مصر

قراءة في زيارة الرئيس السيسي إلى السعودية

تُعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية ذات أهمية استراتيجية في ظل طبيعة العلاقات الخاصة بين البلدين، وفي ضوء العلاقات المصرية العربية المميزة، فتأتي الزيارة كثالث زيارة لدولة عربية خلال العام الجاري عقب زيارتي الإمارات العربية المتحدة والكويت، وفي ظل ما يشهده العالم من تحولات في خريطة التحالفات، وما لها من تبعات أمنية واقتصادية على المنطقة تحتاج إلى رؤية عربية موحدة، فما هي أهمية الزيارة الحالية ودلالات التوقيت؟ 

نبذة عن الزيارة

تأتي الزيارة التي يجريها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية، كعاشر زيارة من نوعها منذ توليه حكم البلاد عام 2014، وكثالث زيارة لدولة عربية خلال العام الحالي، وسبقها لقاء الرئيس الجزائري في القاهرة، مما يعكس تقارب مصر مع محيطها العربي بوصفه أولى دوائر الأمن القومي المصري، والحرص على المصالح العربية المشتركة والتنسيق والتشاور حول مختلف القضايا الإقليمية المشتركة.

وتنوعت الزيارات بين اللقاءات الرسمية وحضور المؤتمرات المشتركة، فكانت الزيارة الأولى للرئيس السيسي في 10 أغسطس 2014، التقى فيها وخادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. وتعد المشاركة الرئاسية في القمة العربية الطارئة والقمة الإسلامية لمواجهة التهديدات الإيرانية لأمن المملكة وأمن الخليج العربي، في 30 مايو 2019 هي آخر الزيارات للرئيس السيسي للمملكة. 

وشهد عام 2018 أعلى معدل للزيارات المتبادلة، فقام الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية بزيارتين للقاهرة في 26 نوفمبر2018 و4 مارس 2018، لتعزيز التعاون والاتفاقيات الثنائية بين البلدين، وتوجه الرئيس السيسي في 14 أبريل 2018 إلى السعودية للمشاركة في أعمال القمة العربية الـ 29، في ظل ما تشهده المنطقة العربية من تحديات غير مسبوقة، وبحث سبل مواجهتها من خلال وضع استراتيجية مشتركة.

وفي 7 أبريل من عام 2016، زار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز القاهرة، وخلال الزيارة منح الرئيس السيسي جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز “قلادة النيل” التي تعد أرفع وسام مصري، وتضمن اللقاء تفعيل إعلان القاهرة، وتم عقد الاجتماع السادس للمجلس التنسيقي المصري السعودي. وفي 11 نوفمبر 2016 منحت “جامعة القاهرة” شهادة الدكتوراه الفخرية لخادم الحرمين الشريفين.

وشهدت الزيارة الحالية مباحثات حول العلاقات الثنائية والتشاور والتنسيق حول مختلف القضايا والأزمات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك خلال المرحلة الراهنة، والتي تتطلب تضافر الجهود من أجل حماية الأمن القومي العربي، ولذلك شهدت الزيارة مباحثات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع. 

رؤى مشتركة بين البلدين

تعكس الزيارة تقارب الرؤى المصرية السعودية والقائمة على التعاون وتحقيق المصالح المشتركة، وظهرت تلك الرؤية في لقاء الرئيس السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد، لتحقيق ازدهار وأمن المنطقة، من منطلق أن الأمن العربي هو محور الأمن القومي المصري والتأكيد على تحقيق أمن البحر الأحمر بوصفه ركيزة أمن واستقرار حركة الاقتصاد العالمي؛ وهو ما ظهر في المساعدات بين الأشقاء التي ظهرت في تنفيذ قرار الملك سلمان بن عبد العزيز في عام 2015، لتلبية احتياجات مصر البترولية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وزيادة الاستثمارات السعودية لتصل إلى أكثر من ٣٠ مليار دولار.

وفي إطار الأهمية الجيوسياسية للبلدين، شاركت مصر حفظ أمن واستقرار المنطقة ونددت بالتدخلات الحوثية والضربات الإرهابية للمملكة السعودية، ففي في 23 يونيو2020 أدانت وزارة الخارجية المصرية بشدة في بيان صادر عن وزارة الخارجية استهداف ميلشيات الحوثي المناطق السكنية والمدنيين بمدينتي “نجران” و”جيزان” بالمملكة العربية السعودية، وتأكيد دعم مصر للمملكة في كل ما تتخذه من إجراءات في مواجهة الإرهاب.

وسبقها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السعودية في 2 مايو 2015، لبحث سبل الحفاظ على أمن البحر الأحمر، وتهديد حركة الملاحة الدولية. وفي 10 مارس 2016 عقد الطرفان اجتماعًا على هامش المناورة الختامية لتمرين “رعد الشمال”، التي أُقيمت بـ”حفر الباطن”، وشارك فيها عدد من الدول الشقيقة، وكذا قام الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي بزيارة لمصر في 15 يناير2020 للمشاركة في افتتاح قاعدة “برنيس” العسكرية بمنطقة البحر الأحمر بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وفي المقابل وعقب قيام سامح شكري وزير الخارجية في 9 مارس2020، بتسليم نظيره السعودي الرسالة الموجهة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بشأن الموقف الحالي من قضية سد النهضة، وآخر المستجدات المتعلقة بمسار المفاوضات؛ ساندت المملكة العربية السعودية الموقف المصري في القضايا الإقليمية، فصرح السفير السعودي بالقاهرة سبتمبر 2021 بدعم مصر والسودان في موقفها من سد النهضة، وأصدرت الخارجية السعودية بيانًا في 20 يونيو 2020 قالت فيه إن المملكة تقف إلى جانب مصر في حقها في الدفاع عن حدودها وشعبها من نزعات التطرف والمليشيات الإرهابية وداعميها في المنطقة، وأن المملكة تعبر عن تأييدها لما أبداه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه من حق مصر حماية حدودها الغربية من الإرهاب. 

وتقوم الرؤية المصرية السعودية على تبادل الرؤى المشتركة حول القضايا الإقليمية في ظل التأكيد على أهمية التوصل إلى حلول سياسية لحل القضايا الإقليمية، وهو ما ظهر في 27 يوليو2020 حيث التقى الرئيس السيسي والأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي خلال زيارته للقاهرة، لبحث سبل التعاون والتشاور بشأن القضايا الإقليمية وخاصةً ليبيا واليمن وسوريا والعراق، حيث تم التوافق على أن مسارات الحلول السياسية هي الأساس لحل تلك القضايا.

التعاون بين البلدين

وقع الطرفان ما يقرب من 70 مذكرة تفاهم وبرتوكولًا بين الأجهزة والمؤسسات الحكومية في مختلف قطاعات التعاون المشترك، وتعد المملكة العربية السعودية هي ثاني أكبر مستثمر أجنبي في مصر، وجاءت مصر في المرتبة الثانية بقائمة الدول التي تم إصدار السعودية تراخيص استثمارية فيها عام 2020. 

ووفقًا لبيانات نشرتها وكالة أنباء الشرق الأوسط عن وزارة التجارة والصناعة المصرية أن المملكة العربية السعودية تعد أكبر شريك تجاري لمصر في منطقة الشرق الأوسط، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري في السلع غير البترولية بنحو 34% بين البلدين بنحو 4.3 مليار دولار خلال عام 2021 مقابل 3.2 مليار دولار خلال عام 2020.

وفي تقرير الهيئة العامة للإحصاء السعودية أوضحت أن مصر من أهم دول العربية والتي استأثرت بما نسبته 3%من إجمالي قيمة صادرات المملكة لعام 2019، وبلغت الصادرات اليها 360,19 مليون ريال حيث احتلت المرتبة الـ 11 من بين الدول التي تصدر لها المملكة، وكانت أهم السلع الوطنية المصدرة إليها: منتجات معدنية، لدائن ومصنوعاته، منتجات كيماوية عضوية، ألومنيوم ومصنوعاته، وورق مقوى. في حين بلغت قيمة واردات المملكة منها خلال العام ذاته 297,10 مليون ريال تمثل نسبة 2% من إجمالي قيمة واردات المملكة حيث احتلت المرتبة الـ 12 من بين الدول التي تستورد منها المملكة، وكانت أهم السلع المستوردة منها: “المنتجات المعدنية، والفواكه، والحديد والصلب وزيوت عطرية، ومستحضرات تجميل وخضروات”. 

وأسهمت اللجنة السعودية المصرية المشتركة برئاسة وزيري تجارة البلدين في تعزيز الروابط الاقتصادية، والانفتاح على السوق الأفريقية الواعدة، وفي عام 2019 اتفق الطرفان على تشكيل أربع لجان فنية متخصصة في مجالات الصناعة والزراعة واستصلاح الأراضي والتشييد والإعمار والسياحة.

وعن التعاون المشترك بين البلدين، يقدم الصندوق السعودي للتنمية منحًا وقروضًا لتنفيذ مشروعات تنموية في عدة محافظات مصرية، وفي المقابل توفر السوق المصرية سنويًا آلاف الأطنان من السلع الغذائية والزراعية والصناعية المصرية. 

وعلى جانب التعاون الأمني والعسكري، يأتي تعزيز التعاون الثنائي في ظل كون الأمن العربي والخليجي جزءًا من الأمن المصري، ومن الموقع الجيوسياسي للبلدين، فيقوم تعزيز التعاون العسكري لتعميق الاستراتيجية الأمنية؛ وهو ما ظهر في قيام الرئيس السيسي بجولة تفقدية للجناح المصري الذي يضم منتجات عسكرية متنوعة لوزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع، في معرض الدفاع العالمي بالسعودية بوصفه منصة عالمية في قطاع التصنيع الدفاعي والتطورات التكنولوجية بالرياض بصحبة سمو الأمير محمد بن سلمان، في إطار العلاقات المترابطة بين البلدين والحرص على المشاركة والاطلاع على أحدث التكنولوجيات في مجال الصناعات الدفاعية، ولعل زيارة م. محمد أحمد مرسي وزير الدولة للإنتاج الحربي في 6 مارس 2022، إلى السعودية لحضور فعاليات المعرض ولقاء عدد من الشخصيات المهمة وحضور عدد من الندوات لتأكيد هذا المفهوم القائم على تطوير الصناعات الدفاعية للدول العربية ونقل التكنولوجيا وتطوير التسليح. 

دلالات توقيت الزيارة

تأتي زيارة الرئيس السيسي في ظل الاضطرابات الأمنية والاقتصادية التي يشهدها العالم في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية، والتي غيرت من مشهد التحالفات، ولعل أبرز التأثيرات جاء في اضطراب الأمن الغذائي وخاصة بتأثر صادرات القمح ولكون السعودية بدأت منذ عام 2014 الاستثمار في المجال الزراعي في أوكرانيا بخاصةً زراعة القمح، وتأتي كذلك في مقدمة الدول المستوردة للدواجن الأوكرانية بنسبة 18.4%، تليها هولندا، ثم الإمارات بنسبة 8.3%، وبالتالي تتمثل البدائل المتاحة في التنويع الاقتصادي وهي الاستراتيجية التي فطنت إليها الدول العربية لضمان تحقيق الاستقرار والأمن الغذائي.

وأثرت الأزمة الحالية كذلك على أسعار النفط، وترتبط دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا بعلاقات اقتصادية في ظل التجمع تحت مظلة منظمة “الأوبك” بما ينعكس على أسعار النفط وحجم الإنتاج، ومدى الالتزام الروسي في ظل العقوبات الدولية، ومدى وجود بدائل عربية للاتحاد الأوروبي في وقف تصدير الغاز إلى أوروبا، وهو ما قد يؤثر على شكل خريطة التحالفات الدولية في الفترة المقبلة وقدرة هذه الدول على اتخاذ قرارات منفردة أو موحدة. 

هذا إلى جانب ما تشهده المنطقة من تبعات التدخل الإيراني غير المنضبط ومع الحديث عن توقيع الاتفاق النووي الإيراني وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2231، ولكون الوجود الروسي جزءًا من هذا الاتفاق. ولعل التوصل إلى اتفاق قد يضمن لدول الخليج عدم وجود تهديد نووي، إلا أنه لن يضمن عدم وجود تهديد بالتدخل في الشئون الإقليمية من خلال دعم الميلشيات المسلحة في المنطقة، وبالتالي التأثير الأمني والاقتصادي على دول الخليج؛ مما لا يحتاج إلى مواقف منفردة من دول مجلس التعاون الخليجي الست، ولكن يجب وضع استراتيجية موحدة للتعامل مع الوجود الإيراني يضمن وجود رؤية عربية موحدة. 

لعل أهمية هذه الزيارة ترجع أيضًا إلى خلق نوع من التكامل الاقتصادي والأمني والعسكري في ظل التحديات الدولية والتي تؤثر على الوضع الإقليمي ككل، وكون مصر لاعبًا أساسيًا في معادلة أمن الإقليم العربي، والتنسيق بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك خاصةً ليبيا واليمن والعراق وسوريا، لتقويض التهديدات الدولية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية في ظل الأزمات العالمية.  

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى