
استجابة سريعة.. تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على أسواق الطاقة
شنت القوات الروسية هجومًا على أوكرانيا يوم الخميس الماضي وذلك عقب تصاعد التوترات بين الجانبين على خلفية حشد الأولى آلاف العسكريين على مقربة من الحدود الأوكرانية لمواجهة تزايد وجود حلف “الناتو” قرب حدودها، إذ تتطلع موسكو لتأمين ضمانات أمنية غربية تتعلق بوقف تمدد الحلف شرقًا والعودة لحدود عام 1997، مع الامتناع عن نشر أسلحته داخل دول الاتحاد السوفيتي السابق التي تعتبرها مجالًا حيويًا لأمنها القومي ومنطقة نفوذ حصرية لها.
وقد أسهمت الأزمة في ارتفاع أسعار الطاقة الذي تعاني منه غالبية دول العالم منذ نهاية العام الماضي؛ على خلفية ارتفاع مستويات الطلب بدعم من التعافي الاقتصادي وانتشار عمليات التلقيح بالتزامن مع تراجع الإمدادات واضطراب سلاسل التوريد. وفي هذا السياق، أكد صندوق النقد الدولي أن الصراع المتصاعد بين الدولتين سيؤدي إلى زيادة تكاليف الطاقة وأسعار السلع، مما سيُبقي معدلات التضخم مرتفعة لفترة زمنية طويلة.
وشهدت الأسواق العالمية حالة من الاضطراب تجلت في ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى مُعدلات غير مسجلة منذ 2014؛ خوفًا من تأثير الأزمة الأوكرانية الروسية على الإمدادات وسلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم.
استجابة أسواق الطاقة
تأثرت أسواق الطاقة فور تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية؛ إذ بلغ سعر خام برنت نحو 102 دولار للبرميل، وهو المستوى الأعلى منذ عام 2014، وقفزت العقود الآجلة للخام الأمريكي إلى حوالي 97.59 دولار للبرميل، ولكن سرعان ما هدأت الأسواق خلال تعاملات يوم الجمعة ليتراجع سعر خام برنت إلى أقل من 98 دولارًا، وكذلك الخام الأمريكي مسجلًا 91.59 دولار للبرميل. وكذا، أسهمت الأزمة الحالية في ارتفاع العقود الآجلة للغاز الطبيعي للسوق الأوروبية إلى حوالي 132 يورو لكل ميجاوات/ساعة مقارنة مع المستوى المتداول قبل تصاعد حدة التوترات عند 110 يورو لكل ميجاوات/ساعة.
وفي هذا السياق، توقع بنك “جولدمان ساكس” ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 25% إلى 125 دولارًا للبرميل بحلول مايو، إذا تسببت الأزمة الروسية الأوكرانية في صدمة للمعروض بالأسواق العالمية، مشيرًا إلى أن حالة عدم اليقين حول العقوبات المحتملة بدأت تخلق صدمة محتملة للمعروض من الخام. في حين أظهرت توقعات بنك “جيه بي مورجان” إمكانية ارتفاع متوسط أسعار النفط إلى 110 دولارات للبرميل خلال الربع الثاني من العام الجاري، وكتب محللو البنك الأمريكي في مذكرة أنه من المرجح أن يشهد سوق النفط ارتفاعًا مستدامًا خلال الربع المقبل، قبل أن يتراجع متوسط الأسعار إلى 90 دولارًا بحلول نهاية العام.
وعلى صعيدٍ آخر، توقعت “ريستاد إنيرجي” ارتفاع أسعار النفط إلى مستوى 130 دولارًا للبرميل بفعل الغزو الروسي الأوكراني، مؤكدة أن الصراع يهدد في الوقت الحالي مليون برميل يوميًا من الخام الذي يتم نقله عبر البحر الأسود وأوكرانيا، وقد تكون الاضطرابات طويلة الأجل أشد وطأة. ومن ناحية أخرى، خفضت “أوبك +” توقعاتها للفائض بسوق النفط في 2022 بحوالي 200 ألف برميل يوميًا ليصل إلى 1.1 مليون برميل يوميًا، وأظهرت البيانات الصادرة عن التكتل أن المخزونات في الدول المتقدمة كانت تقل بنحو 62 مليون برميل عن متوسطها خلال الفترة التي تتراوح بين عامي 2015 و2019 في نهاية العام.
أهمية روسيا في سوق الطاقة العالمي
تحتل روسيا مكانة متقدمة في سوق الطاقة العالمي حيث تستحوذ على حوالي 17% و12% في سوقي الغاز والنفط على الترتيب، فيما يعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل خاص على الطاقة الروسية، والتي أصبحت غير مستدامة بشكل متزايد، كما يُبين الشكل الآتي:
يُبين الرسم السابق أن روسيا تستحوذ على حوالي 41.1% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز حتى عام 2019، تليها النرويج التي تحتل المرتبة الثانية عند حوالي 16.2%، ومن ثم الجزائر وقطر عند مستويات تُقدر بنحو 7.6% و5.2% على الترتيب.
وقد أعطى فائض الغاز الضخم روسيا نفوذًا جيوسياسيًا واستراتيجيًا قويًا في المشهد العالمي للطاقة وخاصة في السوق الأوروبية؛ إذ استطاعت الحكومة الروسية أن تستخدم سلاح الغاز الطبيعي لتأمين مصالحها السياسية كما فعلت في عامي 2006 و2009 حينما قررت قطع إمدادات الغاز الطبيعي القادم إلى أوروبا عبر أوكرانيا بعد خلاف بين الدولتين على تسعيره. وبلغت حصة روسيا في إجمالي واردات الغاز الأوروبية (خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال معًا) نحو 43% حتى الربع الثالث من عام 2021. ويبين الشكل التالي نسب اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي:
يوضح الشكل السابق أن كلًا من التشيك ولاتفيا ومولدوفا تعتمد بنسبة 100% على الغاز الروسي، فيما تتراوح نسبة اعتماد المجر وسلوفوكيا وبلغاريا وصربيا وفنلندا وألمانيا بين 95% إلى 55%، لتتراجع النسبة في دول مثل إستونيا ورومانيا وإيطاليا لمستويات تقل عن 50%، فيما تصل نسبة اعتماد المملكة المتحدة إلى 7% فقط.
وفي الختام، يتبين من التحليل السابق مدى أهمية الغاز الروسي بالنسبة للقارة الأوروبية مقارنة بباقي دول العالم، ولهذا أدت المخاوف بشأن انقطاع أو اضطراب الإمدادات إلى إرسال أسعار الطاقة إلى مستويات مرتفعة للغاية.
باحثة ببرنامج السياسات العامة