدول، خصوصًا تلك التي تجمعها روابط ثقافية ومعطيات جيوسياسية وسياسية مشتركة.

وخلال مباحثاته مع المسؤولين المصريين بعث رحمان ببعض الرسائل المهمة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي: 

1- أكد “رحمان” أهمية تطوير التعاون الثقافي، لافتًا إلى التوافق على الاحتفال المشترك بعظماء الأدب والثقافة السابقين، وتبادل الخبرات بين المؤسسات العلمية والتعليمية بين البلدين، وهو الأمر الذي يعكس كون “القوة الناعمة” مرتكزًا وعاملًا محفزًا رئيسًا في اتجاه التقارب المصري – الطاجيكي.

2- أشار الرئيس الطاجيكي إلى أن المباحثات مع مصر ركزت على تعزيز التعاون في ملف السياحة، وهو اعتبار مهم، خصوصًا في ضوء ما يحظى به هذا القطاع الحيوي من مكانة وثقل في اقتصاد الدولتين، وما يواجهه هذا القطاع من تحديات في ضوء تداعيات جائحة كورونا، وكذا الحرب الروسية – الأوكرانية.

3- أكد الرئيس الطاجيكي أنه “تبادل مع الرئيس السيسي وجهات النظر حول القضايا الملحة ذات الطابعين الإقليمي والدولي”، مؤكدًا أنه والرئيس “عبد الفتاح السيسي” أبديا استعدادًا للتعاون بخصوص سبل إنهاء النزاعات في أقرب وقت ممكن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان، وهو مؤشر يعكس تجاوز المباحثات للبعد الاقتصادي، والسعي إلى بناء تفاهمات بخصوص قضايا إقليمية مُلحة، خصوصًا مع الأهمية الجيوسياسية الكبيرة لكلا الدولتين.

4- أشار الرئيس الطاجيكي وكذلك الرئيس “عبد الفتاح السيسي” في المؤتمر المشترك بينهما إلى أنهما اتفقا على تعزيز التنسيق في المجال الأمني، وتبادل المعلومات والخبرات بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو ملف يحظى بأولوية كبيرة لكلا الدولتين، خصوصًا في ظل النجاح الكبير الذي حققته الدولة المصرية على صعيد مواجهة العنف والإرهاب المسلح، وفي ضوء التهديدات الأمنية الكبيرة التي تحيط بطاجيكستان ودول آسيا الوسطى بشكل عام. 

وذلك خصوصًا مع صعود حركة طالبان وسيطرتها على الدولة الأفغانية، وما صاحب ذلك من تهديدات لدول الجوار وفي القلب منها طاجيكستان التي تحد أفغانستان من جهة الشمال الشرقي؛ إذ إن علاقات طاجيكستان بطالبان ليست جيدة، لأن طاجيكستان لم تعترف في التسعينات بطالبان، ودعمت الرئيس الأفغاني الرسمي في ذلك الوقت، برهان الدين رباني، فضلًا عن الدعم الكبير الذي قدمته للجماعات المسلحة المُقاومة لحركة طالبان في ذلك الوقت مثل: الجمعية الإسلامية.

وبالإضافة إلى تهديد طالبان يوجد تهديد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، خصوصًا في ظل تنامي حضور داعش في أفغانستان، فضلًا عن حضوره في طاجيكستان نفسها، حتى أن التنظيم نفذ العديد من العمليات داخل الأراضي الطاجيكية، كان أشهرها هو ما تم الإعلان عنه من قبل السلطات في مايو 2016، من مخطط لداعش لاغتيال الرئيس “إمام علي رحمان”، والتمرد الذي نظمه عناصر من التنظيم في سجن مدينة وحدات شرقي العاصمة دوشنبه، في 20 مايو 2019، وأسفر عن مقتل 32 شخصًا، من بينهم 29 سجينًا و3 حراس.

رسائل مصرية مهمة:

حملت زيارة الرئيس الطاجيكي إلى مصر، من حيث مخرجاتها، أو من مضمون المباحثات وفحواها، جملة من الرسائل والدلالات المهمة، وذلك على النحو التالي: 

1- جاءت زيارة الرئيس الطاجيكي ومباحثاته مع الرئيس “السيسي” بالتزامن مع مرور ثلاثين عامًا على اعتراف مصر بطاجيكستان المستقلة، إضافة إلى قرب حلول الذكرى الثلاثين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو الأمر الذي يعكس رغبة مصرية واضحة في الحفاظ على حيوية هذه العلاقات، وإحيائها، وتفعيل أطر التعاون القائمة، وزيادة مساحتها كمًا ونوعًا.

2- حظي الملف الأمني بمساحة كبيرة في مباحثات الرئيسين المصري والطاجيكي، وهو الأمر الذي جاء بالتزامن مع إصدار مجلس الأمن الدولي تقرير حديث حول التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) للسلام والأمن الدوليين، وهو التقرير الذي أشاد بالمقاربة المصرية لمكافحة الإرهاب، وبالتالي فالتجربة المصرية في مجال مكافحة الإرهاب باتت أحد مداخل التقارب مع العديد من الدول العالم، خصوصًا تلك التي تحيط بها التهديدات الإرهابية والأمنية.

3- أشار الرئيس “السيسي” إلى أن المباحثات مع “رحمان” تطرقت إلى إمكانية تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات تطوير الري وتعظيم الاستفادة من الموارد المائيـة والطاقة الكهرومائية، والتعدين، والزراعة، والسياحة، والصحة، والتصنيع الدوائي، وهي المجالات التي من شأنها أن تفتح آفاقًا جديدة للعلاقات بين البلدين، خصوصًا وأن رئيس الوزراء المصري دعا إلى استثمار الإمكانيات والموارد الطبيعية في البلدين في مشروعات مشتركة، تعود بالفائدة على البلدين وتحفز التنمية وتوفر فرص عمل للشباب، وفي المقابل دعا الرئيس الطاجيكي الشركات ورجال الأعمال المصريين إلى اكتشاف الفرص الاستثمارية في بلاده، لا سيما وأن طاجيكستان  شهدت تطوير الصناعات الاستراتيجية وقطاعاتها ذات الأولوية، خاصة الطاقة، والنقل، والصناعة، والزراعة، والاتصالات، والتمويل والبنوك والسياحة.

4- عكست زيارة “رحمان” وما شهدته من مباحثات ومخرجات وجود إرادة مصرية حقيقية لطالما طالبت العديد من الدوائر السياسية والبحثية بوجودها، فيما يتعلق بزيادة دوائر وأولويات السياسة الخارجية المصرية لتشمل منطقة آسيا الوسطى، خصوصًا وأن غياب الحضور المصري والعربي بشكل عام في هذه المنطقة المهمة يفتح الباب أمام اختراقها من بعض المشاريع الإقليمية التي قد تتعارض والمشروع المصري والعربي.

وختامًا يمكن القول، إن زيارة الرئيس الطاجيكي إلى مصر، والتأكيد المتبادل على السعي إلى تعزيز العلاقات الثنائية، مثلت تأكيدًا على النقلة النوعية التي شهدتها السياسة الخارجية المصرية في السنوات الأخيرة منذ ثورة الـ 30 من يونيو 2013، خصوصًا على مستوى استعادة الدور المصري في المنطقة والعالم، وتجاوز ذلك إلى اختراق مساحات جديدة تُعزز من هذا الدور.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى