مصر

وضع المناطق الصناعية في مصر: التحديات وجهود التطوير

استطاعت الدولة المصرية خلال السنوات الاخيرة استعادة دورها الاقتصادي، حيث تمكنت من تنفيذ بنية تحتية قوية علاوة على وضع بنية تشريعية كبيرة أعادت هيكلة المالية العامة، مع إعادة صياغة السياسة النقدية، بما شكل المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اتسم بجراءة التدابير والقرارات الاقتصادية والمالية. ومن المرتقب أن تشهد المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي إجراءات أقوى وبوتيرة أسرع متضمنة آليات وحوافز لتنشيط القطاع الصناعي والاستثمار؛ إذ يتميز القطاع الصناعي عن غيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى بمساهمته العالية في تحقيق النمو الاقتصادي، فتُعد الصناعة جوهر النمو الاقتصادي بالنسبة للدول النامية.

أهمية القطاع الصناعي للاقتصاد المصري

حسب تصريحات رسمية، يسهم القطاع الصناعي بنحو 17٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظّف نحو 15٪ من جملة المشتغلين، بخلاف العاملين في المنشآت الصغيرة ومتناهية الصِغَر والذين يزيد عددهم على نصف مليون فرد، وتُمثّل صادرات القطاع نحو 60٪ – 65٪ من جملة الصادرات المصرية، وحوالي 80٪ – 85٪ من جملة الصادرات غير البترولية.

ويبلغ حجم الاستثمارات في القطاع الصناعي حوالي 62.5 مليار جنيه، بما يوفر 180 ألف فرصة عمل، وتقسم الفرص كالتالي: “1625 فرصة استثمارية في الصناعات الهندسية، و861 فرصة استثمارية في الصناعات الكيماوية، و649 فرصة استثمارية في الصناعات الغذائية، و605 فرصة استثمارية في الصناعات النسيجية، و395 فرصة استثمارية في الصناعات الدوائية، و122 فرصة استثمارية في الصناعات المعدنية، و56 فرصة استثمارية في الصناعات الجلدية”.

وينقسم القطاع الصناعي أساسًا إلى أربعة قطاعات رئيسة، هي الصناعات الهندسية، والكيماوية، والنسيجية ومواد البناء، كأحد أهم الصناعات المطلوبة لتعميق الصناعة وترشيد الواردات لكونها صناعات داعمة لسلاسل التوريد المحلية وذات نمو سريع وتحقق المستهدفات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إذ تمثل صادراتها حوالي 70% من إجمالي صادرات مصر الصناعية.

الوضع الحالي للمناطق الصناعية بمصر

وفقًا للموقع الإلكتروني للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، توجد بمصر 114 منطقة صناعية في 26 محافظة، أي تغطي كافة أنحاء الدولة تقريبًا، 15% من إجمالي عدد المناطق الصناعية يقع بالقاهرة الكبرى حيث يوجد بها 18 منطقة صناعية. وتتبوأ الاسكندرية المكانة الثانية من حيث عدد المناطق الصناعية فتحتوي على 7% أي 9 مناطق صناعية. 

ثم تأتي كل من أسيوط وبني سويف في المكانة الثالثة؛ إذ تحتوي كل منهما على 8 مناطق صناعية. ومن الجدير بالذكر أن أسيوط هي أعلى محافظات الجمهورية في نسبة الفقر؛ فيقع أكثر من ثلثي سكانها تحت خط الفقر، بالتالي يؤدي إنشاء عدد من المناطق الصناعية إلى الإسهام في حل مشكلة الفقر بها، حيث تتوافر الموارد البشرية اللازمة للعمل في هذه المصانع.

وعلى الرغم من تشجيع الدولة من خلال بنية تشريعية تحفيزية للاستثمار في المحافظات الحدودية، إلا أننا نلاحظ انخفاض أعداد الاراضي المخصصة لإقامة مناطق صناعية بها؛ إذ تأتي محافظة جنوب سيناء في المرتبة الأخيرة من حيث عدد المناطق الصناعية بها. ونجد بكل من أسوان والاقصر ومطروح (منطقتين فقط). ومن الملاحظ كذلك انخفاض أعداد المناطق الصناعية بمحافظات الدلتا التي ترتفع فيها كل من نسب الفقر والكثافة السكانية، فتحتوي كل من دمياط وكفر الشيخ والدقهلية والمنوفية على (منطقتين فقط)، ويوضح الشكل التالي توزيع المناطق الصناعية على مُحافظات الجمهورية:

https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2020/09/image-130-1024x565.png

تحديات تواجه المناطق الصناعية في مصر

تواجه المناطق الصناعية الموجودة حاليًا عدد من التحديات أهمها:

  • تقادم البنية التشريعية: فقانون تنظيم الصناعة صدر مُنذ أكثر من 60 عامًا، تغيرت خلالها الظروف الاقتصادية والسياسية بمصر والمنطقة والعالم بأثره، واختلفت الديموغرافيا والبنية التحتية وتوجهات مصر في التنمية، ولازالت القوانين المنظمة هي نصوص قديمة.
  • ارتفاع أسعار الرسوم والخدمات: مثل استخراج السجل التجاري، واشتراك الغرف الصناعية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار التشغيل والكهرباء والبنزين.
  • تعدد جهات الولاية: إذ تقوم هيئة التنمية الصناعية بدور الإشراف على المصانع، فيما تقوم هيئة الاستثمار بالدور التنظيمي الخاص بالاستيراد. بجانب أن تمثيل هيئة التنمية الصناعية ضعيف يكاد أن يكون غير موجود في بعض المحافظات والمدن ما يتسبب في هروب المستثمرين إلى القاهرة.
https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2020/09/image-131.png

مشكلات بالمرافق والبنية التحتية: فعلى الرغم من بذل الدولة مجهودًا كبيرًا في توفير بنية تحتية جاذبة للاستثمار، خاصة في السنوات الأخيرة، إلا أن بعض المستثمرين لازالوا يشكون من مشكلات في البنية التحتية في بعض المناطق الصناعية التي تعمل الدولة على حلها.

رؤية مصر المستقبلية للمناطق الصناعية

 في ضوء التحديات السابقة، ولما للمناطق الصناعية من أهمية، اتجهت الإدارة المصرية إلى تبني رؤية مُتكاملة لتطوير القطاع الصناعي بكامله، ويأتي تطوير المناطق الصناعية في مصر على رأس المرتكزات الأساسية لهذه الرؤية، إذ تُسهم كثيرًا في تطوير الصناعة المحلية وتلبية حاجات السوق من مختلف البضائع والسلع والمنتجات ويقلل استيرادها، ومن ثم توفيرها لموارد مالية كبيرة لموازنة الدولة، فضلًا عن أن إنشاء هذه المناطق يسهم في خفض نسب البطالة، وتتشكل هذه الرؤية في جوهرها من:

  • التوسع في إنشاء المناطق الصناعية

وضعت الدولة خطة لزيادة عدد المناطق الصناعية، إذ تستهدف بحلول 2024 تنفيذ 13 مجمعًا صناعيًا متكاملًا، يحتوي على 3619 وحدة صناعية صغيرة تتراوح مساحة الوحدة بين (100- 2000 م2) مكتملة المرافق والمباني، وطرحها للشباب الراغبين في تنفيذ صناعات صغيرة لتوفير 20 ألف فرصة عمل مستدامة.

وكانت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد قد صرحت بأن الأحداث المُصاحبة لأزمة فيروس كورونا فرضت تطوّرًا جوهريًا في الفكر الاستراتيجي للتنمية الصناعية، حيث تزايدت الدعوات “للتوجّه الداخلي” بدلًا من الانفتاح الخارجي، بحيث ينصب الاهتمام على توطين الصناعة اعتمادًا على الموارد المحلية وسلاسل الإمداد الداخلية وتخفيض الاعتماد بدرجة أو بأخرى على العالم الخارجي في دعم البناء الصناعي، وتعميق التصنيع المحلي.

  • مرافق مُخفضة

تندرج المناطق الصناعية تحت نظام “الاستثمار الداخلي” الذي يتمتع بأسعار مخفضة للمرافق مقارنة بالمناطق الاستثمارية، حيث يبلغ سعر المتر حوالي 500 جنيه مقابل حوالي 1500 للمناطق الاستثمارية وليس بها شرط دفع 15% مقابل خدمات المرافق الخاصة بالمناطق الاستثمارية. وكذا، تم تشجيع المستثمرين للتوجه للمناطق الصناعية من خلال خفض أسعار الغاز الطبيعي.

https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2020/09/image-132.png
  • حوافز تشريعية

أما عن الحوافز التشريعية نجد قانون تنمية المشروعات الصغيرة الجديد يشجع الشباب على إقامة المشروعات الصغيرة داخل المناطق الاقتصادية حيث يتم تخصيص أراضٍ بالمجان أو بقيمة رمزية للراغبين في إقامة هذه المشروعات في المناطق الصناعية، خاصة في المحافظات الحدودية والصعيد. مع إعفائه من قيمة توصيل المرافق بعد التأكد من إقامة المشروع والبدء في الإنتاج. 

وكذا، أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا بتطبيق حكم المادة (11) من قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2017، ولائحته التنفيذية بند (أ) الذي ينص على خصم 50% من التكاليف الاستثمارية كحافز استثماري للمستثمر الراغب في إقامة مشروع بالمنطقة الصناعية بالمناطق الحدودية أو مناطق الأشد احتياجًا أو الأكثر كثافة في العمالة وهي (جنوب محافظة الجيزة والسويس، وبورسعيد، والإسماعيلية، وشرق القناة، وكذا المحافظات الحدودية، بما فيها محافظة البحر الأحمر من جنوب سفاجا، ومحافظات الصعيد).

أبرز التدابير والمبادرات التي أطلقتها الحكومة للترويج للمناطق الصناعية

أطلقت الحكومة المصرية عِدة مبادرات لتشجيع المستثمرين للتوجه نحو المناطق الصناعية، منها إطلاق هيئة التنمية الصناعية مبادرة “مصنعك جاهز بالتراخيص”، فقد طرحت الهيئة 296 مصنعًا جاهزًا، في خطوة تنفذ لأول مرة في مصر بمدينة السادات، وكانت باكورة إقامة أول مجمع صناعي كامل المرافق والمباني وجاهز بالترخيص ليبدأ المستثمر مشروعه والتشغيل فور الحصول على الوحدة.

وكذلك، تم إطلاق خريطة موحدة للاستثمار الصناعي تشمل قاعدة بيانات موحدة لجميع الفرص الاستثمارية المتاحة بالقطاعات الصناعية في مختلف محافظات مصر، وتم تحديدها اعتمادًا على الميزات التنافسية والمقومات الاستثمارية لكل محافظة، وتضم الخريطة آلاف من الفرص الاستثمارية في قطاعات مختلفة. ويصدر بشكل دوري طرح للفرص للاستثمارية المتاحة بحيث يتمكن المستثمر من الدخول والتعامل عليها من أي مكان في مصر والعالم عبر البوابة الإلكترونية (investinegypt.com) .

تُساعد الخريطة الاستثمارية على تطبيق مبدأي تكافؤ الفرص والشفافية لأنها المنفذ الوحيد للحصول على الأراضي الصناعية التي تطرحها الدولة في المناطق الصناعية، وتوفر بيانات كاملة عن المناطق الصناعية وكافة الأراضي الشاغرة الجاهزة للاستثمار. ويتم إغلاق الطلب بعد تلقي 10 طلبات كحد أقصى على كل فرصة، حيث يتم حجبها للدراسة الفنية والاقتصادية، وخلال فترة لا تتعدى 70 يومًا يتم إعلان النتيجة المبدئية عن الحاصلين على القطع بعد اختيار أفضل الطلبات، ثم خلال 20 يومًا يتم البت في التظلمات أو الطعون إن وجدت، ويتم نشر درجات التقييم بشفافية؛ بحيث يستطيع المستثمر الاطلاع على نتائج دراسة طلبه الذي قدمه ودراساته الفنية والاقتصادية التي تم بحثها وذلك عبر البوابة الإلكترونية. وفي حالة رفض الطلب يمكنه مراجعة أسباب الرفض تليفونيًا من خلال خدمة العملاء بالهيئة، وفي حالة قبول الطلب يقوم المستثمر بتقديم المستندات بمقر هيئة التنمية الصناعية لاستكمال إجراءات تخصيص الأرض.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى