
العلاقات المصرية – السعودية.. تحديات مُشتركة وأمن عربي
تمتعت العلاقات المصرية – السعودية بتاريخ طويل شهد تقارب الرؤى بين بلدين هما الأكبر في المحيط العربي والشرق أوسطي منذ زمن بعيد، وهذا الأمر دفع البلدين إلى تعميق تلك العلاقات وتعزيزها تحقيقًا للاستقرار ليس فيهما فقط ولكن على المستوى الإقليمي، لذلك تحرصان دائمًا على تنظيم الزيارات المتبادلة التي تشمل مناقشة تطورات الأحداث في الإقليم، والتحديات الأمنية للأمن القومي العربي، بالإضافة إلى تنسيق التحرك المشترك تجاه الأزمات الدولية الكبرى.
في إطار ذلك، توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، صباح اليوم الثلاثاء، إلى العاصمة السعودية الرياض في زيارة رسمية لبحث العديد من الأمور مع الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، تشمل العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين، بالإضافة إلى التشاور والتنسيق حول بعض القضايا الراهنة التي تتطلب تضافر جهود البلدين. وتأتي الزيارة استكمالًا لزيارات متبادلة بين مصر والسعودية.

مجلس التنسيق السعودي المصري
من النقاط المضيئة في العلاقات الثنائية بين المصرية السعودية إنشاء “مجلس التنسيق السعودي المصري” الذي جاء لتنفيذ إعلان القاهرة الموقع في العاصمة السعودية الرياض بتاريخ 11 نوفمبر 2015م، والذي عقد اجتماعه الأول في الرياض في 2 ديسمبر من العام نفسه، وهو يمثل وسيلة وآلية لعمل مؤسساتي بين الحكومتين السعودية والمصرية؛ بهدف تقوية العلاقات، وتدعيم العلاقات الاستراتيجية في كل المجالات.
ومن ضمن مهام المجلس تحقيق التعاون المشترك بين البلدين، والارتقاء بأوجه التعاون والتنسيق في كافة المجالات، بالإضافة إلى عقد مشاورات سياسية بشكل ربع سنوي، فضلًا عن الانعقاد وقت الحاجة. ويتولى المجلس الإشراف على تقديم المبادرات وإعداد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية بين القاهرة والرياض ومتابعتها.
إعلان القاهرة 2015
عندما قام الأمير محمد بن سلمان بزيارة إلى مصر في عام 2015 جرى بحث مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها في كافة المجالات واتفق الجانبان آنذاك على وضع حزمة من الآليات التنفيذية في المجالات التالية:
- تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشترك.
- تعزيز التعاون المشترك والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل.
- تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محورًا رئيسًا في حركة التجارة العالمية
- تكثيف الاستثمارات المتبادلة السعودية والمصرية بهدف تدشين مشروعات مشتركة
- تكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين
- تعيين الحدود البحرية بين البلدين
ملفات مطروحة
يُلاحظ أن الزيارات المتبادلة ركزت في الأغلب على مباحثات تتعلق بتطورات قضايا المنطقة سواء التي كانت تتعلق بالبلدين أو التي لا تتعلق بشكل مباشر والتي يمتد تأثيرها إلى الإقليم بشكل كامل، حتى بات على الدولتين أن ترعيا مصالح المنطقة، والتنسيق للوقوف أمام التحديات الداخلية والخارجية.
وتأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في وقت تواجه فيه المنطقة تحديات داخلية أبرزها اعتداءات جماعة الحوثيين على السعودية والإمارات، وتحديات خارجية تتمثل في تداعيات الحرب «الروسية – الأوكرانية» التي بلا شك ستلقي بظلالها على المنطقة العربية، سواء على الجانب السياسي والوقوف بين المعسكرين الروسي والغربي، أو على الجانب الاقتصادي حيث تعتمد العديد من الدول العربية على روسيا وأوكرانيا كسلة غذاء.
- الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة العربية
في مقدمة القضايا المطروحة للنقاش هي الأزمة «الروسية – الأوكرانية» التي يبعث تطورها التوتر والمخاوف في العالم بأسره تجاه نشوب حرب مُدمرة تسفر عن كارثة إنسانية. ولكون البلدان ركيزتين أساسيتين لتحقيق التوازن والاستقرار في الشرق الأوسط يصبح التنسيق والاستعداد لما هو قادم بشأن سيناريوهات الحرب التي تتعدد أطرافها المتداخلة وتدور بين معسكرين هما الأقوى في العالم أمرًا ضروريًا.
- الأمن العربي والخليجي
لطالما كانت مصر داعمة للأمن الخليجي، وظهر ذلك جليًا في المساندة المصرية والإدانات لما تمارسه جماعة الحوثيين الإرهابية ضد المملكة العربية السعودية منذ بداية الأزمة، وخصوصًا بعد الهجوم الذي شنته تلك الجماعة على الأمارات بإطلاق صواريخ باليستية تجاه أبو ظبي ودبي، ما أدى إلى دخول صراع اليمن الدائر منذ أكثر من 6 سنوات مرحلة جديدة متعلقة بالتطور الميداني، بالإضافة إلى التهديد الذي تشكله هذه الجماعة على الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ما يستلزم مواصلة التنسيق العربي لمواجهة ذلك الخطر، خصوصًا أن هذا التطور يشير إلى تطور الترسانة العسكرية الحوثية.
رسالة مصرية
تحمل زيارة الرئيس السيسي في هذا التوقيت العديد من الرسائل الهامة، أولها التأكيد المصري على أمن واستقرار الدول الخليجية لمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية، وأن الأمن الخليجي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، بالإضافة إلى أنها تُعد بمثابة إشارة لمواصلة الحرص المصري على تنويع أطر التعاون الثنائي المشترك بين البلدين، واستطلاع آليات تعزيزها ودفعها إلى شتى المجالات الأخرى.
وتعد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدان انعكاسًا واضحًا لقوة العلاقات السياسية؟ وإذا نظرنا إلى المؤشرات الاقتصادية في العلاقات بين مصر والسعودية يُلاحظ أنها في نمو مستمر، فتحتل مصر المركز الثامن في أكبر مستقبل للصادرات السعودية، ويبلغ إجمالي التبادل التجاري في السلع البترولية وغير البترولية حوالي 7.5 مليار دولار.
وعلى الجهة الأخرى تحتل السعودية المركز الثاني كأكبر مستثمر في مصر؛ إذ تتجاوز قيمة الاستثمارات 6 مليارات دولار. ذلك بالإضافة إلى مشروعات الطاقة الناجحة بين البلدين، أبرزها مشروع الربط الكهربائي الذي تم توقيعه في أكتوبر الماضي بهدف توفر إمدادات طاقة لأكثر من 20 مليون شخص باستخدام تقنيات حديثة بكفاءة أعلى. وخلال 10 سنوات مضت، تجاوز حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية 100 مليار دولار. ولم تنعكس قوة العلاقات على الجانب التجاري فحسب، وإنما يشهد التعاون المصري السعودي زخمًا كبيرًا في العديد من المجالات.
ختامًا، بالنظر إلى تاريخ العلاقات بين مصر والسعودية ودورهما في قيادة المنطقة وخصوصًا وقت الأزمات يتضح أن التنسيق بينهما يحتل الجزء الأكبر من التأثير والتحكم في كل أزمة تواجه المنطقة، وزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى لسعودية تأتي في وقت تواجه فيه الدول العربية تحديات عديدة أبرزها الأزمة الأوكرانية التي اندلعت قبل ما يقرب من أسبوعين وبلا شك ستصل تداعياتها إلى عدد من الشعوب العربية، وبناء عليه لتحقيق الاستقرار في المنطقة كان ضروريًا أن تتحدث القيادتان بشأن هذه التهديدات. وبالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات داخلية تُهدد أمن المنطقة، أبرزها جماعة الحوثيين التي نفذت هجمات غير مسبوقة بآليات جديدة تجاه السعودية والإمارات، ونظرًا لما تتمتع به مصر من خبرات كبيرة في ملف الإرهاب تستطيع القاهرة أن تقدم دورًا كبيرا في هذا الملف المهم.