تركياإسرائيل

التقارب «الإسرائيلي – التركي».. الدوافع وآليات التعاون

عاشت تركيا في الشتاء الماضي واحدة من أكثر الفترات صعوبة بسبب أزمة الطاقة التي هزت الاقتصاد التركي وتسببت في خسائر كبيرة بعد انخفاض إمدادات الغاز الطبيعي الإيراني بنسبة 40% بسبب مشكلة فنية كما وصفها الإيرانيون، ما دفع السلطات التركية إلى تحويل الغاز المتبقى في الأنابيب إلى الأماكن الحيوية لضمان توفير المنتجات والخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وغيرها. كان ذلك بمثابة جرس إنذار للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي استشعر الخطر بعد أضرار جسيمة لحقت باقتصاده، في الأيام اللاحقة بدأت وتيرة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب تأخذ منحى جديدًا ومتسارعًا نحو تعزيزها الذي كان قد بدأ بالفعل حتى انتهت بزيارة «تاريخية» للرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوج إلى تركيا في رحلة تمتد ليومين.

يبدو من سلوك الرئيس التركي أنه أعاد التفكير في مسار العلاقات مع إسرائيل في الأشهر الأخيرة، وفي الوقت نفسه تمتلك إسرائيل كميات كبيرة من الغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه في البحر المتوسط خلال السنوات الأخيرة، وبالتأكيد تصلح «تل أبيب» أن تكون بديلًا أو مصدرًا إضافيًا للغاز الطبيعي الإيراني والروسي، وخصوصًا في ظل الأزمات الحالية وأبرزها «الحرب الروسية-الأوكرانية» التي قد تتسبب في أمور غير متوقعة الأيام المقبلة. 

الغاز الطبيعي في تركيا

تعد تركيا مستوردًا صافيًا للغاز والنفط، وتعتمد على استيراد الغاز من 3 بلدان، وهم روسيا وأذربيجان وإيران، ما يتراوح بين 45 و50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا وفقًا لبيانات رسمية. وفي الأشهر الـ10 الأولى من 2021 وفّرت إيران وحدها 16% من احتياجات تركيا من الغاز الذي يُستخدم في توليد الكهرباء، وبذلك تعتمد تركيا على 3 دول حدودية لها في استيراد الغاز، الأمر الذي قد يدفع هو الآخر «أنقرة» إلى الخروج من هذه المنطقة بالتوجه إلى إسرائيل التي تسعى إلى تصدير الغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه إلى أوروبا.

مخاوف تكرار سيناريو إيران مع روسيا

مع بدء الأزمة الأوكرانية – الروسية في الـ24 من الشهر الجاري تزايدت المخاوف التركية من تكرار التجربة المريرة مع الغاز الإيراني وتجاه مستقبل الطاقة في البلاد، مع تنامي تهديدات وتداعيات العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية تزامنًا مع تهديدات البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وفرض العقوبات الاقتصادية المتتالية على موسكو التي قد تتسبب في تأثيرات وخيمة على تركيا، وخصوصًا إذا تم تطبيقها على خطوط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا مثل الخط التركي – الروسي «ترك ستريم» و«نورد ستريم 1» و«نورد ستريم 2» التي تضع روسيا وتركيا في مكانة مهمة بأسواق الغاز في القارة الأوروبية. 

التحرك نحو الغاز الإسرائيلي

في الخامس من فبراير الماضي إبان أزمة الطاقة في تركيا، أعلن الرئيس التركي أردوغان أنه سيبحث مع نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوج ومع رئيس وزرائه نفتالي بينيت، موضوع نقل الغاز إلى تركيا، مؤكدًا إمكانية استخدام الغاز الإسرائيلي في بلاده، والعمل على نقله إلى أوروبا عبر التعاون المشترك بين الجانبين، وفقًا لما أكدته وكالة أنباء «الأناضول» التركية.

آنذاك، أكد أردوغان أن بلاده لا تواجه مشكلة في الغاز الطبيعي، وقال إن العراق قد يزود بلاده بالغاز الطبيعي، مشيرًا إلى أصوات في الداخل التركي تتحدث عن نقص مخزون الغاز الطبيعي بالبلاد، رافضا إياها بشدة، موضحًا أنها كانت مشكلة بسيطة مصدرها الجانب الإيراني، ولا تعني نفاد مخزون الغاز بالبلاد، وذلك في محاولة لطمأنة الشعب التركي. وعلى الرغم من تلك التصريحات، إلا أن الرئيس التركي اتخذ خطوات متسارعة لتطبيع وتعزيز العلاقات مع الجانب الإسرائيلي الذي يسعى إلى تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

إحياء مشروع قديم

في مشهد مهيب على خلاف العادة، نُظّم حفل استقبال رسمي للرئيس الإسرائيلي هرتسوج، شارك فيه جنود أتراك بخيولهم، وظهر الرئيسان التركي والإسرائيلي وكأن البلدين تربطهما علاقات جذورها ضاربة في عمق التاريخ، وبعدها اجتمعا في لقاء سيطر عليه ملف التعاون في قطاع الطاقة، وهو الأمر الذي انعكس في تصريحات كل منهم إبان اللقاء. 

يبدو أن اللقاء شهد حديثًا حول المشروع الضخم الذي تعطل مرارًا وتكرارًا بنقل الثروة الغازية الضخمة التي اكتشفتها إسرائيل في البحر المتوسط إلى أوروبا عبر أنابيب تمر من تركيا، حيث قال الرئيس التركي أردوغان إنه يعتقد أن زيارة نظيره الإسرائيلي لأنقرة تشكل نقطة تحول في العلاقات المتوترة منذ فترة طويلة بين البلدين، لافتًا إلى أن أنقرة مستعدة للتعاون مع إسرائيل في قطاع الطاقة.

وفي إشارة إلى أنشطة سفن التنقيب والمسح السيزمي التركية، قال أردوغان إن اللقاء فرصة «لإحياء التعاون في مجال الطاقة الذي قد بدأ في السابق». كما صرح أردوغان في وقت سابق بأن البلدين يمكنهما العمل سويًا لنقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا. 

ويدرك أردوغان الآن أن بلاده زادت أهميتها بالنسبة للدول الأوروبية التي تعتمد على الغاز الروسي؛ إذ إنه بالمشروع الإسرائيلي سيصبح حلقة وصل بينهم وبين إسرائيل لنقل الغاز الطبيعي، وفي نفس الوقت تُقلل هذه الدول من الاعتماد على الغاز الروسي المُهدد الآن بسبب العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية، وخصوصًا بعد نداءات عديدة من القادة الأوروبيين الذي طالبوا بتقليل اعتماد القارة الأوروبية على الغاز الروسي. 

وجهة النظر الإسرائيلية

في مقال تحت عنوان «التقارب التركي لإسرائيل.. هذا هو الاقتصاد أيها الغبي» يرى الكاتب الإسرائيلي أمير بار شالوم وهو محلل استراتيجي، أنه من وجهة نظر إسرائيل يبدو أن الخيار التركي هو الأفضل اقتصاديًا وسياسيًا على الرغم من أنه يضر بتحالف مهم آخر وهو التحالف مع اليونان وقبرص.

ولذلك لم تكن استجابة إسرائيل سريعة في الفترة الماضية بسبب التجارب السابقة مع أردوغان، حيث اعتقدت إسرائيل أنه فتح صفحة جديدة بعد اتفاق تعويض ضحايا سفينة «مرمرة»، إلا أن ذلك لم يحدث، وعلى الرغم من كل هذا يرى المحلل الإسرائيلي أن زيارة هرتسوج إلى تركيا كانت واجبة من أجل الاستماع والتحدث أيضًا. 

ولكن الشق الاقتصاد ليس الدافع الوحيد لتعزيز العلاقات، فمن الواضح أن هناك رؤى متقاربة لأنقرة وتل أبيب في التوسط لحل الأزمة الأوكرانية الروسية، فالبلدان يعدان شريكًا مُحتملًا في الوساطة، وخصوصًا أنهما لم يشاركان في فرض عقوبات على روسيا على الرغم من أن كلتيهما يريان أنهما ينتميان إلى أوروبا بنفس القدر، وهذا ما ساعد بشكل أكبر ومهد الطريق أن تعمل الدولتان على الوساطة.

خاتمة

على الرغم من عدم الثقة الإسرائيلية في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب التجارب السابقة معه -إذ إنه عندما قبل اعتذار رئيس الوزراء السابق بشأن ضحايا سفينة «مرمرة» وتم الاتفاق على تعويضات لم يفتح صفحة جديدة معهم- إلا أن إسرائيل نظرت إلى المصلحة المزدوجة التي جعلهتا تتغاضى عن كل ما سبق، فهي تأمل في إحياء مشروع الغاز القديم وتصدير الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي عن طريق تركيا، ما يُنعش الخزينة الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى تسعى إلى أن الظهور في الواجهة بشأن الأزمة الأوكرانية – الروسية كوسيط، وهو موقف مشابه بشكل كبير للموقف التركي. 

أما بالنسبة للرئيس التركي أردوغان فيسعى إلى تلاشي أزمة مُحتملة مع الاقتصاد الذي يعتمد بشكل أساسي على الغاز الطبيعي القادم من روسيا وأذربيجان وإيران، فإذا زادت الأزمة «الأوكرانية – الروسية» حدة فستكون هناك عواقب وخيمة على الاقتصاد التركي الذي عانى من ضعف ضخ الغاز الطبيعي من إيران لأيام قليلة وكانت هناك نتائج كارثية لهذا الأمر.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى