
تزامنًا مع المشروع القومي لتنمية الأسرة: مشروع قانون إلزامية الفحص قبل الزواج
تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال انطلاق فاعلية المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، عن ضرورة توقيع الكشف الطبي على الزوجين قبل الزواج. وشدد على أهميته في الحفاظ على الاسرة المصرية وصحتها وتنميتها.
وبالتزامن مع انطلاق المشروع القومي لتنمية الاسرة المصرية، أُقر مشروع قانون إلزامية الفحص قبل الزواج، والذي قدمه النائب كريم السادات وأكثر من 60 برلمانيًا، وذلك بشأن إصدار قانون الفحص الطبي الشامل قبل الزواج، والمُحال إلى لجنة مشتركة من لجان الشؤون الصحية والتضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوي الإعاقة والشؤون الدستورية بمجلس النواب.
محتوى مشروع القانون
يقوم مشروع القانون، حسب المذكرة الإيضاحية على عدد من المبادئ في مقدمتها أن حماية الصحة العامة للمجتمع هدف والتزام من الدولة، وانطلق مشروع القانون من كون الأسرة نواة المجتمع، وصلاحها قوة له، وأن الحياة الخاصة لها حرمتها وقدسيتها. ويحتوي مشروع القانون على 19 مادة وفيما يلي أبرزها:
تعرض المادة (1)؛ المقصود بالفحص الطبي الشامل قبل الزواج في تطبيق أحكام هذا القانون ويتمثل في مجموعة الإجراءات الطبية والنفسية والاجتماعية التي تشمل التحاليل والفحوصات المختبرية، والأشعة التشخيصية، وغيرها من الإجراءات للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية والمناعية، والمعدية، كذلك الفحص الشامل للذكورة والنساء، والصحة النفسية، وتحدد اللائحة التنفيذية الفحوصات والتحاليل التي يتضمنها هذا الفحص ومواعيدها.
وتركز المادة (2)؛ على إطلاق برنامج إلكتروني متكامل بوزارة الصحة يسمى برنامج الفحص المبكر للأمراض الوراثية، وتقوم عليه وحدات مركزية وفرعية تتولى تحديد المستشفيات والوحدات الصحية لطب الأسرة المناسبة لهذا المشروع على مستوى الجمهورية.
وجاءت المادة (3) من مشروع القانون لتقضي بأن ينشأ بوزارة العدل بمقر محكمة الأسرة إدارة التأهيل النفسي والاجتماعي وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد تعيين الخبراء النفسيين والاجتماعيين ومقررات دورة التأهيل النفسي والاجتماعي، ويختص وزير العدل بتنظيم العمل بمكاتب التأهيل.
وفي حالة حمل أيا من المقبلين على الزواج لأحد جينات الأمراض الوراثية التي تؤثر على نسلهما، تقضي المادة (9) بحريتهم في إتمام الزواج من عدمه بعد حضور جلسة توعية بطب الأسرة حول آثار ذلك على صحتهما وعلى نسلهما.
وللخاضعين لأحكام هذا القانون في المادة (10)، بالحق في إعادة التحاليل والفحوصات على نفقتهم بالمستشفيات والمعامل والعيادات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون وتسلم النتائج والتقارير إلى الجهات القائمة على تنفيذ هذا القانون. فإذا كانت نتيجة التحاليل المعادة مغايرة لتلك التي تمت من قبل بنسب كبيرة فعلى الجهة الطبية المعنية إما اعتماد نتيجة التحليل الجديدة أو إحالته لجهة أخرى لعمل هذه التحاليل على نفقة الجهة المحيلة.
وتقضي المادة (14)، بأن يمنح الخاضعين لأحكام هذا القانون شهادة تبين إذا كان الزواج صحي أو غير صحي كما يمنح شهادة تفيد اجتياز دورة التأهيل النفسي والاجتماعي، وتبين اللائحة التنفيذية بيانات تلك الشهادات. ولا يجوز للمأذون في المادة (15) إبرام عقد الزواج، كما لا يجوز لأي جهة أخرى توثيقه إلا بعد تقديم الشهادة، فإن كانت نتيجة الشهادة أن الزواج غير صحي أرفق معها إقرار من الطرفين بعلمهما وموافقتهما على إتمام عقد النكاح. ونصت المادة (16) على معاقبة المأذون أو الموثق الذي يخالف أحكام المادة (14) بالحبس مدة لا تجاوز سنة والغرامة التي لا تجاوز خمسين ألف جنيه مصري أو بإحدى هاتين العقوبتين.
يحد من معدلات العنف الأسري والطلاق
وفقًا للمسح الديموغرافي والصحي في مصر الصادر عام 2014، فإن أكثر من (٣٦%) من النساء المتزوجات الذين تتراوح أعمارهن بين ١٥-٤٩ عامًا تعرضن للعنف الجسدي منذ سن ١٥ عامًا، كما كشفت دراسة حكومية لعام ٢٠١٣ أن أكثر من ٩٩.٣% من النساء والفتيات المصريات ممن شملهن الاستطلاع أفادوا بأنهن تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي في حياتهم. وإن أكثر مرتكبي العنف الذين يُبلغ عنهم هم الزوج الحالي (٦٤%)، ولكن يُذكر الآباء أيضًا بشكل متكرر (الأب/ زوج الأم بنسبة ٢٦%، الأم/زوجة الأب بنسبة ٣١%).
ووفقًا لمسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي للمرأة والجهـاز المركـزي للتعبئـة العامـة والإحصـاء في عام ٢٠١٥، تعاني حوالي ٧.٨ مليون امرأة من جميع أشكال العنف سنويًا، سواء ارتكب هذا العنف على يد الزوج أو الخطيب أو أفراد في دائرتها المقربة أو من غرباء في الأماكن العامة.
وفي دراسة حديثة للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بعنوان ” العنف المجتمعي: ظاهرة تحتاج إلى الحل” تصدرت الخلافات الأسرية قائمة الأسباب المؤدية إلى تزايد معدلات العنف، وبملاحظة منحنى نوعية الجريمة وُجد أن الاتجاه السائد نحو ممارسات أكثر عنفًا ودموية تجاه المرأة، خاصة في الجرائم الناجمة عن الخلافات الاسرية، بدلًا من فعل ممارسات أقل حدة كالتعنيف اللفظي مثلًا.
وبالنسبة لمعدلات الطلاق، فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال نشرته السنوية لعام 2020، أن العدد الإجمالي لحالات الطلاق بلغ 222 ألف حالة. وكان أعلى معدل طلاق في الفئة العمرية 30-35 سنة. بالإضافة إلى انخفاض عدد عقود الزواج إلى 876.015 مقارنة بـ 927.844 في عام 2019، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 5.6٪، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبالنظر إلى تلك المعدلات يتضح وجود خلل في تكوين الأسرة المصرية وهو ما سيسهم مشروع القانون بشكل كبير في الحد من تلك المعدلات من خلال اختبارات الفحص النفسي التي تهدف إلى تكوين حياة أسرية مبنية على أسس سليمة منذ البداية. الآن المادة (9) التي تنفي شرط “الإلزام” بعدم زواج الأشخاص الذين يحملون أمراضًا وراثية وبقاء إتمامه “اختياريًا”، هو أمر يتناقض مع هدف مشروع القانون بشأن إخراج جيل من الأبناء صحي وخالي من الأمراض الوراثية.
بداية الفحص الطبي
يعود بداية إجراء فحوصات ما قبل الزواج إلى عام 2008، بإضافة المادة رقم 31 مكرر إلى القانون رقم 143 لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية، التي تنص على أنه لا يجوز توثيق عقد الزواج إلا لمن يبلغ من الجنسين سن الـ 18. ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقيق من خلوهما من الأمراض التي توثر على حياتهما الزوجية.
إلا أن استخراج تلك الشهادات بات أمرًا روتينيًا لا يتم من خلاله إجراء الفحوصات بشكل فعلي، حتى أن استخراج الشهادات أصبح عرضة للتزوير، فطبقًا لدراسة صادرة عن المجلس القومي للسكان، فإن حوالي 41% من الشباب الذين تزوجوا حديثًا لم يجروا فحص ما قبل الزواج بشكل حقيقي وذلك لسهولة تزويرها. مما استدعى أن تقوم وزارة الصحة بربط فحوصات الزواج بمجمع الوثائق المؤمنة والذكية الذي افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2021، أي جعل الفحص الطبي إلكترونيًا حتى لا يمكن تزويره.
أخيرًا، يحقق مشروع القانون عددًا من الأهداف العامة، وفى مقدمتها: وقاية المقبلين على الزواج من الكثير من الأمراض الوراثية والمعدية التي يمكن أن تكون سببًا مباشرًا في تهديد مؤسسة الزواج، بجانب الحد من ظهور الكثير من الأمراض في الأجيال القادمة، وزيادة التوعية بأهمية الفحص الطبي ما قبل الزواج، وتقديم الاستشارات الوراثية حول الأمراض الوراثية.
ويحمل بعض المميزات في مادتيه الثانية والثالثة من حيث إطلاق برنامج إلكتروني متكامل بوزارة الصحة يسمى برنامج الفحص المبكر للأمراض الوراثية، من شأنه تكوين قاعدة معلوماتية عن صحة المواطنين تتكامل مع قواعد البيانات الأخرى الخاصة بمبادرة 100 مليون صحة، ويمثل إنشاء إدارة للتأهيل النفسي والاجتماعي خطوة أولية لخطوات قادمة في دعم الصحة النفسية للمواطن المصري.
ولكي يتم تطبيق القانون بما يضمن تحقيق أهدافه والخروج من مأزق تزوير الشهادة أو استخراجها بطريقة روتينية دون الخضوع للفحص يجب أولًا: تغيير التعامل الحكومي مع الشهادة الصحية بأنها مجرد ورقة روتينية مستخرجة، ثانيًا: تعديل الثقافة وتغيير المفاهيم للمجتمع المصري بضرورة الخضوع لتلك الفحوصات من خلال حملات إعلامية موجهة مستهدفة فئات مختلفة من المجتمع، ثالثًا: اتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه المخالفين.
باحثة ببرنامج السياسات العامة